الطاهر ساتي

يتباكون ..!!


:: كمن يبكي على سوبا بعد خرابها، فالمجلس القومي السوداني للتخصصات الطبية، يبكي على هجرة الاطباء ويصف آثارها بالسالبة علي الخدمات الصحية.. هذا ليس إكتشافاً لما كان مجهولاً، ولم تكن نتائج هجرة الأطباء وآثارها خافية حتى على (الأميين)، وناهيكم عن المسؤولين، أو كما نصفهم .. ( ح نصدر الأطباء والنبق)، قالها وزير المالية السابق – بمنتهى اللامبالاة – في أزمة ما بعد ذهاب بترول الجنوب، و هاهي آثار هذا التصدير العشوائي .. !!

:: بسياساتهم الطاردة، نجحوا في تصدير الأطباء والأساتذة لحد تجفيف المرافق الصحية والتعليمية من الكفاءات.. ولم ينجحوا في تصدير (طن نبق)، لعجز الإرادة عن توفير مناخ الإنتاج.. فالرصد الرسمي يؤكد بأن أكثر من (60%) من أطباء السودان يعملون بالخارج.. ويؤكد الواقع بأن المتبقي ( 40%)، يتأهب ليلتحق بالسابقين..فالمثير للحزن – لو في مسؤول بيحزن – هو أن قوائم طلبات السعودية وغيرها لا تزال تقول :(هل من مزيد؟).. والسلطات هنا – تنفيذية كانت أو تشريعية – لاتبالي ..!!

:: آثار نزيف العقول لم تجفف المشافي والجامعات من الكفاءات فحسب، بل أفقدت البلاد إستثماراً مالياً ضخماً يتمثل في الصرف على تعليم وتدريب وتأهيل هذا الكادر المهاجر، إذ كسبت دول المهجر عمالة مدربة ومؤهلة لم تصرف عليها جنيهاً في كل تلك المراحل..ثم فقدت البلاد ذوي الخبرة والكفاءة، خاصة من العاملين في الولايات والأرياف، علماً بأن مشافي الولايات والأرياف فقدت آلاف الأطباء في الثلاث سنوات الأخيرة بعد أن إستوعبتهم مشافي الخليج.. ولهذا ليس بمدهش حين نرى عجز السلطات عن تغطية الخدمات وتجويد الخدمات الطبية بالولايات والأرياف..!!

:: أما أثار نزيف العقول على المؤسسات التعليمية والتدريبية فلا تخطئها عين..على سبيل المثال، تقزم الطاقة الإستيعابية لكليات التمريض، لا لقلة الطلاب، ولكن لعدم توفر الحجم المطلوب من كادر التعليم.. نعم هناك أطباء خارج دائرة العمل، ولكن هذه الفئة غير مستفيدة من الهجرة لإفتقارها لشرط الخبرة.. ولذلك، فالحديث بأن في البلاد فائض عمالة لا يتأثر بالهجرة نوع من التضليل و ( دفن الرأس في الرمال)..وقالها أحد المراصد الرسمية بوزارة الصحة، ولخصها بالنص: ( تدني الراتب، ضعف فرص التطوير، بئية العمل من حيث المكان والمعدات والوسائل، وضعف الإستيعاب).. هكذا عوامل الدفع التي تدفع الكفاءات نحو منافذ الهجرة..!!

:: وكل تلك العوامل مسؤول عنها النهج الحاكم.. فالمهاجر لا يهاجر إلا مكرهاً وكارهاً لبؤس الواقع بالمرافق، وليس حباً في الإغتراب والتغرب، ولا حباً للمال.. لو وجدوا الإحترام مع قليل مال لما هاجروا .. فالسلطات على علم بهذا النزيف المستمر، و لم تعالج أسبابه، وكذلك لم تكفاح آثاره بحيث تكون هناك موازنة عادلة ما بين هجرة كفاءة وتوفير كفاءة أخرى.. والمؤسف، لا يتم إستيعاب الكفاءة السودانية بالخارج بشكل صحيح بحيث تساهم في دعم الرعاية الصحية بالداخل ببرامج زيارات أكاديمية ومهنية وقوافل صحية وإتفاقيات..!!

:: هناك إتفاقيات مع مؤسسات سعودية وبريطانية وغيرها للإستفادة من أطباء السودان بالخارج، ولكن للاسف لم يتم تنفيذ هذه الإتفاقيات بالشكل المطلوب..كان علينا أن نقتدي بتجارب الدول المصدرة للكفاءة والعمالة الماهرة بغرض الفوائد الإقتصادية، كما تجربة الفلبين في مجال تصدير كوادر التمريض المتميزة، على سبيل المثال.. تجارب الفلبين سبقتها خطط ودراسات وأعمال توازن بين (التصدير) و(الإنتاج)، وما بين الحاجة والفائض..ولكن هنا، في موطن اللا تفكير واللا تخطيط، فالتصدير لحد تجفيف المشافي والجامعات ثم التباكي على آثار التصدير ..!!