مقالات متنوعة

اسحق الحلنقي : فلا نامت أعين المغتربين


* استلت الهجرة السوداء خنجراً ثم غرزته في كبدي وأنا أجاهد لألقى فرصة المغادرة على أول طائرة تقلني إلى السودان حتى أتمكن من إلقاء النظرة الأخيرة على وجه والدي، ولكن الأقدار أرادت غير ذلك فعدت وأنا أجر أقدامي باكياً إلى منزلي في مدينة العين، وها أنا الآن وبعد مرور أكثر من عشرين عاماً على وفاة الوالد عليه الرحمة لم يزل هذا البكاء يسكنني فلا نامت أعين المغتربين.
* لن أنسى منظر ذلك الابن الذي تلقى صفعة من والده أسقطته أرضاً لأنه لم يتمكن من الحصول على مجموع يؤهله للالتحاق بإحدى الجامعات ، قلت لنفسي لو أن هذا الرجل كان يعلم أن توماس أديسون مخترع المصباح الكهربائي نصحه أستاذه يوماً بعد أن لاحظ ضعفه في تحصيله العلمي أن يعمل بائعاً للبطاطس في شارع خلفي إلا أن أديسون أصرّ أن يثبت للعالم أجمع أن العبقري وإن كان فاشلاً في دراسته سيظل عبقرياً، ليت هذا الأب كان يعلم ذلك؟
* أعلنت الممثلة صوفيا لورين انفصالها نهائياً عن خطيبها ملك المناجم الشهير وقالت إنه أثناء حوار بينهما كشفت له عن حبها الشديد للعصافير فرد عليها باستخفاف أما أنا فإنني لا أطيق أن أسمع لها شقشقة مما جعلها تشعر أن الحياة مع رجل بهذه القسوة ستقودها إلى الجحيم وقد دفعها إلى الانفصال عنه دون تردد ، وفجأة استأذنت جمعاً من الصحفيين حاصرها بالأسئلة في السماح لها بالذهاب فقد جاء موعد إطعامها للعصافير.
* قال لي أحد الأصدقاء لقد لاحظت أنك تتحدث دائماً عن الشاعر محمد عثمان كجراي دون غيره من الشعراء ، فقلت له لو أنك جلست إلى كجراي ساعة واحدة لعلمت أنك تجلس إلى بستان يتكلم بلغة الأمواج ، ما أروع كجراي وهو يدخل علينا ونحن لم نزل أطفالاً في مدرسة كسلا الريفية ليحدثنا عن بطولات لأجدادنا وكيف أنهم كادوا أن يحملوا التاكا على ظهورهم ليحاربوا بها الطغمة الظالمة من المستعمرين ، كان شاعراً ثائراً صنع من رقة الكلمة رصاصة تقاتل.
* تعتبر زهرة (الرافليسيا) سيدة على كل الأزهار في الأرض لأنها وبالرغم من جمالها اشتهرت بإرسالها لروائح كريهة يعافها الذباب، وأنا أقولها بصدق أن عدداً من الناس في هذه الحياة الفانية تراهم من الخارج مثل كوكب مضئ إلا أن دواخلهم تسكنها غابات من زهرة الرافليسيا ، مليئة بالحقد والكره والأوحال والسعي للفصل بين الأم ورضيعها ،يا ويل هؤلاء من عذاب يوم عظيم.
هدية البستان
مرت لحظات وكمان ساعات طالت وحياتك منتظرين
لو وشوش صوت الريح في الباب يسبقنا الشوق قبل العينين