الطيب مصطفى

سيدي الرئيس .. NOW or NEVER (2-2)


كنت قد أشرت في مقال الأمس إلى أن الرياح تهب بقوة في أشرعة الحكومة السودانية جراء تغيير كبير في استراتيجية التعامل الأمريكي مع السودان حيث تأكد لنا أن إدارة الرئيس أوباما قد قررت أن تسعى خلال الأشهر القليلة المتبقية من ولايتها إلى رفع الحصار الاقتصادي عن السودان وتطبيع العلاقة معه وإيجاد تسوية سياسية تُنهي الأزمة السياسية الممسكة بخناق البلاد وتوقف الحرب في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق مع تجفيف الدعم عن الحركات المتمردة.

استندت في مقال الأمس على تسريبات مؤكدة من المبعوث الأمريكي لدولتي السودان والملحق السياسي بالسفارة الأمريكية وكذلك إلى مقال أمريكي خطير نشرناه بالأمس بعنوان : (سقوط مشروع الحركة الشعبية أخلاقياً) والذي بيّن بحيثيات دقيقة خيبة الأمل الأمريكية في الحركة الشعبية لتحرير السودان بل في الإستراتيجية الأمريكية القديمة والتي عملت بقوة على انفصال الجنوب بكل ما جره بعد ذلك من ويلات على تلك الدولة الفاشلة.

حسب ذلك المقال فإن إدارة أوباما التي تبحث عن ملف خارجي تجمّل به الوجه القبيح لسياستها الخارجية التي خلفت ، جراء ضعفها وتراجعها ، فراغاً كبيراً ملأته قوى أخرى مثل روسيا ، باتت مقتنعة بأن السودان بمقدوره أن يسهم بشكل كبير في معالجة المشكلات المتفاقمة التي تعاني منها دولة جنوب السودان بما في ذلك المجاعة والحروب القبلية وغير ذلك من أزمات يأخذ بعضها برقاب بعض.

تغيير استراتيجية أوباما ربما أملاه خوفها من أي تغيير جذري في السودان يُفضي إلى فوضى تزيد من اضطراب الإقليم سيما وأن النظام السوداني الذي ظلت وسابقاتها يكيدون له لم يقصر في التعاون (المجاني) معها في مكافحة الإرهاب منذ أيام الفريق صلاح قوش وحتى اليوم.

لذلك نصحنا الحكومة بألا تضيع هذه الرياح المواتية بالتشبث بالعناد الذي أدمنته ذلك أن الإدارة القادمة في أمريكا ستكون كارثية على السودان سواء جاءت الانتخابات بهيلاري كلينتون أو ذلك العنصري المهووس ترامب.

لقد عانى شعب السودان كثيراً من الاحتقان السياسي بكل تداعياته من حروب وأزمات اقتصادية وكذلك من العقوبات الأمريكية بكل توابعها، وليت الحكومة تعلم أن أي تنازلات تقدمها مهما عظُمت في سبيل تجاوز الأزمة السياسية والاقتصادية والأمنية ومن ثم العقوبات الأمريكية التي طال أمدها لا تقارن بالمكاسب التي ستجنيها البلاد وشعبها الصابر سيما وأن النظام الاقتصادي العالمي أضحى خاضعاً تماماً للقرار الأمريكي بما في ذلك آليات تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية وإعفاء الديون المطبقة بخناقها على السودان.

علاوة على الرياح المواتية القادمة من الخارج فإن الأوضاع الداخلية أفضل بكثير بالنسبة للحكومة ذلك أن المكاسب التي حققتها الحكومة في ميادين القتال ثم انهيار الجبهة الثورية جراء (كنكشة) الحركة الشعبية (قطاع الشمال) ورفضها التنازل عن الرئاسة الدورية لجبريل إبراهيم أحدث شرخاً كبيراً بينها وبين الحركات الدارفورية، كما أن مواقفها المتعنتة حول حل الأزمة السياسية جعلها شبه معزولة خاصة وأنها تصر خلال التفاوض على استصحاب هدفها الاستراتيجي المتمثل في مشروع السودان الجديد الذي تعمل على إقامته على جماجم أبناء جبال النوبة والنيل الأزرق الذين دفعوا منذ أيام حرب الجنوب ثمن استغلالهم من قبل قرنق وأولاده عرمان وباقان والحلو وعقار في قضية لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

أكاد أجزم أنه فيما عدا الحركة الشعبية (قطاع الشمال) فإن التوصل إلى اتفاق مع الإمام الصادق المهدي والحركات الدفورية المسلحة ليس متعذراً البتة، وسرني كثيراً من خلال معلومات مؤكدة أن كلا من الإمام الصادق المهدي ومني أركو مناوي وجبريل إبراهيم قد أبدوا رغبة مؤكدة في التوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة الوطنية التي طال أمدها.

العقبة الكؤود تتلخص في توقيع خارطة الطريق التي قدمها الوسيط الافريقي ثابو أمبيكي والموقعة من قبل الحكومة التي تصر على توقيعها من قبل المعارضة وآخر ما رشح من أنباء أن السيد الصادق وكلا من جبريل ومناوي موافقون على توقيع الخارطة لكن مع استدراك بسيط لا أرى سبباً البتة في رفضه يتمثل في عقد اجتماع بين الطرفين ينظر في مخرجات الحوار الذي تم في قاعة الصداقة ليبنى عليه بمعنى أنه إذا كانت المخرجات مقنعة فلا حاجة للمعارضة إلى أي مطالب أخرى.

إني أرى رغبة جامحة من قبل المعارضة خاصة الإمام الصادق في حل الأزمة ذلك أنهم لم يرفضوا الحوار الذي جرى في غيابهم وكل ما طالبوا به يتلخص في أن تعرض عليهم تلك المخرجات لينظروا فيما إذا كانت تستجيب لمطلوباتهم.

المطلب الآخر يتمثل في اللقاء التحضيري الذي كانت الحكومة قد وافقت عليه أمام أمبيكي ثم نكصت لتبدله بلقاء آخر محدود مع السيد الصادق المهدي والحركات المسلحة.

إنني إذ أخاطب الحكومة لأدعو إلى اهتبال هذه اللحظة التاريخية فوالله أنه لمن الخطأ الكارثي أن تغرق الحكومة (في شبر موية) وتضيع فرصة العمر سيما وأن المؤتمر الوطني بإمكاناته من سلطة وثروة يقف على أرض صلبة ولا يخشى عليه من أي تغيير يحدث في مستقبل السودان.

أقول إن تحالف قوى المستقبل للتغيير (المعارض) يعمل بتجرد كامل على رأب الصدع بين الحكومة وكل أطياف المعارضة الأخرى فهلا مُكّن من هذا الدور الذي لا يبتغي به إلا خير هذا الوطن العزيز وشعبه الصابر المحتسب؟