رأي ومقالاتمقالات متنوعة

د. عبدالله إبراهيم علي : كيف لا نحزن على فراقك يا رمضان!


تعتبر العشر الأواخر من رمضان من أفضل الأيام، حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على كثرة العبادة فيها تحرياً لليلة القدر واغتنام ثوابها، وقراءة القرآن من أهم الأعمال فى شهر رمضان وخصوصاً فى العشر الأواخر منه، فهو الشهر الذى أُنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان، فينبغي على المسلم الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه هو الأسوة والقدوة الحسنة، وأنَ المرء لا يدري لعله لا يدركها مرة أخرى، غير أن البعض يشغل وقته بمشاهدة التلفاز ومتابعة المسلسلات في رمضان خصوصاً في الفترات بين صلاة العشاء والتراويح وبين صلاة القيام، وقد تأخذ هذه المشاهدة جزءا من وقت صلاة القيام في جماعة، فيتكاسل عنها البعض أو يتناساها، والأفضل صلاة قيام الليل مع الإمام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتِبَ له قيام ليله) رواه الترمذي، ولنكثر من الدعاء في هذه الأيام ونكرر: (اللهم إنك عفو تحب العفوَ فاعف عنا).

وتحضرني عبارات للدكتور مصطفى محمود، حين قال: كانت والدتي تدير التلفاز ليواجه الحائط طوال شهر رمضان عندما كنت طفلاً صغيراً، وتمنعني من مشاهدة الفوازير، فتقول لي: رمضان شهر عبادة يجب ألا نشغل بالنا بأي شيءٍ آخر، كما يقول الشيخ الشنقيطي: إذا هبط عنك الإيمان وتكاسلت عن العبادة، فالزم هذا الدعاء: (اللهم لا تجعلني شقياً ولا محروماً)، والفتور أمر طبيعي في حياة المسلم، ولكن لنحذر أن يكون فتورنا في وقت الغنائم وأزمنة السباق.

مضى من عمرنا ما مضى وكل يومٍ يمر علينا فهو جزء من العمر، فإن أحسنت فزد، وإن ابتعدت فعد، وإن فترت عزيمتك فتذكر قوله تعالى: (أياماً معدودات)، فينبغي علينا أن نجتهد في أيام وليالي هذه العشر طلباً لليلة القدر، اقتداءً بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن نجتهد في الدعاء ونتضرع إلى الله، وننفق على المحتاجين وفعل الخير بشتى أنواعه، وهنا يقول ابن القيم: ربما تنام وعشرات الدعوات تُرفَعُ لك من فقير أعنته أو جائع أطعمته أو حزين أسعدته أو مكروب نفست عنه، فلا تستهن بفعل الخير، حينها ستسعد كثيراً، فمن أسباب السعادة أن يكون لدينا عين ترى الأجمل وقلب يغفر الأسوأ وعقل يفكر بالأفضل وروح يملؤها الأمل.

لقد اقتربت نهاية شهر رمضان بدخول العشرة الأواخر، ورمضان سيعود، ولكن هل نحن سنعود معه؟ يا رمضان إن أدمعت عيناي فلشوقي لك وإن تألمت روحي فلبعدك عني، بالأمس كنَا نرحب برمضان شهر الرحمة والغفران، والآن نودع رمضان شهر العتق من النيران، سريعاً هذه الأيام تمضي، فنسأل الله أن يتقبل منا الصيام والقيام ويكفر عنا جميع السيئات، وأن يهدينا لاستغلال ما بقي فيه من أيام، وأن يبعدنا عن الخصومات والتي لا فائدة فيها، فكم من أناسٍ كانوا معنا في رمضان الماضي غيبهم الموت وأصبحوا تحت الثرى، لا نبكي عليك يا رمضان ونحن نعلم أنك راحلٌ منذ أتيت، ولكن نبكي على أنفسنا، فقد تمر علينا ولا نكون من بين الحاضرين، من أجل هذا نودعك ببكاء الحزن المرير، فأنت باقٍ فينا يا رمضان، أخاً مؤنساً وصديقاً مقرباً وضيفاً كريماً، فأجمل الوداع هو الأمل في اللقاء، وها نحن نودعك يا رمضان من جديد وكلنا أمل أن نكون من المقبولين وأن نلقاك في العام الجديد.