مقالات متنوعة

فيصل محمد صالح : في صالة المغادرة


أفق بعيد

قد يصعب الآن تعديد ما سيترتب على نتيجة استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن من المؤكد أن أخطرها على الإطلاق؛ سيكون تشجيع دول أخرى على محاولة تطبيق نفس الخطوة. فقد ارتفعت الدعوات من أحزاب اليمين الأوروبية، في أكثر من بلد، تطالب بإجراء استفتاء مماثل في بلدانها للخروج من الاتحاد. فعلت هذا ماري لوبان الزعيمة اليمينية الفرنسية، وكررتها أحزاب في هولندا وألمانيا.
لكن لماذا يقف اليمين الأوروبي هذا الموقف؟ هناك اعتقاد عام بأن السياسات المشتركة للاتحاد الأوروبي التي تلتزم بها الدول الأعضاء هي أقرب لروح اليسار الأوروبي، وبالذات في ما يتعلق بملف المهاجرين وقوانين اللجوء السياسي وحقوق الإنسان وسياسات العمل والضمان الاجتماعي وبعض السياسات الاقتصادية والبيئية بتأثير أحزاب الخضر التي تنشط في هذا الملف. ولهذا تعتقد أحزاب اليمين بأن الخروج من الاتحاد الأوروبي سيحرر هذه البلدان من عبء هذه السياسات، ويتيح لها اتخاذ سياسات وطنية خاصة بها وفقاً لمعاييرها ورغبة مواطنيها بعيداً عن سياسات الاتحاد الأوروبي.
الغريب في الأمر؛ أن المملكة المتحدة التي صوت مواطنوها بأغلبية ضئيلة للخروج من الاتحاد الأوروبي هي أصلاً أقل دول الاتحاد التزاماً بهذه السياسات، فقد رفضت المملكة المتحدة العملة المشتركة “يورو” واستمرت في اعتماد الجنيه الاسترليني على خلاف باقي دول الاتحاد الأوروبي، كما أنها أيضاً رفضت اعتماد منطقة الفيزا المشتركة التي تلغي الحدود الأوروبية “اتفاقية شينغن” واستمرت في إصدار فيزتها الخاصة. والمعروف أن من يحصل على فيزا المنطقة الأوروبية المشتركة “شينغن” من سفارات أي من دول الاتحاد الأوروبي يستطيع التحرك بحرية في 26 دولة أوروبية.
يتكون الاتحاد الأوروبي من عدد من الأجهزة والمؤسسات، أهمها ثلاثة أجسام رئيسية، هي البرلمان الأوروبي الذي ينتخب بانتخابات مباشرة في كل الدول الأعضاء بالاتحاد، ثم مجلس الاتحاد وهو يضم رؤساء الدول الأعضاء ، وأخيراً المفوضية الأوروبية وهي الجهاز التنفيذي، بجانب ذلك هناك عشرات الأجهزة المتخصصة.
ويعتقد أن أكثر القضايا إثارة للخلافات بين الدول الأعضاء، ولعلها السبب في خروج المملكة المتحدة هي السياسات الاقتصادية والنقدية وسياسات الهجرة واللجوء، ثم سياسات العمالة التي تسمح لمواطني الدول الأعضاء التنقل بحرية والعمل في كل دول الاتحاد.
إذن فإن ما سيترتب على تنفيذ خروج بريطانيا من الاتحاد سيقع – أول ما سيقع – على اللاجئين والمهاجرين، حيث يتوقع أن تتخذ لندن سياسات أكثر تشدداً، ثم سينتقل الأثر للعمالة الأوروبية المهاجرة التي ستتضرر من تغيير قوانين الإقامة والعمل.
لكن قد تكون أخطر النتائج التشرذم الداخلي للمملكة المتحدة، فتعود اسكتلندا لخيار الاستقلال مرة أخرى، وقد تتبعها ايرلندا الشمالية وتطالب بالوحدة مع جمهورية ايرلندا. الواقع يقول إن النتائج شكلت صدمة حتى لمن صوتوا للخروج، ثم ندموا بعد ذلك بعد أن تبينوا النتائج الكارثية للخروج.
عموماً؛ يبدو أن هناك فرصة أخرى من خلال عريضة المطالبة بإعادة الاستفتاء التي سيناقشها البرلمان، ولو حدثت فبالقطع ستكون النتيجة مختلفة.