عالمية

كيف نفّذ مهاجمو مطار إسطنبول عمليتهم رغم التشديدات الأمنية؟


بعد 3 أشهر من تفجير مطار بروكسل اتّضح من هجومهم على مطار إسطنبول الدولي أن للإرهابيين قدرة زئبقية على اختراق الحواجز الأمنية أمامهم وأنهم على درجة عالية من التخطيط والرشاقة في التنفيذ قد تشكّل تحدياً جدياً لمطارات الولايات المتحدة.

خبراء كثيرون يجمعون أن فاجعة مطار إسطنبول لا ريب تحمل توقيع تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وبصماتها، ومع ذلك اندهش هؤلاء من درجة الإتقان والتمرّس في تنفيذ هذا الهجوم، بحسب تقرير نشرته صحيفة دايلي بيست الأميركية، الأربعاء 29 يونيو/حزيران 2016.

فالتنفيذ تمّ بطريقة تشي بأن المنفذين على درجة متقدمة من التخابر والاستطلاع الدقيق لدراسة الهدف مع التنفيذ برباطة جأش وبرود لا يجيده عادةً سوى متمرسي القوات الخاصة الغربية.
Ad

الهجوم تم على 3 مراحل. البداية كانت من هجوم في موقف سيارات بالقرب من مبنى القادمين من الرحلات الدولية، وذلك بهدف تشتيت انتباه أفراد الأمن واسترعاء انتباههم إلى خارج المبنى بدلاً من داخله.

من الواضح أن منفّذي الهجوم كانوا على علمٍ بأن تدابير المطار الأمنية في ذلك المبنى قد شدّدت مؤخراً في أعقاب اعتداء بروكسل الذي دبّره منفذوه مرتكزين على نقطة واحدة هي أنه في أغلب المطارات لا تكون هناك أية حواجز أمنية قبل الوصول إلى مكاتب تسجيل وصول المغادرين ووزن الأمتعة.

أما في مطار إسطنبول فإن كل من يدخل مبنى القادمين يجد أمامه حواجز التفتيش والتحقق من هوية الداخلين بالمرصاد على باب المبنى، وبهذا كان لا بد من تشتيت انتباه الحرس والعناصر الأمنية بحيلة ما، وهذا كان دور حادثة موقف السيارات التي نجحت في إلهاء الشرطة وسلطات المطار الأمنية بعيداً عن خط دفاع المطار الأول، ما ترك عشرات الناس المصطفين أمام نقطة الدخول الأمنية حيث سيارات الأجرة ووصول الزوار بلا حماية أو رقابة.

المرحلة الثانية

وهنا كان دور المرحلة الثانية من الاعتداء وهجومه الثاني الذي خلّف إصابات كبيرة، فالتفجير كان على قوة حطّمت الأبواب والطوق الأمني، ما سهّل على المهاجم الثالث التسلّل إلى داخل المبنى. ففي مقطع فيديو مصوّر سجلته كاميرا أمن المطار ظهر هذا المهاجم الثالث مرتدياً حزاماً ناسفاً وقد اشتبك مع عنصر حراسة أمنية طرحه أرضاً، ويتضح من الفيديو أن حارس الأمن فارق الحياة أثناء الاشتباك الذي حاول فيه منع المهاجم من تفجير حزامه الناسف، في عمل بطولي باسل.

ومع أن السلطات التركية وسّعت نطاق دفاعات المطار الأمنية لتشمل تعزيزها في منطقة تسمى دفاعات الجانب الأرضي من المطار (والتي يقابلها دفاعات الجانب الجوي منه، تلك التي تضم بوابات المسافرين والطائرات)، إلا أن مجلس المطارات الأوروبية ACI ( وهو رأس مطارات أوروبا والهيئة المنوطة باستشاراتها الأمنية) لم يُبدِ حراكاً أو انزعاجاً أو قلقاً، بل سلّم بالأمر الواقع بعد اعتداء بروكسل.

فقد قال “إن تبني تدابير أمنية إضافية كالحواجز الأمنية للتحقق من الهويات والأمتعة الداخلة إلى الجانب الأرضي من المطارات قد يكون من شأنه تشتيت انتباه الأمن بل وحتى خلق نقاط ضعف أمنية جديدة،” وأضافوا كذلك أن في هذه التدابير الأمنية الإضافية “تحويلاً لوجهة الهدف” لا حماية له، كما صرحوا أيضاً بتصريح كشف مصدر قلقهم الأكبر الذي هو أن أي تغييرات في تدابير الأمن ستكون تكلفتها المالية كبيرة.

في كل أوروبا (عدا ألمانيا) سلطات المطارات مسؤولة بنفسها عن تمويل أمنها الذاتي، في حين أنه في الولايات المتحدة فإن إدارة أمن النقل TSA هي المسؤولة عن أمن كل المطارات بصفتها التابعة لوزارة الأمن القومي.

إن الولايات المتحدة هي التي ينبغي عليها أن تقلق وتتجدد مخاوفها حول نقاط الضعف الأمنية في كل من مناطق المغادرين والواصلين في المطارات. ومع وجود دفاعات غير مرئية مثل كاميرات المراقبة التي لا تغيب عنها أعين الحراسة لحظة، فضلاً عن دفاعات مرئية أخرى عشوائية كرجال الأمن المسلحين وكلاب الحراسة المدربة، إلا أن خط الدفاع الأول دوماً وأبداً يبقى بعد مكاتب تسجيل وصول المغادرين ووزن أمتعتهم، لا قبله.

وليس أمن الجانب الجوي من المطارات الأميركية أفضل حالاً، فقد رصدت داخله عدة حالات وحوادث على مر السنوات أثارت القلق حول درجة استحكامه وسيطرته الأمنية؛ ففي حادثة شهيرة تمكّنت عصابة إجرامية من تهريب أسلحة ومسدسات من أطلنطا إلى نيويورك، وكذلك وجد أن تفتيش الطاقم المسؤول عن رقابة الأمتعة والطائرات لم يكن على درجة كافية من التشديد، بل اتّسم بالتراخي والتساهل.

ثم إن تشديد حراسة محيط الجانب الأرضي من المطارات يثير تساؤلاتٍ حول المدى الذي نستمرّ فيه بتوسيع رقعة الطوق الأمني إلى خارج المطار. فلو أردنا أن نتمكّن بنجاح من إيقاف المهاجمين قبل وصولهم إلى مباني المطار، يعني هذا أن علينا فرض وإقامة نقاط وحواجزأمنية جديدة ناهيك عن مراقبة الشوارع والطرقات المؤدية إلى المطار؛ وهذا كله سيؤدي إلى اختناقات مرورية وازدحامٍ سيغري الإرهابيين أكثر باستهدافه وضربه.

لعل الحقيقة المؤكدة دائماً أن الوقت يكون قد تأخّر أصلاً لإيقاف الإرهابيين ومنع الهجوم في حال وصلوا إلى المطار حتى لو تمكنا من التدخل وعرقلة خطتهم شيئاً ما. إن أفضل خط دفاعي أخير هو الاستخبارات التي ترصد الهجوم وتحبطه قبل أن يتمكن المهاجمون من تنفيذه.

تبقى رحلات الطيران المدنية الهدف الأسهل واللقمة السائغة لداعش لتحقيق مآربها، ففي هذا العام يبدو أن تركيزهم قد انصب أكثر من ذي قبل على استهداف المطارات بدلاً من الطائرات نفسها نظراً لسهولة استهدافها. باستهداف المطارات تحقق داعش أهدافاً قصيرة الأمد لكن ضخمة في انتشار دعايتها وبث الذعر فضلاً عن إلحاق ضرر طويل الأمد باقتصاد قطاع السياحة وحرية التنقل.

إن تفجير إسطنبول يظهر لنا أننا مهما ألحقنا الهزائم بداعش على أرض المعركة في العراق وسوريا، يبقى الأخطبوط الإرهابي مصمماً على جس نقاط الضعف في الغرب واستهدافها أينما وجدت.

هافغنتون بوست