بيانات ووثائق

(الانقاذ ) بنت الـ” 27″.. حسابات الربح والخسارة


الثورة.. على منضدة تشريح المحللين والمراقبين
الخدمة المدنية والخصخصة والحروب والاقتصاد أبرزملفات القصور

النفط واتفاقية السلام والتعليم العالي والكباري.. إشراقات ميزت الإنقاذ
الطيب زين العابدين: ارتكبت أخطاء من الصعب أن تغتفر لها

ربيع عبد العاطي: قدمت الكثير على صعيد الخدمات بالمركز والولايات
الفاضل سليمان: الوقوع في الخطأ أمر طبيعي، ولا ينبغي استغلاله

شيخ إدريس: الإنقاذ فقدت (21) ألف طالب في أحراش وغابات الجنوب
الساعوري: السودان في حاجة عاجلة لتسوية سياسية تنهي الاحتقان

الحلقة الأولى

27 عاماً مرت من عمر انقلاب (الإسلاميين) في الثلاثين من يونيو من العام 1989م، حيث تم استلام السلطة لإنقاذ البلاد من تدهور أوضاعها السياسية والاقتصادية والأمنية، خاصة وأن قوات التمرد في جنوب السودان (الحركة الشعبية) وقتها كانت قد اجتاحت العديد من المدن السودانية بل واقتربت من محطات رئيسية تحسب مصدراً للإنتاج بالدولة.. الآن وبعد مرور هذه كل السنوات الطوال فإن البعض لايزال على قناعة راسخة بأن ثورة الانقاذ الوطني كما يحلو للكثير من الإسلاميين أن يطلق عليها تسببت في إقعاد الدولة برغم المساعي الجادة والمحاولات الحثيثة للإصلاح منذ منتصف التسعينيات وحتى العام الحالي وسعى قادة الثورة لحل مجموعة من الأزمات عايشها السودان ولا يزال منذ ثلاثة عقود إلا أن الحال بقي على ما هو عليه.. عبر هذا الملف نحاول ملامسمة الواقع الذي آلت إليه البلاد بعد 27 عاماً من عمر الإنقاذ..

أخطاء عديدة
في وقت سابق طرحنا سؤالاً حول كيف ينظر المراقب لجملة المشهد السوداني إلى الإنقاذ بعد 27 عاماً من حكم السودان؟ على المحلل السياسي والشخصية الاسلامية البروفيسير الطيب زين العابدين الذي أقر بأن الإنقاذ في بدايتها كانت تحمل برنامجاً لدولة برغم من مجموعة العراقيل التي ووجهت بها على مستوى توفير الأمن للمواطنين وهي تجابه قوات الحركة الشعبية بجنوب السودان بالاضافة إلى تفاعل الشارع السوداني معها في مجمل القضايا في مطلع التسعينيات ما دفعها لتحقيق عدد من البرامج، بيد أن زين العابدين عاد وقال: “هذه الأشياء للأسف الشديد لم تشفع للإنقاذ فما ظهر من بعدها عمل على محو هذه الأمور السابقة”. مؤكداً أن الإنقاذ خلال السنوات الأخيرة ارتكبت مجموعة من الأخطاء التي قال إنها من الصعب أن تغتفر لها مستدلاً في ذلك بحرب دارفور وفصل الآلاف من موظفي الخدمة المدنية وخصخصة المشاريع الاقتصادية التي كانت تعتمد عليها الدولة في رفد الخزنية بشكل راتب من المحاصيل الزراعية والبنيات التحتية من بينها السكة حديد والخطوط البحرية ناهيك عن تدهور العلاقات الخارجية والداخلية حتى بات بالدولة ما يزيد عن مائة حزب سياسي معدومي الهوية والتأثير السياسي والحلول السياسية من وقت لآخر على مستوى حل الأزمات عن طريق كيكة السلطة مع كل من يرفع راية السلام.

انتشار فساد
ويضيف زين العابدين: بالمقابل انتشر الفساد بشهادة المراجع العام وتسلط مجموعة من الأشحاص في مؤسسات الدولة وهو ما ترتب عليه تفشي ثقافة المحسوبية والمحاباة ونفوذ أشخاص بعيدين كل البعد عن هم المواطن يكّنون الولاء للحاكم والحزب الحاكم، بينما دعا زين العابدين إلى ضرورة إحداث تغيير يعمل على تدارك الأوضاع التي تأسف على وصولها لهذا الحد من بينها تفعيل القوانين وإعمال مواد المحاسبة حتى تصبح رادعة لكل من تسول له نفسه الاعتداء على حقوق الآخرين.

أما المحلل السياسي دكتور ربيع عبد العاطي فإنه يقول لـ(الصيحة) عن ثورة الإنقاذ بعد مرور هذه السنين “إن الانقاذ خلال 27 عاماً الماضية قدمت الكثير للشعب السوداني على صعيد الخدمات بالمركز والولايات من حيث توفير المياه والكهرباء والتعليم والصحة”. ونوه ربيع لأن الإنقاذ عملت على تنفيذ مجموعة من السياسات التي بدورها رفعت من المستوى المعيشي للمواطن وأفسحت له مجال المنافسة والارتقاء مسترشداً في ذلك بتوسعة مظلة التعليم العالي بالاضافة إلى إقامة شراكات سياسية مع مجموعة من الأحزاب السياسية التي تحولت إلى مؤسسات سياسية تسهم في الحل بدلاً من الاقتتال معها. فيما مضى ربيع عبد العاطي في الحديث عن توقيع اتفاقيات أحدثت تحولاً في توفير حل لقضايا عجزت فيها الحكومات السابقة في حلها فكانت اتفاقية السلام الشامل بجنوب السودان بالرغم من حديث البعض وانتقادهم لها ولكن في نهاية المطاف عملت على إنهاء الحرب وإيقاف نزيف الدماء.

غير معصومة
ومع ذلك فإن ربيع يرى أن الإنقاذ غير معصومة من الخطا قط فهي تجربة بشرية، منتقداً في الوقت نفسة التقليل من قيمة ما قامت به من إنجازات قائلاً: “دفعت بأبنائها في سبيل توفير الأمن والاستقرار “في إشارة إلى التحاق الآلاف من الطلاب والشباب بساحات القتال بجنوب السودان عند منتصف التعسينيات، مشيراً إلى مجابهتها للحصار الاقتصادي المفروض من قبل الإدارة الامريكية على السودان منذ بداية تسعينيات القرن الماضي بالسعي إلى رفع قيمة الإنتاج فكان البترول. ويعود ربيع ليؤكد أن هذا لا يعني عدم الاعتراف بالخطأ ومحاولة تصحيحه. ربيع يشير في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن مبادرة الحوار الوطني الأخيرة جاءت في هذا السياق التصحيحي فضلاً عن وثيقة الاصلاح، لافتاً إلى أن الأمر صعب بعض الشئ ولكنه غير مستحيل فالفرص لا تزال متاحة لتنفيذ العديد من البرامج متى ما بعدت جميع الأطراف الموالية والمعارضة من سياسات التشكيك وعدم الثقة في الآخر للتوافق على كلمة سواء.

تشريعات وقوانين

القانوني والقيادي بالوطني ورئيس لجنة التشريع والعدل بالبرلمان السابق مولانا الفاضل حاج سليمان يشير في حديثه إلى أن الإنقاذ طيلة السنوات على مستوى التشريعات القانونية قامت بصياغة مجموعة من الوثائق القانونية التي راعت من خلالها حالة التعدد والتنوع في الدولة والقواسم المشتركة بالبلاد ومراعاة كافة الحقوق والواجبات بما يكفل التوزيع العادل للموارد والخدمات بالمركز والولايات فهي من قامت بتنفيذ النظام الفيدرالي والذي قسم مستويات الحكم إلى ثلاثة مراحل.. المركز – الولاية – المحلية والآن من خلال مبادرة الحوار الوطني نتوقع الوصول إلى تفاهمات مشتركة من شأنها أن تعمل على معالجة دستور العام 2005 الانتقالي والذي جاء نتيجة لاتفاقية السلام الشامل ووضع دستور دائم يتم التوافق عليه من قبل الأحزاب والقوى السياسية، وقال الفاضل: ” الوقوع في الخطاء أمر طبيعي بعيداً عن سياسات الترصد من قبل المعارضين والذين استهجن تصرفات البعض منهم في محاولة استغلال هذه الأخطاء للتقليل من مساعي الانقاذ في حل أزمات البلاد”. وقطع بأن السودان من أفضل البلدان التي بها قوانين، مقراً بالحاجة إلى تفعيل بعض المواد القانونية فمتى ما توفرت هذه الأمور فإن سيادة حكم القانون والمساواة في الحقوق والواجبات من المؤكد حينها لن تكون هناك أصوات تنادي بإشهار السلام والمطالبة بالحقوق لطالما توفر الأمن والمحاسبة والتنمية.

تحديات ماثلة
تحديات عديدة تواجهها الإنقاذ في عيدها السابع والعشرين إلا أن الحرب تعد أبرز تلك التحديات الماثلة التي لم تستطع (الإنقاذ) طيلة 27 عاماً الماضية، تجاوزها بأي حال من الاحوال برغم من مساعيها المتعددة في إيقاف نزيف الدم وإسكات صوت البندقية حيث خاضت الحكومة منذ مجيئها في مطلع التسعينيات محاولات لحوار مع الأطراف المسلحة فكانت الحركة الشعبية بجنوب السودان بيد أن جميع المحاولات قد باءت بالفشل لتمسك كل طرف بوجهة نظر يرى فيها أحقية تحقيق السلام حينها فقدت الإنقاذ- حسب ما يقول رئيس اتحاد الطلاب السودانيين ومسؤول التنظيم في الحزب الحاكم بولاية الخرطوم الاسبق محمد عبد الله شيخ إدريس- فقدت ما يزيد عن 21 ألف طالب في أحراش وغابات الجنوب في سبيل التصدي لمحاولات الاجتياح المتكررة التي كانت تقوم بها الحركة الشعبية حتى مجيء اللحظة الفعلية لمفاوضات حقيقية ما بين الحكومة والحركة في العام 2002 بانطلاقة مباحثات (مشاكوس) والتي هي الأخرى لم تمضِ بسلام جراء تعنت الأطراف والتخندق في ذات المنطقة خاصة وأن الحركة بقيادة د. جون قرنق وقتها تمسكت بأحقية تقرير المصير بناء على ما نصت عليه وثيقة القضايا المصيرية الموقعة في العاصمة الإرترية أسمرا في العام 1995م وهو ما رفضه جملة وتفصيلاً قائد التفاوض من جانب الحكومة آنذاك دكتور غازي صلاح الدين.

خميرة عكننة
دكتور غازي كان يرى حينها أن هناك قضايا أهم بكثير فيما يختص بشأن جنوب السودان لها الأحقية في النقاش والتداول في قضية تقرير المصير بيد أن الأطراف الدولية ممثلة في كل من الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوربي كانت لها وجه نظر أخرى بضرورة استمرار ما ابتدر من مباحثات ما دعاها للذهاب إلى تقديم وعود للأسف خسرت فيها الحكومة السودانية نتيجة تصديق تلك الأطراف كثيراً، حيث قامت الخرطوم باستبدال طاقم وفد المباحثاث بشخص آخر ليتولى النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه مسؤولية الملف للتفاوض مع الحركة حتى جاء تاريخ العام 2005م والذي بموجبه تم التوقيع على اتفاقية نيفاشا للسلام بجنوب السودان وهي الأخرى التي ماتزال المعارضة في الداخل من أحزاب سياسية تعتبرها القشة التي قصمت ظهر البعير حيث قدمت جنوب السودان في طبق من ذهب في أقل من خمس سنوات بالإضافة إلى أنها لم تقم بحسم مجمل القضايا العالقة التي ماتزال محط خلاف و”خميرة عكننة” للسودانيين شمالاً وجنوباً، حيث انفصل الجنوب بحلول الحادي عشر من يوليو من العام 2011 لتتحول جميع الملامح والتضاريس الجغرافية والمكون الديمغرافي إلى واقع آخر من حيث المعاملات والاجراءت الاقتصادية والسياسية.

ضائقة اقتصادية
من المؤكد لم تخلُ العلاقة ما بين جوبا – الخرطوم من مشاكسات وصلت أحياناً حد تحريك الجيوش حيث كانت واقعة دخول قوات الحركة الشعبية لمنطقة ” هجليج” في العام 2012 بداية التوتر الحقيقي بين الدولتين خاصة وأن الحسابات كانت تشير إلى أهمية العلاقة بحكم القرب الجغرافي والاستفادة من التبادل الاقتصادي فجوبا تحتاج لما يزيد عن 72 سلعة غذائية يتم استيرادها من السودان والخرطوم هي الأخرى في حاجة لتوفير احتياجات ما يقارب 30 مليون نسمة من تعداد سكانها من سلعة لوقود فعندما أقرت بنتيجة الانفصال كان يشكل النفط حوالي 67% من موازنة الدولة السودانية فمنذ منتصف التسعينيات توجهت الحكومة بثقلها نحو الاعتماد شبه الكلي على مورد النفط على حساب موارد أخرى، عازية ذلك إلى سهولة الاستخراج خاصة وان من يقوم بذلك العمل هي مجموعة من الشركات حيث وقع الاختيار وقتها على دولة الصين والتي ما يزال السودان يدين لها بمئات المليارت.. هذه الامور جعلت من التحديات التي تلت عملية الانفصال أثقل بكثير مما قبله حيث دخل السودان مرحلة ما يعرف بـ(الضائقة) الاقتصادية حيث بدأ سعر الصرف في الارتفاع بصورة تدريجية مقابل الجنيه السوداني ووصوله إلى 13 جنيهاً سودانياً بالإضافة إلى عجز يقارب 2 مليار في موازنة العام 2016 وانخفاض في الميزان التجاري للدولة بواقع 34% جميع هذه الأشياء يعزيها المسؤول السياسي في الحزب الحاكم حامد ممتاز في تصريح صحافي إلى استطالة أمد الحرب في الدولة بإقليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق مقراً في الوقت نفسه أن الدولة تمر بظروف وأوضاع اقتصادية صعبة ولكن هذا لا يعني توقف مجهودات الحكومة في البحث عن حل فكانت مبادرة الحوار الوطني من قبل الرئيس البشير وبرنامج إصلاح الدولة والذي يؤكد أن له مترتبات ومساعٍ حثيثة في الخروج من نفق الضائقة إلى مرحلة الإنتاج والانتعاش الاقتصادي.

تسوية سياسية
العديد من الخبراء والمختصين في الشأن السياسي يشيرون إلى أن االتحدي الماثل الآن أمام الإنقاذ هو كيفية التوصل الى تسوية سياسية تنهي ما يعانيه السودان من احتراب بين أطراف النزاع المسلح وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة وفي هذا يقول المحلل السياسي بروفيسر حسن الساعوري إن تراكمية الأزمة جعلت منها مستفحلة فانعكست على جميع جوانب وأطراف الحياة الأخرى من حيث المكون السكاني فهاهي العاصمة الخرطوم تشهد زحفاً سكانياً من أطراف الأقاليم نتيجة للحرب وهو الأمر الذي ترتب عليه ضغط كبير على الخدمات وجأر المسؤولون بالشكوى، كذلك تبدل الحالة الديمقرافية للانسان والارض حيث قلت مصادر الانتاج الزراعي في دولة مثل السودان تتمتع بالعديد من المميزات التي تجعل منها دولة رائدة في مجال الإنتاج الزراعي والحيواني بيد أن عدم الاستقرار ترتب عليه تدهور بصورة من الصور في هذه المناطق فلجأ إنسان المنطقة للبحث عن مكان آمن. ويضيف الساعوري أن الحرب قد أقعدت السودان كثيراً باستنزاف خزينة الدولة مروراً بظهور ما يُعرف بثقافة العنف والعمل المسلح وهو الشئ الآخر الذي يحتاج الى دراسة حيث بات المجتمع السوداني يتحدث بلغة العنف أكثر بكثير من لغة التواصل والسلام في دولة عرفت بعادات وتقاليد اجتماعية وأعراف تتسم بالود والتسامح قائلاً: ” من المؤكد ان فاتورة الحرب باهظة الثمن حيث نحن الآن في حاجة إلى تسوية سياسية تُنهي الاحتقان السياسي بالدولة ما بين الموالين والمعارضين، معرجاً في ذلك على مبادرة الحوار الوطني والتي توقع إن تفضي إلى تسوية تنهي قدراً كبيراً من مستحقات الحرب برغم من اشتراطات المعارضة في عدم توفير ضمانات كافية من قبل الحكومة للتحققق من مصداقية ما تقول”.

حلقات يعدها : الهضيبي يس
صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. لم تكن الانقاذ وجدها وكان المجتمع ميالا للتمزق والعنصريه والجهويه التي كانت نارا مغطاة برماد ازالت الانقاذ الرماد واصبحت لهيبا احرقت به وحُرقت به اضف الا ان الحكومات السابقة لم تقدم مشرروع لتنمية وتركيبتها تساعد علي عدم كسب التأ ييد والاحترام لها لو كانت جائت من رحم الجيش كحكومة عبود وحكمت لعشر سنين بنهج قومي لانجزت لخمسين عاما قادمة لكن حصرها في حزب ارجع السودان كثيرآ