تحقيقات وتقارير

الفائزون من يعلِّقون الآمال دائماً على أبواب السماء الإنجاب.. المجتمع ينصب المقاصل لإعدام الأبرياء


الاستغفار يفنِّد تقارير الأطباء ويُدخل أميرة إلى نادي الأمهات بعد (27) سنة

اختصاصي نساء وتوليد: نسبة العقم تتساوى بين النساء والرجال

باحثة اجتماعية: القلق والاكتئاب والتوتر يساهم في العقم وتأخر الإنجاب

(مابقيتو تلاتة؟)، عبارة ظلت تلاحق المتزوجين بصورة مكرورة، يطرحها السائل ببساطة السودانيين المعروفة، دون أن يلقي بالا لما يترتب عليها من تأثير وضرر نفسي. خاصة أن السؤال لا يلخو من تعديات على خصوصية الآخرين. بجانب أنه رسّخ في الذهنية العامة ضرورة الإسراع في الإنجاب هرباً من السؤال المزعج، وهو ما يؤدي إلى نتائج عسكية دائما.

وفي الغالب العام تحوم دوائر الإتهام حول الزوجة كونها هي التي لا تستطيع رفد الأسرة بمولود، ليلاحقها لقب (العاقر أو العقيم)، وهو ما يزيد درجة التوتر عند الزوجين وخاصة الزوجة، مما يسبب إضرارا في الهرمونات، الأمر الذي يفاقم الأمر، وهو ما يؤدي في خاتمة المطاف إلى حدوث زيجات أخرى، فالزوجة تصبح بين مطرقة نظرات المجتمع، وسندان المشاكل الأسرية التي غالبا ما تنتهي بالطلاق.

أوراد وأذكار
الإيمان والتوحيد واليقين، ادخلت أميرة علي إلى نادي الأمهات، بعدما ظلت تحلم بذلك لمدة سبع وعشرين سنة. وتشير أميرة في حديثها لـ(الصيحة) أنها ظلت ملازمة للصبر، وتقول إن تلك السنوات مضت وأنا بين نيران أسريتنا، وتوجيهات والديه بأن يتزوج عليَّ، وطرق خلالها العديد من عيادات الأطباء المختصين، دونما فائدة تذكر، ذهبنا أيضا أنا وزوجي إلى القاهرة، عسى أن نجد الأسباب هناك وأن احصل على أمومة طال انتظارنا، وعدنا أدراجنا إلى البلاد، وفي معيتنا الأدوية التي أكد لي الطبيب المعالج بالقاهرة أنها ستكون المعبر الوحيد إلى الأمومة، وتضيف أميرة: أكملنا كل الأدوية المقررة في فترتها المحددة، وانتظرنا النتيجة، ولكن لا جديد. ودبّ الإحباط فينا مجددا بعدما بعثت إلينا رحلة القاهرة أملاً كبيراً، ومضت في قولها، ذات يوم وضعت كل الأبواب التي طرقناها نصب عينيّ، وتناقشت مع نفسي عنها كثيراً، بكل جوانبها، فانتبهت فجأة بأن هنالك باباً لم نطرقه كما يجب طيلة تلك الفترة، وهو اللجوء إلى الله، وتضيف، تحدثت مع زوجي أننا يجب أن نضع لأنفسنا أذكاراً نرجو بها الله أن يرزقنا، ويسخر لنا من عنده سبباً، وقد كان، فلجأنا إلى الصلاة على الرسول، والاستغفار بعدد معين خلال اليوم والليلة، ولم يدم الأمر أكثر من شهر واحد منذ البداية، حتى جاءتنا البشريات من التحاليل الطبية، فقد أكرمنا الله تعالى بتوأم ولدين، والحمد لله على أنه أخذ بأيدينا بعد أن عصفت بنا رياح اليأس.

مشكلات تبدو صعبة
الدكتور زاهر عمر اختصاصي النساء والتوليد ومدير مستشفى الباحة بالمملكة العربية السعودية، حكى لـ”الصيحة” الكثير من القصص التي كان شاهدا عليها، ومرت عبر عيادته، وقال: جاءتني مريضة كانت تعاني مشاكل في المبيضين وارتفاع في درجة الهرمونات مما جعل بعض الأطباء يحبطون عزيمتها ويقطعون الطريق أمام أي آمال لها في الشفاء بيقينهم استحالة العلاج، وحكى كيف أنها جاءت إليه تحمل أوراقها وتذرف الدمع السخين في آخر محاولة لها قبل عودتها إلى الدوحة محل إقامتها، وبعد تهدئتها نفسياً وإعطائها علاجاً، جاءتنا بعد عام ونصف العام مصطحبة ابنتها وتتأبط أوراقها التي أكد من خلالها الأطباء الذين قصدتهم صعوبة علاجها وهي تنوي معاودتهم وابنتها في أحضانها لكنه أكد لها صدق ما قاله الأطباء، وأن ما حدث ماهو إلا المشيئة الربانية المطلقة.

حلول مبتكرة
وأفادنا دكتور زاهر بأن نسبة العقم لدى السيدات والرجال تتساوى بواقع 30% للمرأة ومثلها للرجل، بينما يتشارك كلاهما في (30%) من مسبباته، وتبقى مجهولة بنسبة 10%، وقال إن الحلول المبتكرة، نسبة النجاح فيها تتراوح من (0 – 60%) داخل وخارج السودان، مشيراً إلى أن العمر عامل أساسي في معدلات نجاحها، فكلما تقدم العمر وتخطى كلا الطرفين الخمسين عاماً قلّت نسبة النجاح لحد الصفر، ثم تواصل ارتفاعاً طفيفاً وتصل إلى (10%) عقب تخطي سن الـ(35)، ثم تتراوح بعد ذلك صعوداً إلى (30%) في سن الـ(30) عاماً، ثم (40%) عند سن الـ(25) عاماً، وما دونه نسب النجاح تتراوح فيها ما بين 50 إلى 60%، وأضاف زاهر أنه على الذين يعتقدون نجاح الأنابيب نجاحاً كاملاً أن يعلموا أن العكس قد يكون صحيحاً، ومع ذلك فهناك معينات نجاح تعتمد على النسبة كالدواء مثلاً أو المواد المستهلكة، وكذا عمر الأم.

معضلات أخرى
التفكير المستمر في الإنجاب يقود بعض النسوة إلى التردد على عيادات الأطباء الإخصائيين، يحدوهن الأمل في الإنجاب تخوفاً من المجتمع، وبالطبع لا ينقطع رجاؤهم في الله تعالى بأن يمن عليهن بالذرية على وجه السرعة، فقد استفاض الدكتور زاهر في حديثه لـ(الصيحة)، وقال إن تأخر الحمل لمدة جائز، بشرط أن يكون الزوجان مع بعضهما دون استخدام موانع حمل باستثناء أو أن يتأخر الزواج لأن ذلك يستلزم بدء الفحوصات عقب ثلاثة أو ستة أشهر، حيث إنه يعد أحد أسباب العقم وفي الوقت ذاته ليس سبباً مباشراً في ارتفاع معدلاته التي تتراوح عالمياً ما بين (15%) إلى (20)، وأضاف الدكتور زاهر أن الزواج المبكر في مناطق عديدة متوازناً مع نسبة تأخر سن الزواج في المناطق المتحضرة بسبب التعليم وإكمال الدراسات العليا، وأضاف أن الاغتراب وإن تعددت أشكاله هو أيضاً يعد سببا من أسباب تأخر الإنجاب، وأبان أن الإصابة بالالتهابات التي تتسبب في انسداد الأنابيب التي تعود إلى أسباب الختان والممارسات غير الأخلاقية والإجهاض غير الآمن والولادة في أماكن غير معقمة من أهم مسبباته، مشيداً بارتفاع معدلات الوعي وتوفر مراكز الخدمة التي بلغت حتى الآن حوالي ثمانية مراكز بالسودان يفد إليها المرضى من بعض الدول المجاورة بحثاً عن العلاج.

طرق الحلول
ويشير دكتور زاهر إلى أن القبول والنجاح الذي حظيت به عمليات الحقن المجهري وبشكل متكاثف، جعل من أطفال الأنابيب أمراً عادياً، ولكن يبعد عنه الكثيرون، خاصة أن نسبة النجاح فيه ضئيلة، بالمقارنة مع الحقن المجهري الذي جعل نسبة الاطمئنان إليه أكبر من أي وسيلة أخرى، مبيناً أن الفرق بينهما يكمن في أن أطفال الأنابيب عملية يتم من خلالها وضع الحيوان المنوي والبويضة داخل المختبر الذي يسمى بـ(الدش)، ومن ثم وضعه في الحضانة في انتظار عملية الإخصاب، بعكس الحقن المجهري الذي يتم من خلاله حقن البويضة بالحيوان المنوي، مما يعزز من فرص النجاح. موضحا أن الأزواج في الغالب يرفضون إجراء عملية الحقن المجهري لارتفاع تكلفتها المالية، والبعض الآخر يرى في الأمر حرج لا مبرر له في ظل البحث عن ذرية مادام الأمر طبياً.

ما هو العقم
ويمضي الدكتور زاهر مشيرا إلى أن العقم له عدة أنواع، فالعقم الأولي لا يتأتى معه حدوث حمل أو إجهاض، وهناك عقم ثانوي يكون معه حدوث حمل أو ولادة لكن يعقبهما بعد ذلك انسداد في الأنابيب بسبب إلتهابات أو كسل في المبايض أو حدوث مشاكل في الحيوانات المنوية، وأكد دكتور زاهر أن البيئة تلعب دوراً كبيراً في حدوث الإجهاض، سيما المعروف عنه داء القطط وبعض الفيروسات وأضاف بأن ما يحدث من اختلال الهرمونات نسبة للإصابة بأمراض مزمنة كالسكري مثلاً، أو بعض أمراض الكلى، فضلاً عن أسباب خاصة بالرحم.

التكيُّس في دائرة الاتهام
يعتبر مدير مركز النيل للخصوبة الدكتور يعقوب محمد عبد الماجد، أبرز المشرفين على ولادة أول طفل أنابيب بالبلاد في 15 أبريل 2001م، ولكل ذلك يبقى حديثه من الأهمية بمكان، خاصة أنه حذر من أثر مرض تكيس المبايض على خصوبة النساء، وقال إن التكيس من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تأخر الإنجاب عند النساء، لافتا – بحسب الزميلة “التيار” – إلى أن الدراسات وقفت على مشكلة تكيس المبايض لافتا إلى أن المبيض المتعدد الكيسات يظهر بالكشف بجهاز الموجات الصوتية، وأن هذه الحالة موجودة بين العديد من النساء، حيث تظهر في واحدة من بين كل خمس نساء في طور الإنجاب.

كلفة عالية
وليس خافيا أن علاج تأخر الإنجاب أو العقم يكلف مبالغ طائلة داخليا، ما جعل كثيرين يبحثون عن العلاج خارجيا. وهنا يشير الدكتور يعقوب محمد عبد الماجد إلى أن العلاج بالداخل متوفر والهجرة لها أسباب عديدة أولها عدم ثقة المرضى في العلاج بالداخل، وإحساسهم بأن الخارج هو أفضل، بالإضافة إلى أن هناك شريحة من الناس لا يرغبون في العلاج في السودان ويعتبرون أن العقم وصمة وقال إن نسبة نجاح أطفال الأنابيب تصل إلى 30%، وارجع عدم نجاحها إلى عُمر المريض فكلما تقدم في العمر قل نجاح العملية، بالإضافة إلى مدى استجابة المريض للعلاج، وأضاف وتبقى من أكثر الأمراض شيوعاً في منع الإنجاب خصوصاً عند النساء ومرض تكيس المبايض لا يعرف له سبب حتى الآن لكن يظل الأطباء ينصحون بضرورة الاهتمام بالتغذية السليمة والنوم الكافي والابتعاد عن التدخين وممارسة الرياضة والتي دائما ما نفتقدها في المجتمع السوداني الذي لا يوالي هذه النصائح اهتماماً كبيراً.

معين كبير
وبحسب إفادته لنا أوضح دكتور زاهر، أن الانتشار الذي حدث مؤخرًا لمراكز الخصوبة بالسودان بعد أن أصبحت تُشكّل معيناً يلجأ إليه كثير ممن يحلمون بالأبناء وباتت مشكلة تأخر الإنجاب تحيط بالعديد من الأسر السودانية التي طال بها أمد الانتظار، وللكثير من الأزواج الذين يعانون من مشكلات في الإنجاب، ويرجع الأطباء عدم الإنجاب لأسباب كثيرة ومتعددة منها العوامل الوراثية مرورًا بالثقافة الغذائية وحتى التلوث الذي نشهده بفعل المدنية والحداثة التي يشهدها عالمنا الحديث وغيرها من المسببات.

وتنشط الجمعية السودانية للإخصاب والأجنة في سبر أغوار عدم الإنجاب إذ تخصص مؤتمرًا سنوياً تستضيف فيه أطباء أجانب للحديث حول الموضوع وآخر الحلول التي وصل إليها العالم كان آخرها انعقاد المؤتمر الثامن بالخرطوم، وتقول المؤشرات على حسب تصريحات الجمعية السودانية للإخصاب والأجنة، إن نسبة تعثر الإنجاب وسط المتزوجين 15%، وقال رئيس الجمعية السودانية للإخصاب والأجنة الدكتور يعقوب محمد عبد الماجد والخبير في مجال أطفال الأنابيب إن المؤتمر يعقد سنويا وجاء هذا العام من أجل تجويد الأداء وزيادة فرص التدريب داخل وخارج البلاد مشيرًا إلى أهمية دعم مراكز علاج العقم خاصة أن نسبة تعثر الإنجاب وسط المتزوجين في السودان 15% وقال إن علاج الخصوبة متوفر بجميع المراكز وأن السودان دخل في الخارطة العالمية التي تقدم هذه الخدمات بتكنولوجيا متقدمة، لكنه في الوقت ذاته دعا القائمين على الأمر إلى تسهيل استجلاب الأدوات والمعدات التي تعين على إنجاح أطفال الأنابيب خاصة في ظل عدم توفير النقد الأجنبي ووجود بعض التعقيدات في إدخال أدوات العمل للبلاد.

آثار نفسية
وترى الدكتورة عزيزة عوض الكريم أن القلق والإكتئاب يلعب دوراً كبيراً في تأخر الإنجاب والعقم وقالت في حديثها لـ(الصيحة) إن تأخر الحمل أو الإنجاب أو العقم مرتبط بالعوامل النفسية بشكل كبير وخاصة عند المرأة، مما يفاقم من حدة المشاكل الأسرية وعدم الاستقرار النفسي بشكله العام في محيط البيت، خاصة وإن المجتمع والزوج غالباً ما يعولان على المرأة بأنها السبب الأساسي في تأخر الإنجاب، مشيرة إلى أن الأمر يتوجب على كلا الطرفين (الرجل والمرأة) أن يكونا على دراية وعلم تامين، بأن الأمر لله من قبل ومن بعد، لأن استقرار المزاج العام والحالة النفسية الداخلية هي ركيزة ودعامة حقيقة لحدوث الحمل.

تحقيق: تيسير الريح
صحيفة الصيحة