تحقيقات وتقارير

ثورة أم انقلاب ؟! : ما جرى في (30 يونيو)..


الثورة كمصطلح سياسي هي الخروج عن الوضع الراهن وتغييره باندفاع يحركه عدم الرضا والتطلع إلى الأفضل أو حتى الغضب, تقول الكاتبة الأمريكية الجنسية الألمانية الأصل حنة أرندت في كتابها المشهور(في الثورة) إنّ كلمة(ثورة) كانت بالأصل مصطلحا فلكيا اكتسب أهميته المتزايدة من خلال(كوبرنيكوس) في كتابه De revolutionibus orbiumcoelestium) ). إنها في هذا الاستخدام العلمي قد احتفظت بمعناها اللاتيني الدقيق، مُظهرة بوضوح الحركة الاعتيادية الدائرية للنجوم، وبما أنّ ذلك هو خارج تأثير الإنسان وبالنتيجة فهو لا يقاوم، فإنّ تلك الحركة لم تتصف بالجدة ولا بالعنف. واستُخدمت على سبيل التشبيه في السياسة وتواصل حنة أرندت قولها أنّ استعمال كلمة ثورة بمعنى الاحتجاجات الشعبية كان في ليلة الرابع عشر من يوليو 1789م في باريس حين سمع لويس السادس عشر من رسوله ليانكورت بسقوط سجن(الباستيل) وتحرير بضعة سجناء منه، وتمرد القوات الملكية قبل وقوع هجوم شعبي, إنّ الحوار المشهور الذي جرى بين الملك ورسوله كان قصيرا جدا وكاشفا جدا, يُقال إنّ الملك صاح قائلا:»إنه تمرد»، فصححه رسوله ليانكورت قائلا ( كلا يصاحب الجلالة، إنها ثورة).

لم يكن السودان بدعا من الدول، فقد شهد أكبر ثورة في نهاية القرن التاسع عشر، وهى(الثورة المهدية) والتي حررت البلاد من المستعمر وجمعت كل البلاد شمالها وجنوبها، شرقها وغربها تحت رايتها,ثم بعد عامين فقط من الاستقلال شهدت البلاد أول انقلاب عسكري بقيادة الفريق إبراهيم عبود فى17نوفمبر عام 1958م، واستمر ثمانية أعوام. يقول الأستاذ أحمد سليمان في كتابه(سياحة فكر وجولات قلم) إنّ نظام الفريق عبود لم يكن ثورة ولا انقلابا عسكريا وإنما كان مجرد عملية تسليم وتسلم من رئيس الوزراء والذي كان أيضا وزيرا للدفاع إلى مرؤوسه قائد الجيش),وأطاحت به أكتوبر1964م وهى أول ثورة شعبية في السودان وهذه الثورة لم تجد توثيقا كافيا، فكتب عنها فقط الأستاذ محمد أحمد شاموق في كتابه(الثورة الظافرة)، وأيضاً الكاتب الأمريكي(تومسون كلايف) والذي وثّق لأحداث الثورة في كتابه(يوميات ثورة أكتوبر)، وهو آنذاك أستاذ بكلية القانون جامعة الخرطوم، ثمّ أصبح عميدا لكلية القانون بجامعة ولاية ويسكنسون الأمريكية بمدينة ماديسون ومديرا لمعهد الدراسات الأفريقية بها، ومنذ العام 2006م أصبح يدرّس طلابه مادة هذا الكتاب ,ثمّ جاءت مايو وهى مثل الإنقاذ انقلاب عسكري ولكن أطلق عليهما لفظ(ثورة) فيُقال ثورة مايو الظافرة و(ثورة الإنقاذ الوطني) كما سموا أنفسهم في البيان الأول. وهذا يرجع لأنّ مايو والإنقاذ وكما يقول د. عبد الله على إبراهيم في إحدى مقالاته وراءها إرادات حزبية وأيديولوجية(يسارية وإسلامية). وبين حكم مايو والإنقاذ كانت هنالك انتفاضة(رجب – أبريل) 1985م والتي انحازت إليها القوات المسلحة بقيادة المشير عبد الرحمن سوار الذهب، والتي أطاحت بحكم الرئيس جعفر نميرى, إنّ فترة حكم الإنقاذ هي الأطول في تاريخ السودان(27 عاما)، وهى انقلاب عسكرى بامتياز إذ تمت الترتيبات الفنية بصورة عالية جدا، ونجحت خطة التمويه في إخفاء هوية الانقلاب، وساعدهم سياسيا المحفزات التي سبقت الانقلاب، وأهمها مذكرة القوات المسلحة في فبراير1989م، وتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، وانقسام واختلاف الحكومة، وفشلها وتكوين أخرى جديدة كل عدة أشهر، كما فصّل ذلك المرحوم الأستاذ محمد طه محمد أحمد في كتابه(آخر أيام الصادق المهدي). وكذلك تمدد الحركة الشعبية شمالا وحالة التعبئة التي قادتها الجبهة الإسلامية القومية، مع وقوف أحزاب اليسار مع الحركة الشعبية وضعف وتهاون الحكومة، مما أدى لحمل المواطنين السلاح في مناطق التماس وانخراطهم في معسكرات الدفاع الشعبي. جُملة هذه الأشياء وغيرها جعلت الكاتب والمفكر د. عبد الله على إبراهيم يُحمّل جميع القوى السياسية مسؤولية نجاح انقلاب الإنقاذ ومجيئها وذلك في كتابه(بئر معطلة وقصر مشيد). وكذلك عدم التزام القوى السياسية الموقعة على(ميثاق الدفاع عن الديمقراطية) بما ورد في الميثاق والقاضي بالإضراب عن العمل والعصيان المدني عند سماع الموسيقىالعسكرية(والبيان الأول).
كذلك يرى البعض أنّ الإنقاذ كذلك هي ثورة إذ حملت في طياتها برنامج تغيير متكامل، جاء وفق إستراتيجية وضعتها الحركة الإسلامية السودانية وتم إجازتها من هياكلها التنظيمية، وفوّض مجلس الشورى الأمين العام(د.حسن الترابي) ومعه ستة آخرون لتنفيذ الخطة بكامل ترتيباتها الفنية والسياسية والخارجية. وتمت إجازة الخطة الثلاثية( 1989م – 1992م)، وتمّ تقييمها في كتاب صدر بعنوان(المشروع الإسلامي السوداني, قراءات في الفكر والممارسة) شارك في إعداده كل من د.حسن عبدالله الترابي ود.التجانى عبدالقادر حامد ود.أمين حسن عمر ود.محمد محجوب هارون, وأول نقد لحكومة الانقلاب أو الثورة الوليدة جاء من داخلها حينما نشر د.عبد الوهاب الأفندي كتابه المشهور(الثورة والإصلاح السياسي في السودان) فبعد أن ذكر في المقدمة والباب الأول مبررات قيام الإنقاذ، تحدث عن مؤشرات الإصلاح السياسي والتي ترتكز على عودة الحريات العامة وحرية التعبير وحرية الصحافة. وكذلك انتقد الثورة في المجال الأمني والاعتقالات والتشهير بالقيادات، كل هذه الأشياء جعلت صحفي الإنقاذ يشنون عليه هجوما عنيفا عليه, الأفندي الذي واصل دراسته بلندن حصل على درجة الدكتوراه بعنوان(ثورة الترابي),كما يقول المفكر الفرنسي روجيه جارودى في كتابه(كيف صنعنا القرن العشرين) (سنجد أننا نصنع أعدادا كبيرة من الثوار الذين سيجعلون من معنى التاريخ مصيرا، وسيسعون إلى تغيير كل شئ في العالم باستثناء أنفسهم)وقال أيضا قال لي أحد طلابي في الجامعة مُعلقا على الثورة الطلابية في فرنسا سنة 1968م(تلك ليست ثورة، بل طفرة),وإنّ استعمال كلمة(انقلاب) أو(ثورة) لأي تغيير لا يخلو من تحيزات أيديولوجية أو أكاديمية أو سياسية كما يقول د. عبد الوهاب المسيرى في كتابه(إشكالية التحيز)، وبالنسبة للإنقاذ لا يهم التسمية ولكن المهم هل حققت ما جاءت من أجله؟ يقول كوندورسيه:(إنّ كلمة ثورة لا تنطبق إلا على الثورات التي يكون هدفها الحرية، ولن يكون من حقنا الحديث عن الثورة إلا إذا كانت مرتبطة بفكرة الحرية. إنّ هذا يعنى بالطبع أنّ الثورات هي أكثر من تمردات ناجحة، وليس لدينا ما يُبرر تسمية كل انقلاب يجرى بأنه ثورة، ولا أن نتلمس ثورة في كل حرب أهلية).

الوان


تعليق واحد

  1. ناس الانقاذ ديل لمن جوا كان هدفهم اصلاح البلد لمن كترت عليهم الضغوط والمشاكل
    من اولاد الحرام زعزعوهم
    انحرفوا مشوا في طريق اخر