سياسية

أستاذية العالم.. عبادة سرية أم شرك بالوطن


ترى ما هو سر تلك العبادة السرية التي تخطت في غلوها وشططها الوثنية والفاشية على السواء؟ كلما حاول أحدهم الاقتراب من الفكر الإخواني فقط لمحاولة الفهم، وجد أنه لا بد وأن يصطدم حتمًا بفكرة «أستاذية العالم». عبثًا تخيل المُنظر الأول للإخوان المسلمين حسن البنا 1906 : 1949 أن بإمكانه فرض فكرة شديدة الخصوصية على كل مسلمي العالم، هذا من خلال منطقه المغلوط والمشاكس والرافض للواقع، في محاولة منه لإحياء فكرة دولة الخلافة عن طريق وسائل بدائية ومحلية الصنع، منذ بداياتها الأولى كانت تميل للتشدد وتفتقر إلى العصرية، وها هي أخيرًا قد أثبتت فشلها سياسيًا وعدم جدواها مجتمعيًا، بل ونجحت في خسارة أي صوت متعاطف قد يميل للتعاطي أو الحوار معها، فعلى الرغم من مضي أكثر من 90 عامًا على سقوط دولة الخلافة العثمانية، لم يستطع أي من أنظمة الإسلام السياسي بالمفاهيم المعاصرة تقديم نموذج واحد متكامل، أو آليات واضحة لإعادة إحياء دولة الخلافة، أو على الأقل تقديم شكل نموذجي لدولة إسلامية تتناسب وظروف العصر والواقع العالمي الجديد.

لاحظنا مع فترة صعود الإخوان المسلمين مؤخرًا ملامح شره وتعطش مفرط تجاه السُلطة، وقد صاحب هذا ضبابية وغموض في الرؤية السياسية، وغياب لمشروع حقيقي لإحياء الدولة، فسرعان ما تبين للجميع أن هؤلاء هم مجرد محدثون راهنوا على إستراتيجية شق الصف، وقدموا وعودًا وهمية لشركاء الفكرة، وقاموا بخلق تحالفات صفقوية وصلت لحد التآمر على مستقبل الوطن والشعب مع كل الأطراف الفاعلة في العملية السياسية، ثم حدث أن أداروا للجميع ظهورهم بعد تمكنهم من صعود غير متوقع، سقف تلك الجماعة لم يكن ليتسع للجميع كما أعلنوا زورًا، وصور لهم الغرور أنهم أصبحوا في مأمن فبدأوا في استعراض زائف للقوة بدا في أول الأمر أنه يرتكز على قدرة تنظيمية حقيقية، لكن سرعان ما تكشفت حقيقة كونه مجموع لتشكيلات عصابية وميليشيات وتنظيمات مسلحة، تمامًا كتلك التي ظهرت في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.

النسخة الوحيدة لدينا من مشروع مكتوب لدولة الخلافة وأظنه يتصف بالجمود ويفتقر لروح العصر، جاء مع بدايات تأسيس حزب التحرير الإسلامي، وقد وضعه حينها القاضي الفلسطيني تقي الدين النبهاني 1914 : 1977 تحت مسمى دستور دولة الخلافة، وقد واكب ظهوره تكوين جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا في الإسماعيلية بمصر سنة 1928، تحديدًا بعد أربع سنوات من انهيار دولة الخلافة العثمانية، حدد حزب التحرير ثلاث مراحل أساسية في سبيل إحياء الخلافة، وإتمام المهمة التي قام من أجلها، وهذه المراحل هي مرحلة التثقيف لإيجاد قاعدة شعبية تؤمن بالفكرة وتروج لها كنواة لصنع تكتل حزبي، ثم مرحلة التفاعل مع الأمة لتحميلها مسئولية الدفاع عن فكرهم الديني المتشدد، ولتصبح مسألة الدين ما هي إلا مطية دفاعية بحتة ضد الآخر، وبداية لصدام حضاري على عكس توجه الدعوة الرشيدة المعتدلة المبنية على القبول بالتعددية، وأخيرًا تأتي مرحلة استلام الحكم وتطبيق الإسلام من منظورهم الخاص شديد التطرف، تمامًا كتلك النماذج المُشينة التي انتشرت في المنطقة كسرطان متوحش لا يعرف للتمييز مجالًا.

«أستاذية العالم» هي فكرة فاشية باقتدار، وهي دائمًا مرهونة بالفكر المتطرف لدى حسن البنا، الذي رأى أنه يجب على كل مسلم أن يعتقد فقط في منهج الإخوان المسلمين كله عن الإسلام، وأن أي نقص منه يعد انتقاصًا من الفكرة الإسلامية الصحيحة. والفكرة تتلخص نظريًا كما وصفها البنا بين أوراقه في كيفية بناء الفرد المسلم، فالأسرة المسلمة، فالمجتمع المسلم، فالحكومة الإسلامية وصولًا إلى فرض هذا الفكر على العالم. ويرسخ الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون لجعل الحكومة ركنًا من أركانه، ضاربًا بعرض الحائط فكرة استيعاب الآخر أو التعددية الفكرية أو الشراكة في مسئولية الحكم، بل إنه يخالف ما جاء في قوله تعالى «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة» صدق الله العظيم ، فالتعدد الفكري والخلاف في بعض أمور الفقه هو أمر افتراضي ربما جاء لصالح البشرية في هذا التفسير، لكنه غاب تمامًا في نظريات هؤلاء لتبقى فكرة الخلافة مجرد رمز يحوم حوله فقط من يطمحون للسلطة ولا يعرفون لها سبيلًا إلا بتحريك العواطف وإثارة المشاعر الدينية المرهفة لدى البسطاء أو بين من يبحثون عن الله والمعرفة من خلال وسطاء.

مع الأسف نحن نمر الآن بين شقي رحى التطرف، فبين من يحاول استدعاء الماضي بالاستسلام والارتماء في أحضان الغرب المستعمر، وبين من يحاول إحياء فكرة الخلافة على أساس فاشي متشدد، وجب ألا ننسى أن أحد أصنام الإخوان مأمون الهضيبي 1921 : 2004 قال إن كل من خرج عن فكره وخالفه فهو خارج عن وحدة الصف، لذا وجب قتاله أو قتله، وربما هذا ما يفسر المنهج الإقصائي لهؤلاء، ومعارضتهم لحد تكفير كل من جاء للحكم منذ ظهورهم! في 29 يوليو 1982 تم الكشف عما عرف بالنظام العام للإخوان المسلمين المبني على فكرة الخلافة، وكان قد تحدث عنه كثيرًا في مؤلفاته الفقيه الدستوري والمفكر الإخواني البارز د/ توفيق الشاوي 1918 : 2009، وقد شرح الرجل فكرة الخلافة وتطورها وأهدافها لتكوين عصبة أممية إسلامية على أساس دراسة نال بها د/ عبد الرازق السنهوري باشا درجة الدكتوراة في فرنسا عام 1925 من معهد القانون المقارن بجامعة ليون، أي بعد عام واحد من سقوط دولة الخلافة العثمانية، ولم تتم ترجمة البحث إلا بعد ثمانين عامًا من صدوره بواسطة الشاوي نفسه، ربما راقت فكرة السنهوري باشا للشاوي لأن الأول أشار إلى إمكانية إقامة نظام الخلافة ولو بصورة غير مكتملة، وهو ما عبر عنه بمصطلح «نظرية الخلافة الناقصة»، وكانت ملاحظة السنهوري الهامة حينها أن هناك واقعًا جديدًا آخذًا في التطور والنمو، وهو انفصال الأقطار الإسلامية، وانشغال كل منها بالشأن الداخلي والمصالح الوطنية المرتبطة بكفاح الاستعمار، لهذا حاول الرجل علاج فكرة الخلافة المزعومة من خلال آلية واقعية، ولو بشكل مرحلي باللعب على وتر تكوين منظمة عالمية مادام الواقع يحول دون إقامة دولة موحدة عظمى كما كان الحال قبل نهاية دولة الخلفاء الراشدين، وظهور الإسلام السياسي في أعقاب الفتن التي توالت بعد مقتل الخليفة علي بن أبي طالب.

ربما تكون تلك النظرية هي التفسير المنطقي المتاح الذي مهد لظهور ما يسمى بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، والذي كان بمثابة الحل السحري لدى الجماعة لحماية فكرة الخلافة ذات البريق المغري للبعض، فهذا التنظيم منتشر دوليًا ويندرج تحت مظلته الكثير من الجمعيات والاتحادات والأذرع الاقتصادية والتنموية التي ظهرت على أثر جهود يجوز نسبتها لصنم آخر للجماعة المرشد الخامس مصطفى مشهور 1921 : 2002 ، والذي استطاع بتحركاته ونشاطه دعم صعود الجماعة وتغلغلها في المجتمع الدولي، واقترابها من القوى السياسية العظمى في التسعينيات من القرن الماضي.

وهكذا يظل الفكر الديني المتشدد هو أساس المعضلات والإشكاليات الحالية، فالاختلاف في النظر للنصوص يأتي دائمًا بين من ينظر للمقصد والمغزى، وبين من يقف عند حد المعنى اللفظي المباشر، فالأول منهج فقهاء الوسطية والاعتدال الذين يقبلون بالخلاف الفقهي في المسائل التعبدية التي تحتمل ذلك، والثاني هو منهج المقلدين من المتشددين الجدد أصحاب منهج الولاء والبراء ومحترفي محاربة كل من يخالفهم الرأي كونه يأتي بالبدعة من وجهة نظرهم. لم يعين الله حراسًا للدين، وفهم البشر للأديان والمعتقدات هو مسألة نسبية تحتاج للعقل وللحكمة والحوار الهادئ، لذا علينا جميعًا التحرر من القوالب الفقهية الجامدة التي فرضها من نصبوا من أنفسهم زورًا حراسًا للدين ويحاولون عبثًا عقد محاكم التفتيش من جديد، كهؤلاء ممن يحرقون الأخضر واليابس، ويشركون بالوطن لمجرد خسارتهم جولة كشفت همجيتهم وعوارهم الفكري!

 

محمد أحمد فؤاد: ساسة بوست


‫2 تعليقات

  1. ثم جاء الفارس المغوار القائد السيسي و أنقذ البلاد و العباد من شر تلك العصبة …..

    مقالك ينضح نفاقا

  2. اى نفاق يارجل الإخوان لهم أخطاء ولهم محاسن ولكنك كالذباب لاتري محاسنهم على كل حال هم أفضل الجماعات الإسلامية اعتدال وفهم لكنك ربما قبضته حفنة من الرز لكتابة هذا الهراء