أبرز العناوينحوارات ولقاءات

علي عثمان: المطالبة بمحاكمتي مزايدة وهؤلاء يريدون مضايقتي (…) وهذه قصة (جراب الحاوي)!


(السوداني) مع علي عثمان في حوار الصراحة والوضوح:
المطالبة بمحاكمتي مزايدة وهؤلاء يريدون مضايقتي (…)
هذا قولي لمن يكثرون في انتقادي (…)
لست في عزلة سياسية.. أملك حصانة من الاستغراب والدهشة
هنالك من يسعى لإثارة ضجة سياسية وإعلامية حولي
هذه قصة (جراب الحاوي)!
لا أمارس النقد خارج المؤسسات
لست من أنصار مزاحمة أصحاب المسؤوليات
*الذين كتبوا عني بحثوا عن كبش فداء
* لا جفوة بيني وبين الرئيس البشير وعلاقتي معه على خير حال
* الولاءات أصبحت مرتبطة بالمواقع إلى حد كبير في التاريخ السياسي العام
* من المؤسف أن مايو تعرضت لكثير من التشويه والظلم
* لهذه (…) الأسباب
لا أرى نجاعة في الدعوة لحكومة تكنوقراط

كثر اللغط حول تصريحات وأقوال الشيخ علي عثمان محمد طه، النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية. الرجل قليل التصريحات، ومع ذلك يحرص على الدقة وضبط الكلمات، حتى تفي بمراده من المعاني والرسائل، هذه هي عاداته داخل دوائر المسؤولية وخارجها.
رغم ذلك هو الآن موضع اتهام بتفسير أقواله وتأويلها على نحو يُظهره كحانق وغاضب من الحكومة والحزب والحركة الإسلامية، لذا يميل إلى النظر بعين السخط إلى كثير من المواضيع والقضايا.
جلست إليه وطلبت منه إجراء مقابلة صحفية يضع من خلالها النقاط على الحروف، ويوضح على وجه الدقة والتحديد أين يقف الآن.
مانع في الاستجابة لطلبي.. لاحظت عليه بعض ملامح الإحباط وعدم الرغبة في الحديث، ومع إلحاحي عليه وتدخل بعض من كان في المجلس قَبِلَ الرجل بإجراء المقابلة، فألقيت عليه كل ما يقال في العلن ومجالس الأسرار فجاءت إجاباته على هذا النحو:
حوار: ضياء الدين بلال

*ما الذي يشغل شيخ علي هذه الأيام؟
ما يشغل بال أي مواطن، يهتم بحال البلد والأوضاع العامة فيها، ويجتهد بأن يحيل الاهتمام إلى جهد فيما يرى أنه أنسب لقدراته ورغباته. عموماً تظل القضية العامة هي التي تشغل بال الشخص ويتابع تطوراتها ويدفعها للأمام.. بصفة خاصة وعلى الصعيد المباشر اخترت أن أعطي أولوية نشاطي اليومي للعمل الطوعي الإنساني، بحسبان أنه أحد محاور القضية العامة التي تدور حول خدمة الإنسان وتوفر المناخ الكريم له لممارسة حياته.
(….)
البعد الاجتماعي في حياتنا السودانية به كثير من التحديات والمعوقات والمشكلات التي تحتاج إلى تضافر جهود من أطراف كثيرة دون حصرها على النشاط الرسمي للديوان الحكومي، بل عليها أن تمتد في ساحات العمل غير الحكومي.
المجتمع السوداني عُرِفَ بمبادرات كثيرة في العمل الاجتماعي منذ القدم وفي مرحلة النضال، كتشجيع التعليم والصحة ورعاية الأطفال المشردين، وهي مبادرات ارتبطت بالحركة السياسية والآن الساحة تعج بمئات من المنظمات العاملة في مجال العمل الطوعي والاجتماعي، ورغم ذلك أحسست أن الساحة تحتاج للمزيد.

*ألا يشير ذلك إلى تراجع اهتماماتك السياسية في الفترة الأخيرة؟
لا، لا.. لا يوجد تراجع في اهتماماتي السياسية، هناك فقط تركيز في الأولويات.

* كأن علي عثمان في حالة عزلة سياسية؟
لكُلٍّ رأيه، ولكن بأسلوب عملي أنا أشارك في المسائل السياسية العامة بما أراه مناسباً وصواباً وفي الأطر التي أتحمل فيها أعباء المسؤولية سواء كان ذلك في المجلس القيادي للمؤتمر الوطني أو المجلس الوطني، وأضع تجربتي وخبرتي لمن يرغب في الإفادة منها حتى خارج هذه الأطر.
*عفواً.. هذه الأطر تبدو محدودة مقارنة بوضعك وتجربتك؟
هذا وضع طبيعي لشخص أخذ مساحة واسعة في العمل العام وتقلد فيه مواقع عالية واختار ضمن رؤية جماعية أن يفسح المجال لأجيال جديدة ولطاقات متجددة تصبح المشاركات فيها على هذا النحو.
أنا لست من أنصار مزاحمة من أوكلت إليهم المسؤوليات ولا بفرض وصاية عليهم.. لكن من المؤكد أن تلك التجربة السياسية في المؤتمر الوطني وبما قام به الحزب في إطار سياسة الإصلاح وتعاقب الأجيال تحتاج إلى إرساء تقاليد جديدة، تمكن الأجيال التي تتولى المسؤولية من الإفادة من الأجيال التي سبقت.

*هل أنت راضٍ عن مستوى الإصلاح بالحزب مقارنة بالتصورات النظرية؟
البوصلة ما تزال في الاتجاه الصحيح.
الجميع مجمعون على المضي قدماً في مسيرة الإصلاح.. اتخذت عدة تدابير في المجال التشريعي، من أهمها إجازة قانون مكافحة الفساد.
هناك أيضاً بعض السياسات والتدابير على مستوى الجهاز التنفيذي من أهمها مؤشر أداء الأعمال لتيسير قضاء حوائج الناس ومعاملات المواطنين مع الديوان الحكومي، ومؤكد أن خطى الإصلاح تحتاج إلى مزيد من الجهد والدفع للتسريع بها في كافة الاتجاهات التي يقودها الأخ الكريم النائب الأول بكري حسن صالح .

*هل دورك في الحزب أصبح محصوراً بوجودك في المكتب القيادي؟
-باقتضاب-
إلى حد كبير. غير أني أشارك في بعض المناشط الفكرية والسياسية لأجهزة الحزب ومنظماته .

* كذلك تبدو مشاركاتك في الحركة الإسلامية قليلة بعض الشيء؟
ليس تماماً، بحكم الوضع الذي أنا فيه.. إذ إنني لا أتولى مسؤولية مباشرة لكني أشارك في المناشط الاجتماعية واللقاءات مع الأجيال الجديدة لتبادل الخبرات والتجارب.

*البعض يُصوِّر شيخ علي عثمان كمن تحوَّل إلى صف الناقد للحكومة وذلك من خلال بعض التصريحات؟
هناك حالات عدم دقة في الفهم لما أقول لأسباب مختلفة، لكني عضو في المؤسسات التي ترسم السياسيات العليا للدولة سواء في الحزب أو في الحركة الإسلامية ومن هذا الباب فأنا أتحمل مسؤولية سياساتها وما يصدر عنها من قرارات ومواقف.
دوماً كان نهجي أن النقد من خارج المؤسسات ليس أمراً حميداً في مفهوم الولاء والعمل الجماعي من خلال التنظيمات المختلفة.

*هناك من يقول إن شيخ علي أصبح يُكثِر من الملاحظات السلبية تجاه بعض الأشياء؟

ليس هناك ما يمكن أن يشفع لمثل هذا الحديث أصلاً.. لكن في عدد من المرات القليلة التي تحدثت فيها، يُخرج الكلام من سياقه، والغريب أنني في مجموعها لم أكن أوجِّه حديثي للصحافة أو الإعلام إنما كنت أوجهه إلى مجموعات من الشباب يأتوننا على فترات متباعدة، لكن دائماً ما تخرج من الحديث إفادة أو تصريح صحفي يناقض الروح والكلمات التي أقولها بقصد إثارة ضجة سياسية أو إعلامية .

*هل فعلاً تحدثت عن تراجع دور الحركة الإسلامية في السودان؟
هذا جزء من الحديث الذي تناولته مع اتحاد الشباب في الإفطار الشهير في الثالث من رمضان، والذي أرجو أن تتسع صفحات الصحف للاطلاع عليه كاملاً لأن هذا هو الرد العملي وعندئذ سيجد من يطلع على نص الحديث الذي أدليت به أني كنت أنقل للشباب تجارب ولم أكن أُصدر أحكاماً.
كنت أحدثهم عن تجارب الحركة الإسلامية التي سبقت كثيراً من نظيراتها في الخروج إلى المجتمع والتحالف معه والارتباط بقضاياه الاجتماعية والعامة دون الانغلاق في منظومة صفوية محدودة.
كان الأمر في مجال المقارنة مع ما انتهت إليه الآن التجربة في تونس، وقلت إن الحركة الإسلامية السودانية قد سبقتها بعقود ولذلك فهي سابقة رائدة والآخرون يأخذون من تجربتها؛ لكن هذا لا يعني أنه في بعض الحالات مثلاً في مجالات النشاطات المتعلقة بالتنظيمات الشبابية والاجتماعية، كانت الحركة الإسلامية أكثر سعةً وتقارباً مع مكونات المجتمع الأخرى لاحظت أن هناك شيئاً من الانغلاق في اختيار مكون العضوية لهذه التشكيلات وهذا ما قصدته في ذلك الحديث.

*اندهش البعض أن شيخ علي عثمان فوجئ بصعوبات كبيرة في الحياة ونظام الحكومة بعد خروجه من السلطة؟

لقد قلت إن العودة إلى الحياة الطبيعية بسهولتها بعيداً عن الموقع الرسمي تجعل الإنسان ينظر إلى الأشياء من زاوية غير التي كان ينظر بها وهو في موقع السلطة، وهذا أمر طبيعي، لكن أيضاً لا يعني أنك حينما كنت في السلطة لم تكن تدرك معاناة الناس أو تعيشها خاصة أن السلطة هي خادمة للشعب وتمشي بينه دون حواجز .
كنا نتحرك بين مجموعات الناس ونعالج قضاياهم في شتى المجالات الصحية والتعليمية والإنسانية… طبعاً بالنسبة لأداء الديوان الحكومي قطعاً الصورة مختلفة بمعنى أنك حينما تكون في السلطة وتصدر توجيهات فإن قابلية واستعداد الأجهزة الديوانية للتعامل معها وأنت في موقع المسؤولية لا تكون بذات الروح التي تقابلك وأنت مواطن عادي تسعى لقضاء حوائجك الشخصية والإنسانية لذاتك أو الآخرين .

*ما أكثر شيء فاجأك؟
أنا لم أُفاجأ بشيء.. إنما نظرت إلى الصورة من جانب وعشت جانباً آخر واكتملت الصورة بالمشهدين.

*أيضاً وصفت ما يجري في الحوار بجراب الحاوي، وهو ما أحدث لغطاً كبيراً؟
أيضا أبلغ رد على ما تقول هو قراءة كلماتي التي من حسن الحظ مسجلة كاملة، وذلك حتى لا يقال إنني أحاول أن أغيرها أو أبدلها، لذا أنا أرجو أن يجد الحديث الذي قلته مساحة في النشر، لكي تفسر الكلمات نفسها. وستجد أنني كنت أرسم صورة كاركتيرية لأولئك الذين يتجاهلون القيمة الأهم لفكرة الحوار كمبدأ متحرك مستدام، بديلاً عن العنف والمواجهة ولا ينتهي بإعلان نتائج ومخرجات الحوار الوطني رغم أهميتها .

*لماذا هناك حساسية كبيرة في التعامل مع تصريحاتك؟
لأسباب كثيرة منها أن البعض ربما يبحث عن نجومية من خلال اجتزاء تصريحاتي لتحدث إثارة أو بلبلة أو ضجة وربما يحاول البعض أن يقرأ في كلماتي ما لم أقصده من معانٍ .
(…..)

*أيضاً هناك ظاهرة مُقابِلة.. توجد جرأة في انتقادك بعد خروجك من القصر؟
أنا آخذ الأمر دون حساسية، فعندما يكون الإنسان في موقع المسؤولية ربما تكون للناس حساباتهم المختلفة ويتعاملون مع ما يصدر من قرارات.. لكن حينما تصبح مواطناً عادياً ويصبح ما قمت به من أفعال وأقوال وقرارات ومواقف ملكاً للناس للتقويم والقراءة، فالأمر يُعطي الناس حرية وطلاقة أكثر في إصدار الأحكام والتعليقات .

*ألم تفاجئك الأصوات الناقدة والعدوانية تجاهك والتي بدأت تظهر في الفترة الأخيرة؟
أنا رجل خبرت السياسة والعمل العام على مدى نصف قرن ولا تأخذني مثل هذه الأشياء.. نملك حصانة ضد الاستغراب والدهشة.

*البعض وصل إلى مرحلة المطالبة بالمحاكمة.. ألم يكن هذا أيضاً مُفاجئاً بالنسبة لك؟
هذه كلها مزايدات ومضايقات ومحاولات لفت نظر لا أعبأ بها كثيراً.

*أوجه الفرق والاختلاف بين شيخ علي عثمان وهو في القصر وخارجه الآن؟
لكل مرحلة أدواتها.. بين الشخص الرسمي والعادي فرق كبير.. لكن إن كنت تقصد من حيث الإشباع والرضا، فالإنسان راضٍ عما قام به ليس لأنه قدم ما هو صائب وصحيح لكن لأنه اجتهد في تقديم ما هو صائب وصحيح بنية خالصة لإرضاء الله تعالى وخدمة وطنه.. في الحياة الخاصة يجتهد الإنسان أيضاً بأن يخدم وطنه وبيئته وأسرته ومحيطه بذات القدر.
*ألم تُتَحْ لك بعد خروجك من القصر فرصة أكبر لمراجعة تجربتك.. أوجه القصور، السلبيات والأخطاء؟
من المؤكد أن الإنسان حينما ينظر إلى تجربته وهو داخلها لن يستطيع رؤية كل شيء، لكن من المؤكد بعد خروجه تكون التحديات التي أحاطت بالظرف المعين الذي خرجت أو صدرت عبره المواقف اختلفت. من المؤكد أن الإنسان سيخرج بخلاصات ومرئيات وهكذا تتطور تجربة الإنسان وهو ما يسعى الإنسان لتمليكه للآخرين لأنها أمانة، تقتضي أن تملك الناس الخبرات من خلال تفاعل مع المجتمع لتستفيد منها الأجيال اللاحقة.

*لماذا فضيلة النقد الذاتي في السودان متراجعة وليس لها قيمة كبيرة؟
لأن الذي يقوم بها قليل.. كنت أقرأ إحدى المذكرات الشخصية قبل أيام، أعجبني قول القائل إن كتابة المذكرات تبدو كأنها تزيين للذات لذا أعتبرها محاولة لبناء صورة زاهية وتمثال للشخص من خلال تناسي وتحجيم النقائص وتضخيم الإنجازات. أفضل دائماً أن تُكتب المذكرات أو التجارب الشخصية لمن يتعرضون للعمل العام، بأقلام آخرين عبر حوارات ومواد تجمع وتوثق أكثر من أن يكتبها أشخاص عن أنفسهم.
ألا توجد لديك رغبة في كتابة مذكرات؟
لا أجد حتى الآن في نفسي ميلاً لذلك.
*هناك شخصيات عدّة حتى من الحركة الإسلامية تكتب كتباً عن التجربة الإسلامية وتوثقها وفق رؤاها.. ألا تقلقك هذه المسألة؟
كنت أتوقع ممن ينتسب للفكر الإسلامي أن يكون أقرب لتوخي الدقة والحقيقة والموضوعية فيما يكتب، لكن الأمر لا يقلقلني في الإطار العام، لأنني أرى أن مادة التاريخ كلها والتي تعتمد على هذا النوع من الروايات والمصادر بحاجة دوماً إلى كثير من التنقيح والمراجعة قبل الأخذ بها كحقائق مُسلَّمة.

*هناك تركيز في كتابة المذكرات عن الحركة الإسلامية على شخصك وأدوار بصورة يغلب عليها الجوانب السلبية والاتهامات؟
هذا بحكم طبيعة المواقع التي توليتها والقرارات الكبيرة التي شاركت فيها رغم أنني كنت واحداً من مجموعة، لكن البعض ممن يكتب يحاول إحالة كل شيء لي، خاصة إن كان أمراً سالباً، بحثاً عن كبش فداء، وهذه طبائع البشر.

*تبث على قناة الجزيرة لقاءات شاهد على العصر مع الشيخ حسن الترابي رحمه الله، وهناك معلومات كثيرة متعلقة بشخصك، لكنك تميل إلى الصمت في الغالب ولا تسجل إفادات من وجهة نظرك؟
ربما هو عيب فيّ أني لا أهتم كثيراً بالتدوين الكتابي. منهجي هو التواصل العفوي والتلقائي مع الأجيال وإفادتهم بما يمكن أن يُحدِث حلاً لإشكالٍ لهم من معلومات وحقائق حول بعض المواقف، أكثر من أن أميل إلى تحرير مادة كاملة.

*الناس يكتبون التاريخ كما يرون.. المادة البحثية المتوفرة الآن هي من الكتب، لكن لا يوجد شيء آخر موثق مكتوب؟
هذا نقص نعترف به، أحس أني مقصر لذا أحث الآخرين على أن يكملوا هذا التقصير، هذا من بعض نقاط الضعف في الحركة الإسلامية، أنها لا توثق. أذكر كلمة للمرحوم أحمد سليمان حينما انتقل إلى الحركة الإسلامية قادماً من الحزب الشيوعي حيث قال إن الحركة الإسلامية تمتاز على الحزب الشيوعي بكثير من التكتيكات والفقه التنظيمي، إلا أن الحزب الشيوعي يمتاز عن الحركة الإسلامية بأمرين مهمين: الأول تربية الكادر، والثاني أنها تميل إلى الكتابة والتدوين وإخراج المحاضر والوثائق. ربما يعود الأمر لأنها تربت في ظرف معين.. كانت تلك ميزة للشيوعي ونقصاً للحركة الإسلامية مما أفسح المجال لكثير من الإفادات الشخصية التي قد لا تكون منصفة أو موضوعية.

*هل شيخ علي مهتم بما سيقوله التاريخ عن تجربته؟
لا أرى أن لي تجربة لهذه الدرجة.. لو الناس أصابوا أو أخطأوا في الحكم عليّ فلا أرى أن ذلك سيؤثر في المسيرة العامة للبلد أو الحركة الإسلامية. أنا لا أميل لتضخيم الذات، سواء جهلني الناس أو عرفوا، أنصفوا أو قدحوا.. لا أحسب أن ذلك سيغير من بوصلة التاريخ العام سواء السياسي أو الإسلامي.

*هل الولاءات أصبحت مرتبطة بالمواقع في السودان؟
إلى حد كبير الأمر صحيح في التاريخ السياسي العام.. الولاء المرتبط بالفكرة أو العقيدة أو مبدأ ديني هو الذي يعصم الناس، لكن حتى في هذه الحالات تجد ولاءات يرتبط بعضها بالموقع أو الشخص.

*ألا ترى أن هناك تراجعاً لقيم الوفاء في السودان؟
بالعكس، أنا أرى أن ما يميز المجتمع السودان حتى في مكوناته السياسية المختلفة وجود قدر من الوفاء.. صحيح أنه يأتي متأخراً أحياناً….
-ضحك-
ويتسابق البعض في إظهار العرفان والوفاء لشخص ما بعد أن ينتقل إلى رحمة الله، لكن عموماً المجتمع السوداني يتميز بأن رموزه تجد التقدير وهذه من الميزات التي لا تجدها في المجتمعات الأخرى، لذا وحتى هم خارج السلطة سواء كانت سلطة سياسية في أحزابهم أو سلطة تنفيذية في الدولة، تجد الاحترام والتقدير لشخصهم ودورهم.. وبعد أن يفارق الشخص موقعه الحزبي أو الرسمي، يحظى باحترام أكبر.

*هل انقطع البعض من زيارة شيخ علي بعد خروجه من القصر وانتقاله لأطراف الخرطوم؟
ما تزال علاقاتي العامة عامرة بالتواصل الاجتماعي المتعدد الجوانب مع جميع قطاعات المجتمع وفئاته المختلفة. انتقالي للضواحي فيه نشدان لبعض الراحة والاستجمام، ومع ذلك أستقبل أعداداً مقدرة من الزائرين .

*كيف هو تواصلك مع رئيس الجمهورية؟
على خير حال.

*كان البعض يتحدث عن جفوة بينكما؟
لا أرى لها أثراً أو دلالة.. علاقتي مع الرئيس ليست علاقة وظيفة، إنما علاقة أخوَّة وزمالة وفكر ومبدأ وقناعات أساسية ليست ثنائية شخصية، إنما ثنائية فكرة.. وفي المواقف الكبيرة التي تجري في البلد منذ أن تحملنا مسؤولية التغيير في يونيو حتى الآن لم أجد بيني وبين الأخ الرئيس أي إختلاف أو تباين حولها.

*كيف تنظر للحديث الذي تردد عن وجود مراكز قوى داخل المؤتمر الوطني.. هل حقاً الحزب به مراكز قوى متعددة ومتشاكسة؟
الحزب لديه مرجعية فكرية وسياسية وخبرة تراكمية طويلة كما أنه في درجة من الصحة السياسية والعافية كبيرة جداً، لكن طبيعي أن يكون بين الأفراد والأجيال تنافس فيما بينهم وكل يرى أنه الأجدر في مسؤولية تطبيق هذه السياسات وإنفاذها على أرض الواقع.

*كثر الحديث عن وجود صراع بينك وبين دكتور نافع لدرجة أن كتاب الأعمدة في الصحف باتوا يكتبون عن الأمر؟
هذه من محاولات تمرير الأجندة المتعلقة بإضعاف النظام حزباً وحركة وحكومة، وإرباك الصف الوطني، ولكني لم أجد لذلك أثراً طيلة مسيرة العمل الذي قدناه معاً خلال ربع القرن الماضي.

*هنالك مخاوف تطل بين فينة وأخرى بإمكانية وقوع مفاصلة ثانية؟
-بتعجب-
بين من؟

*شبيهة بمفاصلة الترابي والبشير.. بين الإسلاميين والعسكر، أي أن الأمر أصبح مرتعاً للتحليلات والأقاويل؟
هذه مخاوف وإسقاطات ما جرى في العالم من حولنا، فتصيب بعض الناس بالخوف، لكن الذي يفهم طبيعة النظام القائم من حيث الالتزام لا يرى أن هذا التقسيم دقيق في وصف الحالة.. هناك فكرة ومشروع يلتزم بهما الناس بغض النظر عن تصنيفاتهم الوظيفية والمهنية، وهذا أكبر عاصم لمثل هذه المخاوف، ولن تجد سبيلها لتصبح واقعاً.

*بعض المشاريع التي أشرف عليها شيخ على أثناء وجوده داخل جهاز الدولة وفي القيادة لم تحقق نجاحاً كبيراً بحسب البعض؟
التغيير دائماً يحتاج إلى زمن طويل وإلى تناغم في المكونات الرسمية والاجتماعية كما يحتاج إلى وضوح الرؤية، فمن حيث وضوحها هي واضحة وتتجدد بقراءة محاولات الإصلاح المتعددة، وأنا أرى أن التغيير الذي حدث في المجتمع السوداني منذ قيام الإنقاذ كبير جداً، سواء في التدين الشخصي أو التدين العام.. ما أنجز ضخم رغم أنه يتعرض للتعويق بسبب الظروف الاقتصادية المحيطة، والتباين في الأشخاص الذين يتولون الموقع فهم لا يغيرون عادة الاتجاه العام لكن يختلفون في التفاصيل وترتيب الأولويات التي قد تُحدِث بعض التراجعات هنا وهناك في الإطار العام.

*إن أردنا وصف الحركة الإسلامية الآن في قوتها وتأثيرها على المجتمع وعلى جهاز الدولة، ماذا تقول؟
تأثير الحركة الإسلامية نظراً للتوجه الإسلامي الذي يحكم البلد، ما زال كبيراً جداً، وما تزال المرجعية الأساسية للدولة تحكيم الشريعة.. صحيح أن هذه المقولة العمومية تحتاج إلى قدر متجدد من الاجتهاد في كيفية تنزيلها والمقاربة بينها والتحديات اليومية في حياة الناس، لكن من المؤكد حتى الآن أن الحركة الإسلامية تسعى بجد لاستنباط اجتهاد فكري وحركي يعين على تجسيد قيم الإسلام في واقع حياة الناس، وذلك ما يجتهد فيه الأخ الزبير أحمد الحسن وأمانته الحالية .

*إلى أي مدى لها قابلية للتأثر بما يحدث في الإقليم؟
الثابت هو الأفكار الإسلامية أما المتغير فهو التجربة والفهم الذي تطور تطوراً واسعاً.. حتى الحركة الإسلامية نفسها لا تستطيع أن تقول إنها ذاتها، إنما أصبحت أكثر تطوراً من خلال فهمها للاقتصاد والعلاقات الاجتماعية وموقع المرأة ودورها، وأيضاً العلاقات الإنسانية العالمية وفهمها لدور غير المسلمين وعلاقتها معهم. إن فقه الحركة السياسي والشرعي تطور كثيراً.

*هناك مخاوف أبداها رئيس الجمهورية في فترة من الفترات أن يتحول المؤتمر الوطني إلى اتحاد اشتراكي.. هل من احتمال لهذه المسألة في نسخة إنقاذية جديدة؟
تجربة الاتحاد الاشتراكي توصف بأنها لم تحقق غاياتها النهائية لكن أيضاً الإنصاف يقتضي أن نقول بأنها تجربة في الحد الأدنى تستحق أن يُنظر إليها بمنظور موضوعي من كل القوى السياسي للإفادة. العاصم من أن لا تكون تجربة المؤتمر الوطني من حيث نقاط الضعف مشابهة لتجربة الاتحاد الاشتراكي أن يعتصم المؤتمر الوطني بمرجعياته من حيث الشورى والمطابقة بين القول والفعل وإبداء النصح وقبوله والمؤسسية والعمل الجماعي ومن حيث الاتصال والارتباط الحميم بالقواعد.

*شيخ علي يبدي في أحيان كثيرة إعجاباً بالتجربة المايوية؟
لا، أنا أميل لإنصافها أكثر مما أتحدث عنها بإعجاب، لأنها تعرضت لكثير من التشويه والظلم وهذه من الأمور المؤسفة في تاريخنا السياسي، كلما انقضت حقبة من تاريخنا السياسي نجد أنه يتم تشويهها كلياً بالتالي تكون محصلة الحركة السياسية الوطنية كلها صفراً ومسخاً شائهاً. البعض يحاول تشويه تجربة الرئيس عبود تماماً، والتجربة التي قبلها أو التي بعدها في إطار التعددية الحزبية، وأنا أميل لقراءتها كتجارب تربط بين أبناء الوطن، وتعين على استلهام نقاط القوة للانطلاق نحو بناء سودان الغد.

*استعنت بعدد كبير من المايويين في فترة من الفترات؟
صحيح لأنهم كانوا يمثلون خبرة تكنوقراط مزودة بشيء كبير من التجربة السياسية التي نحتاجها لترشيد تجربة سياسية تأتي على أعقاب نقائص وأخطاء تجربة سبقت.

*وكيف تنظر لدعوة إقامة حكومة تكنوقراط في السودان لتجاوز الصعاب كما جاء في بعض المذكرات؟
لا أرى أن فيها نجاعة أو حكمة سياسية كافية.. التكنوقراط الآن موجودون ونراهم في الوزراء والقائمين على الإدارات التنفيذية العليا في البلد ويعملون في مجال تخصصهم بشهادات أكاديمية وخبرات عملية.. هذه الكلمة كانت تُطلق في وجه الحكومات التي تُكوَّن فقط من سياسيين طال عهدهم بالممارسة التنفيذية أو كُلِّفوا بدائرة بعيدة عن دائرة تخصصاتهم المهنية ولكن تجد الآن أن الحكومة تسند الحقائب على التخصصات، والأمر الثاني أن السياسة هي المصباح الذي يضيء للتكنوقراط كيف يفاضل في اتخاذ القرار لأن القرارات لا تُحسب بالكمبيوتر.

*كلمة أخيرة؟
أنا متفائل بمستقبل السودان رغم ما يواجهه من تحديات، وبنجاح التجربة السياسية الجارية الآن على منهج الحوار ونبذ العنف والاحتكام للشعب وقيمه في الشورى والديمقراطية، وأنه قادر على لعب الدور النهضوي لشعبه ولمحيطه.


‫9 تعليقات

  1. سؤال أخير لشيخ علي..عندما وقعت علي اتفاقية نيفاشا كنت صاحي و لا كنت واعي ولا كنت مخدر و لا ولا … ناس عاوزة تعرف ليه عملت كدة؟؟؟؟؟؟؟

  2. انا نفسي أعرف انجازات سعادة النائب الأول (سابقا) شنو؟ 1- 2- 3-

  3. يا ابكر لو كنت تتابع العمل السياسي في السودان ما كنت لتسأل هذا السؤال فالرجل تاريخه السياسي لا تخطئه عين من اكتوبر وحتى اليوم . فاتقوا الله ما استطعتم .

    1. كلام أخونا أبكر أفتكر بسيط و واضح , ماهي أنجازات النائب الأول لرئيس الجمهورية بدون مواربة و لف و دوران .
      1,2,3 …
      انا شخصيا” أفتكر اسواء سياسي مر على تاريخ السودان و ساهم في تدمير الخدمة المدنية و دمر العمل المؤسسي الاحترافي في الدولة بطريقة ممنهجة يحسدها عليه أكثر اعداء السودان كرها” له .

  4. كل الأسئلة عن الأفكار والنهج والسلوك ولا سؤال واحد عن الوضع الإقتصادي ومعايش الناس والمشاريع والمرافق التي تدمرت مثل مشروع الجزيرة وسودانير ومطار الخرطوم الجديد والكثير من المشاريع والخطط التي تم رصد المليارات لها ولم يتم تنفيذها ونهبت أموالها والفساد الذي إستشرى ، شخص كان على رأس الجهاز التنفيذي لابد وأن يكون مسئولاً عن كل هذه الأمور وليس تنظير الفكر والنهج والتدين في المجتمع . إقامة مجتمع الكفاية والعدل وهو السبيل لنشر التدين وليس بالترهيب والخنق . بالأمس القريب إستقال رئيس وزراء بريطانيا بسبب عدم نجاحه في الاستفتاء لبقاء بلاده أو خروجها من الإتحاد الأوروبي بإعتبار ذلك إخفاق لحكومته . الوضع المعيشي عندنا ساء بدرجة كبيرة وتفاقمت الأزمات من كهرباء وماء ومواصلات وعلاج ولا يستقيل أي مسئول بل العكس من ذلك كل واحد منهم يقدم مبررات وأسباب واهية عن شح المياه والكهرباء رغم إقامة سدود وتعلية سدود بل يرمون باللوم على المواطن المسكين ويحملونه الإخفاق في نظافة الخرطوم ويصفونه بالوسخان ويحملونه النقص في إمدادات الماء والكهرباء وشح المحروقات بأنه يسحب أكثر من حاجته من هذه الخدمات !!! بينما هناك جيوش مؤلفة من التشريعيين والتنفيذيين الذي ينعمون بمزايا تلك الوظائف ولا يقدمون شيئاً يذكر ، العاصمة التي بها من كل زوجين إثنين برلمانين ومجلسي وزراء ووزيرين ووكيلين ومديرين لكل وزارة ومئات المهندسين وآلاف الفنيين ولا أحد يقيم أداءهم ويختبر أمانتهم .

    1. صدقت في كلامك، كل الحديث كان هوائياً بعيد عن حقائق معايش الشعب بل كله تمجيد للذات والحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني ولم يتم إدراج الحالة العامة وحياة الناس بأي سؤال، بمعنى عدم التطرُق لنتائج فترة وجوده في قمة المسؤولية.

  5. وريني مشروع واحد ناجح سواء سياسي او اقتصادي الا تلميع لكودار اصبحو حكام بجلهم شبهة فساد