تحقيقات وتقارير

في ظل انهيار المرتب أمام أيام الشهر.. قد يجدر البحث عن أسباب الاعتماد عليه دونما إيجاد سبل إضافية للدخل.. ولكن كيف السبيل مع جدل ضيق المال والوقت؟ ضد الماهية


وسط استطلاع أجرته (اليوم التالي) حول اعتماد الموظفين على ما يصرفونه في آخر كل شهر لتسيير امورهم رغم علمهم المسبق بعدم كفايته بل تسربه في الأيام الأولى من الشهر قالت أسماء جمعة خبيرة اجتماعية: “لا لا، من المستحيل اعتماد الموظف على المرتب وحده، بالضرورة هناك وسائل دخل إضافية وإن كانت خفية قد تتمثل في ورثة أو قريب مغترب أو شيء ما آخر”

البداية
في البدء أجرت (اليوم التالي) استطلاعا مع مع أربعة أشخاص متبايني المهن، حاورت خلاله كلا من انتصار الموظفة في أحد البنوك، وعوض الكريم وهو مصور مسؤول عن أسرة تتكون من عدد من الأبناء، إلى جانب سلوى شابة مطلقة وأم لطفل واحد تعمل خادمة في أحد البيوت، فيما كانت البداية بالصحافي محمد الذي شكل بداية القصة كلها.

والحال كذلك فإن كنية (محمد) تتشابه بالتأكيد مع أعداد كبيرة من زملائه بطبيعة شيوع الاسم، زملائه الذين قاسمهم أيضا رهق مهنة المتاعب، فيما يعيش معهم ذات الهموم ويشاركهم بالتأكيد نفس الأحلام، محمد الذي حمل أيضا سمات كاملة الدسم في جرأة الصحافيين، في طريقة حديثه ومواضيعه قد تكاد تدرك عند تعاملك معه الانطباع الذي يعتري في غالب الأحيان كل من شاهد أو تعامل مع صحفي سوداني، عندما ينتابك الإحساس بأنهم أكثر الشرائح صدقا في الانتماء لهذا المواطن السوداني ليس لمجرد أقلامهم التي تكتب في سبيله يوميا دفاعا عن قضاياه أو إعلاما وتنويرا له، وإنما لأنك قد تدرك أن الصحفي يشارك الشعب ايضا ذات الكفاح.. أو نفس (المرتب) الذي قد يكون عنوانا للكفاح، غير أن صاحبنا محمد يخالف الصحافيين هذه السمة الغالبة، إذ تجده رغم جرأته وسلاطة لسانه، لا يأبه كثيرا بمرتب لا يصمد مع الأيام خصوصا في أيام العيد، المهم أن محمد باختصار يعمل إلى جانب (مهنة المتاعب) في التجارة وأوضح (لليوم التالي) أنه يدير تجارته عبر الهاتف، أو يشرف عليها مع وجود وكيل متخصص، وهي عبارة عن بيع الماشية وأشياء أخرى لم يتطرق اليها..

مع نهاية قصة محمد كانت بداية الاستطلاع مع (انتصار وعوض الكريم وسلوى) حول تمسك الشخصية السودانية بالمرتب رغم تسربه منذ الأيام الأولى أو أيام العيد بلغة العشرة الأواخر من رمضان، فيما لدينا نموذج محمد الذي يمكن ان يحتذى به فى الارتباط بأكثر من عمل تؤازر قلة حيلة (الماهية) أو لمواجهة الضغوط الاقتصادية وقيادة ثورة ضد المرتب.

في ميدان الاستطلاع
في ميدان الاستطلاع لم تغادر إفادات موظفينا الثلاثة محطات انعدام رأس المال كسبب أساسي، وضيق الوقت فيما دارت الأسباب في بعض الروايات حول (البرستيج) إلى جانب انعدام المعرفة أو التعليم الذي يمكن من ممارسة وظائف أو أعمال أخرى متنوعة، اتفق الموظفون في انعدام قلة رأس المال بعبارات مختلفة، وفيما قالت سلوى: “ما عندي قروش أعمل حاجة تانية” رد عبد الكريم على تساؤل (اليوم التالي) عن الأمر بقوله: “أجيب من وين؟”.. أما انتصار فقد تحدثت بإسهاب وتفصيل أكثر دار ملخصه كالآتي: “كل الاسباب تدور حول رأس المال وضيق الوقت، فيما يليني كموظفة لا أستطيع أن أدير تجارة إلى جانب عملي الرسمي، فكيف أستطيع أن (أجابد القروش) من الزبائن، فقد أضحى استخلاص المبالغ في البيع والشراء مشكلة في حد ذاته، في وقت أكاد بالكاد فيه تغطية عمل زملائي التي أكلف بها إن دعت ظروفهم للغياب، لذلك فإن لجوئي للاستفادة من خدمات البنك الذي أعمل به من خلال عرضها كإعلانات في الصحف كما أشرت تبقى فكرة بعيدة عن الواقع لأن الوظيفة تملأ وقت صاحبها بل يكاد يضيق بها.

سكتت انتصار برهة ثم أضافت في محاولة لتعضيد حديثها: خضت تجربة التجارة إلى جانب الوظيفة عندما عدت من دبي لفترة مؤقتة، حيث كان هدفي البيع لزملائي فى العمل لكي ما يساعدني ويرفع عني رهق السعى للزبائن عندما هممت بالمغادرة، استوقفتني انتصار بعبارات سريعة ومرتبة، كما لو كانت تحكي عن قصة موظفة تمكنت من خلال العلم والخبرة والدراية تريد أن تقتصر علي طريق الاستطلاع مع بقية زملائها إذ قالت وتلخيصا لكل هذا الكلام يمكنك أن تعتبري أن رأس المال العائق الأول، كما يمكنك أن تقسمي العاملين إلى جانبين الموظفين والعمال، والموظف إذا ما أراد أن يعمل عملا جانبيا فإن تفكيره يتجه نحو السواقة، وهذا مايفسر عمل الموظفين بعد الدوام عادة في السواقة، فالموظف يميل من ناحية البرستيج إلى أن يعمل سائقا لوسيلة نقل يمتلكها، ولأن رأس المال يشكل عائقا كما ذكرت لك، تجدين القليل من الموظفين يعملون أعمالا اضافية تتمثل عادة في السواقة، أما العمال فغالبا ما يرتبط العمل الإضافي عندهم بوظائفهم الاساسية، ولكن الوقت لا يتيح لهم ممارستها الا في أيام العطلة، أو بعد الدوام بشكل نادر ربما قد تكون اقتنعت بحديث انتصار مع وجود نموذج ماثل آخر يمكن أن يحتذى به. ويتجلى في الصحفي محمد الذي يمارس مهام أخرى مع مهنة شهيرة بالمتاعب كما لا يمكن إغفال ما أشارت إليه أسماء جمعه إذ أكدت لـ(اليوم التالي) أن ظروف الحياة الصعبة تجعل المجتمع يعيش مع بعضه، وأفادت بأنه كلما تحسن الوضع الاقتصادى تحققت الاستقلالية الاقتصادية وتباعد الناس.. وقالت أسماء: المجتمع السوداني لم يصل بعد إلى الحياة المدنية المعقدة وإن كان التطور قد بدأ، لكننا لازلنا نعيش حياة قد يصرف فيها المغترب على أبنائه وأبناء اخيه، لأن الرابط الأسري لا زال قويا ولم يصل بعد إلى الحياة المدنية المعقدة، ذلك بعد أن اطلقت عبارة: “لا لا، من المستحيل اعتماد الموظف على المرتب وحده، بالضرورة هناك وسائل دخل إضافية وإن كانت خفية قد تتمثل في ورثة أو قريب مغترب أو شيء ما” أو كما جاء في المفتتح.

الخرطوم- رندا عبد الله
صحيفة اليوم التالي