تحقيقات وتقارير

الخرطوم تخلع عنها جلد زحمتها.. العيد دفء الفرحة بين الأهل والعشيرة


هو العيد الخرطوم ستخلع عنها (جلدها) وسيمضي الجميع في رحلة العودة إلى الجذور يقول لسان حالهم (العيد وطن) الوطن هو البقاء قريباً من دفء الأهل والعشيرة ربما الحالة الوحيدة التي يتحول فيها المركز إلى مكان (طارد) ليكتب الناس فرحتهم على هامش صفحات مناطقهم التي جاءوا منها .

1
الميناء البري يبدو أكثر اكتظاظاً وهو المزدحم بعادته، ثمة سيدة في الأربعينيات من عمرها يطاردها (الرهق) ورتل السيارات وهي تحاول جاهدة أن تعبر بأطفالها نحو الضفة الأخرى من شارع الأسفلت المهترئ عليها أن تخوض معركة أخرى للحصول على تذاكر تحملها وصغارها إلى منطقة أم روابة تقول إن العيد هناك أجمل وإن مغادرتها هي في الأساس بحثاً عنه حيث تريد أن تمضي بعيداً عن البيوت المغلقة على ذاتها لتغوص وصغارها في الرمال الممتدة والتي تبعث على الارتياح ومن أجل ذلك تدفع القيمة المضاعفة للتذكرة ويسكنها السرور.

2
لا تكتمل صورة المسافرين دون النظر لمن يقودونهم إلى نور العيد وسط العشيرة.. (معاوية) يمسك بمقود بصه السريع ينثر ابتسامته على الطرقات التي يقطعا جيئة وذهابا.. لا يعلم معاوية أين سيدركه العيد هذه المرة ولكنه اعتاد أن يجاهد من أجل أن يعيش فرحته وسط أنجاله في النيل الأبيض فهي لا تقدر بثمن. يكمل معاوية وهو يعيد ترتيب الأغنيات في جهاز البص (عيدنا نحن السواقين ديل هو أن يعيد الآخرون) وقبل أن أغادره يعيد العبارة المرسومة في خلفية عربته (الله يوصلنا بالسلامة).

3
السلامة ترتدي اللون الأبيض وتحمل صافراتها.. لم تمنع حالة الجفاف التي تعتري رجل المرور من أن يطلق العنان لصافرته معلنا بدء مشروع التفويج من مدخل جبل أولياء في الوقت الذي استقام فيه رفاقه على مقاود سيارتهم من أجل قيادة هذا الرتل.. رجال الشرطة ممنوعون من الحديث للإعلام لكن ما يحدث كان يخبر عن عبارة واحدة (سلامتكم هي مبتغانا) وأملنا الأخير حتى إن كان ذلك عبر (الطوف) متعدد السيارات ومتطاول زمن الوصول.. فدرب السلامة للحول قريب.

4
وعلى ذكر الزمان فان الخرطوممين (الأصلاء) يبدون سعيدين بمغادرة الآخرين، هي سعادة وليدة اللحظة التي تجعل المدينة تغادر (زحمتها) وضجيجها الاعتيادي لكن الفرحين بخلو المدينة من أهلها سرعان ما يصيبهم الضجر من هذا الهدوء القاتل، فالخرطوم دون أهل السودان الآخرين تبدو مدينة منزوعة الدسم وبلا طعم ولا رائحة فالخرطوم مدينة (الزحمة) والمعاناة التي تولد الإمتاع في كل الأحوال.. المغادرون سيعودون في أول رتل من السيارات يعاود الدوران باتجاه المركز يحملون معهم حياة الضجيج التي ألفوها وألفتهم..
في كل الأحوال فان العيد الذي يدق ابواب الوطن يجعل البعض يرفع كفيه بالدعاء ومن كل مكان: رب اجعل هذه البلاد في (زحمة) من النعم..

الخرطوم ـ الزين عثمان
صحيفة اليوم التالي