عبد الجليل سليمان

إذا لم تُسمِع فألمِعْ


“إذا لم تستطع الكلام فعليك الإشارة، أو إذا عجزت عن الإسماع لم تعجز عن الإشارة “. ما بين علامتي الاقتباس شرح لعنوان (العمود)، والعنوان نفسه مثل عربي سارٍ لكنه مُتخفٍ.
والحكومة، أي حكومة، عندما لا تَسْمَعْ، لا تُسْمِعْ ولا تُسْمَعْ، حينها لن تعجز عن الإشارة فحسب، بل تعجز عن الحركة أيضًا فتُصيب أحوال العباد بالشلل التام، تنقطع الكهرباء، وينعدم الماء، ويطلب الناس الطب في الصين والهند والسند، ومن لم يستطع فلموت له خير وِجاءْ وسِتر.
الحكومة لا تسمع ولا تلمع، ولو كانت، لما دامت مودتها لكل هذه الأهوال، ولتخلصت من منسوبيها مُنغِصي حياة البشر، المتمكنين في الأرض والحالمين بالسماء، ولن تقلهم هذه ولن تظللهم تلك إذا ما نزلت النوازل، ولن تشفع لهم المودات الحكومية، وحينها سيرددون بيت الشعر الشهير الذي يمكن قراءته من الشمال إلى اليمين أيضًا (مَـوَدَّتُـهُ تَـدُومُ لِـكُلِّ هَـوْلٍ/ وَهَـلْ كُـلٌّ مَـوَدَّتُـهُ تَـدُومُ؟).
إذا لم تسمع فألمع، ووزير المالية يقول (تجاوزنا الحصار المصرفي)، وزير الكهرباء لا يعترف بالعجز إلا لِمامًا، وزير السياحة كان أجدر به أن يمضي أو يُمضى به إلى الشؤون الدينية رغم ذلك، فإن معتمد الخرطوم يطيح بخطته المسماة (السياحة النظيفة).
كل ذلك يمكن تحمله إلا العطش، والخرطوم عطشى، وسط الخرطوم يقتله الظمأ دعك عن أطرافها، ظمأ العاصمة تدركه ظلمة دامسة، عطش أسود، وإلا فأين يختبئ من تسببوا تشقق حلق المدينة ولهاثها المحموم، لذلك تنقطع الكهرباء، تظلم فيندسون، ويا لظمة الإعلام إذ يترك كل هذا ويضرب الطبل والدفوف ويزمّر لأخبار مثل (غادر فلان وكان في وداعه علِّان، وصل فكان في استقباله فلتكان)؟ وخبر وخبر… ولا أخبار حقيقية، ولا صحافة حقيقية.
وبينما المواطن يكاد يلهث الثرى من العطش فإذا بـ (المرور توقف سائقين ثبت تعاطيهم للمخدرات)، وقبلها السودان ينتج 60 بالمائة من (بنقو) أفريقيا، وتنقطع المياه مرة أخرى وأحياء جنوب الخرطوم تتشقق حلاقيمها، ورمضان كريم، والعيد يتزامن مع المدراس، والمدارس لا منهج ولا بيئة ولا كادر.
تلك المعادلة، معادلة تجعل البلاد والعباد (كلهم) يرقصون (ميل شمال، ميل يمين، ودوِّر دوّر.. الخ)، وشرحبيل يغني افتراضًا، والبلد يميل ويدور ويميل يدور (لفة راس/ دوخة/ طُمام)…. وكل شيء على شفير الهاوية ومشارف السقوط الكبير.
إلى ذلك، قال الشاعر عادل عبد الرحمن “بيدّي هاتين سأخمش الكرة الأرضية”، أراد الجزء وأطلق الكل، والجزء هنا، هذه البلاد لا غير. فتوقفوا واسمعوا أو إلمعوا قليلًا، ريثما يكف عن دواره المكان.