جمال علي حسن

التهديد بالثورة.. الكاميرا الخفية


إذا حدثت ثورة جديدة في مصر وتم إجراء إنتخابات، فليس من المتوقع أن يعود الإخوان للحكم عبر صناديق الاقتراع مرة أخرى برغم أنهم أصحاب حق لكن الجماهير لن تجدد أو تعوض لهم ما فقدوه، لأن تجربتهم القصيرة التي انتهت بانقلاب عسكري لم تكن تجربة ناضجة ومبشرة ومحفزة للمصريين لمنحها أصواتهم مرة أخرى ..
هذا هو الوعي الذي يمكن أن يكتسبه كل مجتمع من خلال تجاربه، وتكتسبه كذلك القوى السياسية من خلال مراجعة وتقييم تجاربها التي لم تنجح والاستفادة من تلك المراجعات في تطوير التجربة ..
لكننا في السودان وبسبب الطائفية السياسية والدوائر المغلقة وضياع (كاتالوج) الديمقراطية وإرادة تطوير التجربة وتقييمها تكررت تجاربنا الديمقراطية الفاشلة بنفس شخوصها وبرامجها وماكينتها القديمة، لأنها لم تكن تحرص حتى على تحديث وتطوير برامجها وخطابها ورجالها وأفكارها ولا تجد قيادات تلك الكتل الطائفية نفسها مضطرة لبذل جهد لإرضاء الجماهير التي تنساق خلفها بانتماء أعمى لا يتبدل، وبالتالي لم تشعر تلك الكيانات ولم تشعر قياداتها بحرج من العودة للحكم في كل مرة بنفس هيئة و(موديل)، الحكم الذي طبقوه في الخمسينيات والستينيات والثمانينيات وبنفس طريقة التفكير والهيئة والتي غادروا عليها مسرح السلطة قبل سنوات طويلة..
يعتبرون أن الانقلابات عليهم هي مجرد فاصل إعلاني طال زمنه أو قصر أو عاصفة ترابية ليست لهم أية مسؤولية في حدوثها بل هم أبطال الصبر ومستحقو العاطفة الجماهيرية ومهما طال الزمن فإنهم سيعودون بعد هدوء الجو ودون أية احتمالات أخرى .
حالهم حال تلميذ يجلس لأداء امتحان مكشوف ولا يحتاج لأي مذاكرة أو اطلاع على الدروس التي سيحصل فيها حتماً على الدرجة الكاملة بدون أي جهد أو اجتهاد .
لذلك عندما اندلعت انتفاضة أبريل اندلعت بوقود جماهيري مطلبي مائة بالمائة وليس نتيجة عمل حزبي منظم من القوى الحديثة والأحزاب غير التقليدية، أما تلك الأحزاب التقليدية فقد أيقظها الشعب من نومها وسلمها مفاتيح الحكم في تجربة قصيرة بائسة وضعيفة فقيرة في تصوراتها للحفاظ حتى على الديمقراطية وسيادة الدولة بل الحفاظ على السلطة نفسها فلم يخرج بينهم عاقل ينبههم لخطورة حل جهاز أمن السودان وترك البلد (بلا جهاز أمن) بسبب تراكمات نفسية.. ولم يخرج بينهم عاقل ينبههم لخطورة إضعاف القوات المسلحة وإهمالها وجعلها عرضة للهزائم .
الآن طالت سنوات الإنقاذ وقاربت الثلاثين وقد تزيد وتزيد، مهما تحدث الصادق عن انتفاضة وشيكة لأنه لا يزال ينتظر تلك الانتفاضة بقلم (بق) أخضر، وبندقية حليفة وعدوة له في نفس الوقت .
التهديد بالانتفاضة في مخيلة الجماهير الآن هو خطاب يتعاطونه لتقصير ساعات الصيام وأداء مراسم مطالعة الأخبار، أو مثل الكاميرا الخفية وبرامج (المقالب) الرمضانية الطريفة أو المملة التي تقدمها بعض الفضائيات هذه الأيام .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.