منى ابوزيد

صُورة ذِهنيَّــــة ..!


“وما انتفاعُ أخي الدنيا بناظِره .. إذا استوتْ عنده الأنوارُ والظُلَم” .. أبو الطيب المتنبي ..!
كان التصنيف الفنِّي لحسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ عندما دخل خيمة الشعر بسوق عكاظ، أيام الجاهلية، أنه أشعر العرب، لكنه أخفق في الحفاظ على اللقب لأنه لم يسوق لذاته ولمنجزاته كما ينبغي له ولها، وفقاً لمعايير الفخر الصارمة عند العرب، حينما وقف أمام النابغة الذبياني منشداً ” لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى .. وأسيافنا يقطرن من نجدة دما .. ولدنا بني العنقاء وابني محرق .. فأكرم بنا خالاً وأكرم بذا ابنما ..”!
فكانت نتيجة المعاينة كالآتي “إنك لشاعر، لولا أنك قلَّلت عدد جفناتك وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك”! . وهو كما ترى تقييم فني يَعني بلغة هذا العصر أن الشاعر لم يفلح تماماً في التسويق لمقدراته الذاتية والتدليل على إمكاناته الشعرية التي جانبها الصمود في حضرة الخنساء التي أنشدت “وإنَّ صَخراً لتأتمُّ الهَداة به كأنَّه علمٌ في رأسه نارُ”. فعبَرتْ بطاقتها الوجدانية الهائلة ـ المُضمَّنة في ذلك البيت ـ أسوار النوع وحواجز “الجندر” إلى رحابة الإنتماء الإنساني الجليل ..!
ولو كان صاحب خيمة الشعر أحد خبراء تنمية الموارد البشرية على أيامنا هذه لنصح حامل اللقب السابق بأن يشتغل أكثر على تطوير مقدراته في مضمار تسويق الذات، لا لشيء إلا لكي يسلم من عواقب دقة المعيار وحدة المنافسة ..!
في مناخات الإنسانية عموماً مثالب منهجية تقف حجار عثرة أمام تحقيق المنجز الإبداعي مهنياً كان أو شخصياً، وفي مناخنا السوداني على وجه الخصوص عشوائية فكرية سلوكية رائجة تجعل جهدنا الرسمي والشعبي منقوصاً على الدوام وشائهاً في تقدير الآخرين. وما أدراك ما تقدير الآخرين ..؟!
نظرة خاطفة إلى تناول إعلام الآخرين وإعلامنا المحلي لبعض القضايا المشتركة يظهر جلياً كم نبدو في معظم أحياننا متهدلي الأكتاف .. شاخصين .. متعلقين بتعبيرات وجوه دولية بعينها .. آملين في خير حركاتها .. مستعيذين من شر سكناتها، وإن كانت في حقيقتها المجردة أدنى شأناً وأقل درجة مما نظن ونرجو ..!
ناهيك عن الحضور السوداني في المحافل الخارجية والكيانات المهنية الدولية، والذي بات مهدداً بصورة ذهنية سالبة ضاعفت مقدار الفرص المهدرة. تمثيلنا المهني في المناصب الدولية يحتاج جهداً نوعياً في تأهيل الخبراء والمهنيين وبالتالي إصلاح الحاكمين قبل المحكومين ..!
بلادنا بحاجة إلى استراتيجية قومية، أول همها ومبلغ علمها “الاشتغال على صورتنا الذهنية حكومة وشعباً في (أمخاخ) وأفئدة الآخرين”! . إذا أردنا فلاحاً بين الدول لا بد أن نتجاوز مناهجنا السلوكية القائمة على طردية العلاقة بين تبخيس الذات والمبالغة في توقير الآخر!. وأن ننتهج تخطيطاً عمرانياً محكماً لبناء الكبرياء السودانية. أما الذات السودانية فهي ـ وأرجو أ تأخذني على محمل الجد! ـ بحاجة إلى مشروع قومي لزراعة الفخر ..!