هيثم صديق

ليلة القدر


رأيت كرسياً وسرادقاً ومنصة ومايكرفونا في الساحة الكبرى للمنطقة.. كانت الكراسي شاغرة والمنصة خالية.. يبدو أنهم جميعاً قد ذهبوا لأداء الصلاة في المسجد القريب..
دعتني نفسي الأمارة بحب الإمارة إلى الصعود على المنصة وإمساك المايك محققاً حلم يقظة متكرراً بأن أكون مسؤولاً وخطيباً.
(نفخت) في المايك وأغمضت عينيّ وبدأت الحديث..
“بسم الله الرحمن الرحيم” صدى الساوند أعاد لي قشعريرة وانتشاء فقدتهما ذات خلعة قبل عامين.
أيها المواطنون الأحرار الثوار.. أيها الشعب.. ايها الأعزاء.. أيها الأحباب.. أيها المؤمنون.. طوفت في ندائي للحضور الافتراضي ما بين الزعماء والأدباء وخطباء الجمعة.
كانت عيناي مغمضتين وأنا أمسك بالمايكرفون وألعلع: سوف نحل لكم مشكلة الإجلاس في المدرسة الثانوية وزجرني زاجر بأن لا مدرسة ثانوية في المنطقة لكني لم ألتفت إليه.. سوف نحل لكم مشكلة الإجلاس هذه اليوم قبل الغد، يل لي إني قد سمعت صفقة وفتحت عينيّ لأجد أن الكراسي قد ملئت بالناس وأن بجواري على المنصة عمائم وربطات عنق.
أشار لي أحدهم بأن أواصل بعد أن هتف هاتف بـ(تكبيير) وهتف آخر بـ(يعيش يعيش) تلجلجت وتعرقت وقلت لهم سريعاً: وشكراً.
التصفيق لم يتوقف ووقفت لي المنصة تحيي. استلمني شخصان وقاداني إلى عربة بجوار الصيوان مظللة وفخمة وأدخلاني اليها وانطلقت بي.. فتحوا لي مكتباً ضخما بسكرتارية وأغلقوه باحترام.
كنت ألبس (سفنجة) مع جلبابي منزوع (الزراير) دخل عليّ أحدهم يحمل ملابس ألبسوني جديداً اسمه (الفل سوت) وقادوني إلى حلاق مختص في تزيين رؤوس الكبار.. كنت على ثقة كاملة بأنني أحلم لذلك لم أعترض ولم تعترني رهبة ولا هشة.. جاءوا لي بأوراق لإمضائها.. قرأتها بتؤدة وجدت في بعضها مطالب شخصية لموظفين فرددتها، صاح أحدهم: إنت فاكر نفسك منو؟.. فعلاً من أنا لأرفض لهم.. قلت له: “أنا العندو القلم”.. ولوحت بقلمي الأخضر.
هكذا أصبحت مسؤولاً في (فتحة خشمي) تماماً كما يصبح بعض كتاب (البوستات) نجوماً لما يعزفون على وتر حبل الكذب الطروب.
لم يكن حلماً فيمكن بذات السيناريو أن تصبح (حاجة) ولا (حاجة)..