حسين خوجلي

حكاية من دفاتري القديمة..!


< «الأميرة» اسم تفوق في الذوق العربي على لفظ صاحبة الجلالة «فالملكة» وظيفة. ولكن الأميرة في الفكر العربي والصياغة الوجدانية رمز وحشد من الترف والظرف والملاحة والأناقة الحرى. التي لو طلب لكل واحد منا أن يكتب فيها لأمدنا بكتاب واتحفنا بسير وحكايات لا تنضب ولا ينقطع وميضها ولا بريقها من العطاء الهامس. الأميرة والأمير في الشعر والأدب والإنسان العربي كلمات تقال فتنتفض أشجار من الأفكار وانهار من الرؤى والمعاني. كل هذا قدمته لأتحدث بحرية، عن «أميرة» سودانية بعينها بالرغم من أن هنالك «أميرة» في كل حارة سودانية. «أميرتنا» هي البنت المتعلمة الودودة الجميلة التي تشب عن الطوق، فتجد أن والدها قد توفي وترك لها مجموعة من الصبيان والصبابا « كوم من اللحم» كما يقول الشماليون. لم تفرح مثل الكثيرات بوظيفة بمصرف كبير ولا ثوب «التوتال الأبيض» الناصع، ذلك الخيط الفضي الشفيف الغليظ الذي يشكل الفارق بين بنات جيلنا وبنات الجيل اللاحق من لابسات «العراريق» و«العباءات» و«الأردية» وما دون ذلك.. مرت الأيام ونضجت «أميرة» وازدادت نضجاً. وكان الصف يطول من «الخطاب» وطالبي القرب وهي تستعصي على الكثيرين، بل وتستعصي على الجميع. حتى تعطي الأمان للبيت، فقد أحست بأن رحيل الأب الشاب رغم قدريته قد كسرهم. وأصرت على المواصلة والكفاح.. وتخرج على يديها الإخوان أطباء ومهندسين «قدر الدنيا» وتزوجت البنات وظلت القديسة تبكي بعد كل فرح في البيت الصغير سراً تكفكف الدمعات وراء خدمة الآخرين. وقد وصلتني بطاقة دعوة لزواج «أميرة» من شاب ثري وخلوق، طويل ووسيم، مثل النخل في بلادنا. ظل رغم الشيب أجمل من في الحفل وأندى من كل الذين تحلقوا حول المغني.. وجاءت «العروسة» وهنا تطلع رهط من الشبان الذين يعرفون القصة والتضحية مثلما تطلع السودانيون صوب الأزهري وهو«ينكس ذرى العلمين» رغم أنف الطائفية فأعطى الأمل بأن أبناء الغُبش يستطيعون الإنجاز الكبير دون الحاجة لتقبيل الأكفان وزيارة «الضرائح» أو ذبح القرابين.. أن تشهد زواجاً بعد الأربعين لقديسة فإن هذا يعطيك الأمل بأن المستحيل الجميل يصبح ممكناً. وأن الحب القوى العارضة يبقى ويخلد على مر السنين. وإن الحديث في مثل هذه الأشياء الصغيرة قد يكون أذكى من حديث السياسة. وفي هذا الوقت بالذات الذي نحتاج فيه للوداد الاجتماعي الشفيف العطوف. أشعار ضد الأزمة: كت يا بلد وكتين يفتشوا في مقامك كُت بشوف ليك المقامات البعيدة والنجيمات البتلمع تبقي فوقا وتبقي سيدا كت يا بلد والناس تزازي عشان رضاها وفي جديدا مركوز على الخاطر موسد بالدميعات البتدفق وبالقصيدة ما هان علىّ ومساك محفل بالمزازيك الحزينة لا إنت قادر تبكي فيها ولا نحن قادرين نشتهيها ولا هي قادرة تكون مراثي والقصة يا سيد الحكاية مين يفرز ومين يقول الوجعة فينا وات يا بلد والحالة ديك مسدار موشح برضاك المستحيل والدنيا نابعة عليك ليل لا غنيوة تطفئ العطشة فيك لا سلسبيل هذه الكلمات القديمة من أحد دفاتري القديمة حرضتني مع آخرين لكتابة أشعار جديدة لايقاف حركة «سحق» أغنيات زمان..