جعفر عباس

أغبى مني


نضحك عادة على أخطاء وسقطات الآخرين، لأنّ ذلك يعطينا الإحساس بأننا لسنا مثلهم، وتحمّلوني وأنا استعيد تجربة كتبت عنها من قبل وذلك عندما ذهبت إلى لندن لأول مرة وقررت التوجه إلى المعهد الذي سألتحق به في دورة دراسية، وبما أنني لم أكن أعرف موقع المعهد فقد استخدمت هاتفاً عموميا في الشارع واتصلت بالمعهد وجاءني صوت نسائي يقول إنه ما من أحد في المكان ليرد على مكالمتي، فقلت لها إنني فقط أريد منك أن تدليني على موقع المعهد، ولكنها قالت مجددا إنه لا يوجد في المعهد من يتلقى مكالمتي، ثم سمعتها تذكر أمورا لم أفهمها عن مواعيد عمل محددة وبعد جدل طويل صحت فيها: أي مواعيد يا «بايخة» يا سخيفة؟ هل أنت في عيادة أم مؤسسة تعليمية؟ وهل أنت جماد أم حيوان؟ لماذا لا تسمعين ما أريد قوله لك؟ ما قلة الذوق هذه؟ ولكنها كررت عبارة: لا يوجد شخص ليرد على مكالمتك! قلت: الله يطولك يا روح. زين أنك تعترفي بأنك لست «شخصا»، لأنه من الواضح أنك «حمارة» غبية، ثم انتبهت إلى أنها تكرر تلك الجملة بانتظام، وتحدد الأيام والساعات التي يكون فيها المعهد مفتوحا. وعندها فقط أدركت أنني كنت أردح مع جهاز تسجيل. والأدهى من ذلك أن اليوم كان (سبتا) أي يوم عطلة، ولم أكن أعرف وقتها أن الخواجات يتمتعون بعطلة أسبوعية يومي السبت والأحد
في مدونة لشخص أمريكي على الإنترنت (بلوغ) قرأت عجبا عن أناس أكثر مني غباء، فقد ذهب صاحبنا إلى محل وجبات سريعة وطلب (نصف درزن) من قطع الدجاج (ناجيتس) ولكن البائع قال له إنهم يبيعون 6 قطع أو 9 أو 12، فسأله المشتري: يعني نصف درزن غير ممكن؟ إذن أعطني ست قطع!!! وهكذا أعطاه البائع ست قطع لعدم توفر نصف درزن (بالمناسبة فإنّ كلمة درزن ليست عربية بل تحوير للكلمة اللاتينية «دَزِن»)، وكان للأمريكي صاحب المدونة زميل في العمل شكا من عدم وجود ورق في الطابعة الخاصة به، فاقترح عليه أن يأخذها من ماكينة التصوير (الفوتو كوبي) فما كان من الموظف الهمام إلا أن حمل الورقة الوحيدة البيضاء لديه ووضعها على الفوتو كوبي وقام بتشغيلها فحصل على ست نسخ بيضاء نظيفة.
كان ولدي خلال دراسته في نيوزيلندا يعمل في أوقات فراغه في شركة كمبيوتر وكانت مهمته مساعدة الزبائن الذين يتصلون بالشركة هاتفيا عندما يواجهون مشكلات في كمبيوتراتهم، وذات ليلة عرض عليه زبون مشكلته، وصار ولدي المسكين يسأله عن هذا الأمر وذاك، حتى يعرف أصل المشكلة، وفي النهاية فهم من المتصل أنه انتقل إلى بيت جديد غير مزود بالكهرباء! وتلقى زميل له مكالمة مفادها: أن لهبا ودخانا يتصاعد من جهاز الكمبيوتر فماذا أفعل؟ وفي حكاية وردت في موقع خدمات الطوارئ الأمريكية اتصلت سيدة لتشكو من أن طفلها الصغير أكل عددا كبيرا من النمل الأبيض فقال لها من تلقى المكالمة: لا تنزعجي، وإذا أحس بضيق اسقيه ماء به بعض الملح ليتقيأ. ولكن الأم قالت له: لا أظن أن هناك داعيا لذلك، فقد فتحت فمه ورششت فيه مبيداً حشرياً «بخاخا». هنا قاطعها عامل الهاتف في خدمة الطوارئ: في هذه الحالة انقليه فورا إلى المستشفى.
وأعرف حكاية موظفة تلقت إنذارا بسبب غيابها المتكرر بادعاء المرض فما كان منها إلا أن ذهبت إلى مختبر طبي في العيادة التي «يتعالج» فيها موظفو الشركة حاملة عينة من البول وضعت فيها بعض الرمل كي يسفر الفحص عن وجود حصى لديها تسبب لها المشاكل الصحية التي كانت تدّعيها.