صلاح حبيب

(27) عاماً على حكم الإنقاذ!!


في مثل هذا اليوم من العام الثلاثين من يونيو 1989م، أطاح انقلاب الإنقاذ بالديمقراطية الثالثة التي شهدت في الفترة الأخيرة حالة من الاضطراب والصراع بين الأحزاب السياسية المختلفة، ائتلاف ثم انفضاض له ليكون ائتلاف آخر بين أحزاب الأمة والاتحادي الديمقراطي ثم الأمة والجبهة القومية، ويستمر مسلسل الصراع والخلاف بين تلك الأحزاب الحاكمة، فالوضع في الديمقراطية الثالثة كان في حالة عدم الاستقرار ولا يوجد سبب لذلك الاضطراب إلا السعي وراء كراسي السلطة، فالأحزاب لم تكن متفقة فيما بينها آنذاك مما جعل كل حزب يكيد المؤامرات والدسائس للآخرين، مما أضعف هيبة الدولة وجعلها سخرية أمام الشعب السوداني الذي كان ينتظر منها الكثير، ولكن كل جهة ظلت تعمل لوحدها.. فالقوات المسلحة لم يعجبها حال الأحزاب السياسية، فتقدمت بمذكرة لرئيس الوزراء تشكو له حال الوضع، ولكن رئيس الوزراء وقتها لم يضع أي اهتمام لهذه المذكرة، وقبلها اقتحمت الجماهير مجلس الوزراء وعبثت به بصورة شائنة بسبب الزيادة في قيمة رطل السكر، فالجماهير الثائرة والمحرضة من بعض الأحزاب العقائدية المختلفة كانت سبباً للاضطراب الذي كان ينذر بمحاولة تغيير في أي لحظة. وبالفعل المخططات الانقلابية كانت تحاك وتتحين كل جهة الانقلاب على الأخرى، إلى أن سبقت الجبهة الإسلامية القومية الانقلابيين الآخرين، ونفذت انقلابها وسط ذهول كل المراقبين.
أذكر وقتها كنت أعمل في صحيفة (الأيام) التي كان يمتلكها الأساتذة “بشير محمد سعيد” و”محجوب محمد صالح” و”محجوب عثمان” و”أمين محمد سعيد”. قبل الانقلاب ببضعة أيام طرح الأستاذ “بشير محمد سعيد” أسهمه للبيع لشركات، وبالفعل باع الأستاذ “بشير” نصيبه في جريدة (الأيام) مقابل خمسين مليون جنيه، واستلم حقوقه كاملة، ونحن في (الأيام) أذكر أيضاً قبل الانقلاب ببضعة أيام جاءني الأخ الزميل “محمد لطيف” وهو يشغل منصب سكرتير تحرير (الأيام) طلب مني إجراء مقابلة مع أحد العسكريين، وقال لي اسمه “عمر البشير” وقال لي هذا الضابط أعاد مدينة اسمها بالجنوب “ميوم” في عشر دقائق، قلت له يا “محمد” العساكر ديل تقوم تكتب حاجة خطأ يبقى ليك في روحك فيا أخي أتركني، وكان مصراً أن أجري الحوار وتمسكت برائي بعدم إجراء الحوار خوفاً من الوقوع في الخطأ، فكلف من بعدي الأخ “راشد” على ما أظن وتم إجراء الحوار ونشر في صفحتين بالجريدة، وعندما وقع الانقلاب وذكر اسم قائد الانقلاب العميد آنذاك “عمر البشير” هنا وقف بعض الصحفيين بالجريدة ورجعوا للمقابلة الصحفية التي أجريت مع العميد “عمر البشير” وتأكد أن قائد الانقلاب هو نفس الشخص الذي أجرت الصحيفة معه الحوار.
الثلاثون من يونيو 1989م، كان الناس في حالة صدمة فخلت الشوارع من المارة ولم تتصدَّ أي جهة للانقلابيين رغم أن الساسة كانوا قد وقعوا قبل ذلك ميثاقاً للدفاع عن الديمقراطية.
أذكر في ذلك اليوم أن صديقي “رشيد المهدية” لاعب الهلال الدولي وهو جاري كان مسافراً في نفس اليوم إلى دولة الإمارات، فبعد أن ودعته في الساعات الأولى من الصباح عاد تقريباً عند الخامسة صباحاً وهو يصيح انقلاب انقلاب، لأن قوى عسكرية كانت تقف على كبري النيل الأبيض فطلبت منه الرجوع، وأذكر ونحن واقفين بالحي مجموعة من الشباب جاء رجل قال فعلاً وقع انقلاب وقائده يسمى “عمر البشير”، ولكن حتى الآن لم أتذكر ذاك الشخص ومن أين جاء.