تحقيقات وتقارير

عاصمة مسرفة في القتل .. الفاشر.. (فرمانات سلطانية) لفرض الأمن


في العام 1916م، أصر آخر سلاطين دارفور، السلطان علي دينار على ابتعاث كسوة الكعبة المشرفة مع حجيج الإقليم وقتذاك كما جرت العادة السنوية، وذلك على الرغم من تحرك قوات المستعمر الانجليزي نواحي المدينة لغزوها.

بعد مئة من السنوات، وفي العام 2016م، يجري اغتيال ونهب أهالي الفاشر بواسطة عصابات مسلحة لا تأبه بحرمة شهر رمضان الفضيل، وتتخير لهجماتها المصلين الخارجين من سوح المساجد في أعقاب تأديتهم لصلاة القيام.

شهر دموي

منذ بداية الشهر الفضيل والأحوال في فاشر السلطان لا تسر، حيث توقفت عاصمة ولاية شمال دارفور عن تصدير البشريات وأخبار الإنتاج وتحولت إلى جرائم القتل والنهب والترويع. خمس حالات اغتيال شهدتها المدينة أخيراً، وشملت نظاميين وأهالي لم تحمهم جدران منازلهم أو تجوالهم علانية في قلب شوارع رئيسة. وكانت حادثة اغتيال المواطن عبد الله رحمة هي الأشد إيلاماً، حيث عاجله مسلحون برصاصات قاتلة يوم الجمعة وهو خارج من صلاة القيام، فيما كان مقتل منسوب جهاز الأمن والمخابرات مصعب عمر عقب صلاة التراويح كذلك منتصف يونيو الجاري الأشد وقعاً، باعتبار أن سلاح المتفلتين موجه تلقاء الجميع وفي مناطق أخرى من الولاية تواصل مسلسل الدم، حيث لقت امرأة مصرعها على يد مسلحين في سوق كبكابية في حوادث الموت (سمبلا).

خوف مقيم

مع أن مساجد الفاشر ترتفع بالقرآن الكريم بما في ذلك قوله تعالى: (وآمنهم من خوف) إلا نفوس الأهالي يقطنها القلق، ويتسورها الخوف. وباتت المدينة اقرب ما تبدو لمدن الأشباح، إذ إن وجودك خارج المنزل يمثل مصدر خطورة على حياتك، وهاتفك النقال قد يكون سبباً لنقلك إلى المقبرة، وإن اخترت جانب البيت فلن يزورك النوم وإنما قد يزورك اللصوص المدججون بالسلاح، هذا في حال كنت سيء الحظ ذلك أن أقدار الله تنزل وإن تلوت الورد اليومي الذي يقي من طوارق الليل والنهار، فالخليفة عثمان بن عفان اغتيل وهو يتلو (وسيكفيكهم الله)، غير أنه بلا شك فالله كافٍ عباده حتى وإن لم نفهم وندرك.

مسؤوليات عبد الواحد

وحده، يعتقد والي شمال دارفور عبد الواحد يوسف، إن مسؤوليات فرض الأمن في ولايته قاطبة، وفي عاصمته على وجه الخصوص، أمر يقع على عاتقه، فإما أن يقومن بها تامة غير منقوصة، أو ليولين من له قدرة على ذلك، ذلك أو الفوضى التي لا تخلف إلا الخراب والدمار .عبد الواحد ما يزال في المربع الأول مربع فرض الأمن، حيث خرج أهالي الفاشر نواحي قصره يسألونه أن يعيد لهم روعهم الذي انفلت بلا عودة.

فتم استنفار القوات النظامية كافة، ورفعت حالة الاستعداد لأقصى الحدود، ومن المقرر أن تجري عمليات تمشيط واسعة لأحياء المدينة، لفرض الأمن، وتتبع المسلحين، ولا بأس من استلاف قاعدة النائب الأول لرئيس الجمهورية السابق، علي عثمان طه، والتي تقول (أضرب .. وأقتل). وزاد الوالي من التحصينات بأن منع حركة الدراجات البخارية التي تعد وسيلة الانفلات الأجدى، كما وحرّم لبس (الكدمول) وهو زي شعبي يلتحفه الدارفوريون لأسباب بيئية ولكنه تحول مؤخراً إلى تهديد بحسبانه يخفي ملامح الوجه كاملة، وفي مقدور مرتديه الإفلات عن العقوبة في حال تمكن من ارتكاب الجرم وهو متلفح به.

البرلمان يتدخل

بيد أن خطوات والي شمال دارفور على أهميتها، فهي في عين البرلمان غير كافية، حيث أوصى اجتماع للجنة الأمن والدفاع بضرورة إرسال قوات عاجلة إلى ولايات دارفور للحيلولة دون ظهور خطر يضاهي خطر التمرد ويتمثّل في انعدام الأمن.

وقد تفرض حالة الخوف السائدة في مدن الإقليم، وحالات النهب المستمرة للمؤسسات، ظروفاً اقتصادية بالغة التعقيد، أسوة بما اجترحه صيادلة ولاية جنوب دارفور من إضراب استمر ليوم كامل، بحسبان أن مقار عملهم باتت وجهة جاذبة لمن يريد ربحاً غير مشروع في سرعة خاطفة .مع كل تلك الخطى التي ينبغي أن تتم في تزامن وفعالية، فإن الحاجة إلى نموذج حظر التجوال في جنوب دارفور قد تكون ملحة. إذ انحسرت الجرائم على نحو ملحوظ في أعقاب تطبيق القرار، وتلك خطوة على مضاضتها وتقييدها، قد تكون ذات الأثر الأجدى.

كما تترائى الحاجة إلى التعاطي القانوني الحاسم مع المتفلتين حتى يكونوا نكالاً لمن هم دونهم، ولكن ذلك يستلزم وبلا شك مشاركة مجتمعية تؤشر لمن انفلت دون مراعاة لصلة ودم. جدير بالذكر أن الرئيس عمر البشير كان توعد سارقي السيارات في زيارته الأخيرة لدارفور، بقطع أيديهم وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، منوهاً إلى أن قيمة السيارة المسروقة يعدل النصاب المقيم للحد .أيضاً، فإن الحاجة عميقة لدراسة المسببات التي أدت إلى فورة حركة النهب والفوضى التي كانت نائمة طوال الفترة الفائتة، وعند هذه النقطة لا بد من استصحاب جهود الإدارات الأهلية التي ما تزال تملك صيتاً حسناً.

محاذيرحكومية

تحذر الحكومة من سيناريو ثانٍ للتمرد في دارفور على هيئة فوضى وانفلات أمني، وهو أمر أن لم تتم معالجته فورياً، فقد نندفع إلى مقارنة الفاشر الحالية التي أمنت هجمة الحركات ويخاف رجالها الذهاب للمساجد، مع فاشر السلطان التي ما خشيت سوى الغزاة، والذئب يعترض قوافلها المتوجهة تلقاء بكة.

مقداد خالد: صحيفة الصيحة