حوارات ولقاءات

سفير الصين: الصين حريصة على العلاقات مع السودان لخير البلدين والشعبين


يرجع بعض المؤرخين تاريخ العلاقات السودانية الصينية إلى عدة قرون مضت، كانت تعبر فيها القوافل التجارية البحار قاصدة مينائي عيذاب وسواكن في شرق السودان، في عهد الدولة المروية المتزامنة مع حكم أسرة خان بالصين في القرن الثالث قبل الميلاد. ولكن العلاقات بين الخرطوم وبكين في التاريخ الحديث بدأت منذ مؤتمر باندونغ الشهير في عام 1955، وقد تم تأسيسها علي وجه رسمي في عام 1959.
وقد استلهمت هذه العلاقات المبادئ الخمسة للتعايش السلمي لمؤتمر باندونغ وظلت تحترمها كقاعدة أساسية لتطوير العلاقات رغم اختلاف الحكومات والتوجهات السياسية. وقد كان على رأسها عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة الدول . سونا وفي اطار سعيها للتوثيق لعلاقات التعاون بين البلدين جلست الي القائم باعمال سفارة الصين بالسودان السفير وانغ يي وطرحت عليه العديد من المحاور التي تمس جوهر العلاقة بين الجانبين. فإلي مضابط الحوار :-

س: ما تقييمكم للمستوى الحالي للعلاقات بين السودان وجمهورية الصين الشعبية؟
ج: ترجع العلاقات الودية التقليدية بين الصين والسودان إلى زمن بعيد، منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل 57 عاما، فقد شهدت العلاقات الثنائية تطورا مضطردا وحقق التعاون العملي بين البلدين نتائج مثمرة. وقد أصبح البلدان صديقين حميمين وشريكين جيدين، وأصبحت العلاقات الثنائية نموذج لـ”التعاون بين الجنوب والجنوب”. في سبتمبر الماضي، زار فخامة الرئيس عمر البشير الصين لحضور فعاليات احتفالية بانتصار حرب الشعب الصيني ضد العدوان الياباني وانتصار حرب شعوب العالم ضد النازية، حيث وقع رئيسا البلدين على “البيان المشترك لإقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين”. وهذا يرمز إلى قفزة نوعية للعلاقات الثنائية وأرسى أساسا متينا لمستقبل هذه العلاقات. الصين حريصة على العلاقات مع السودان مستعدة للعمل معه على دفع علاقات الشراكة الاستراتيجية إلى تطور مستمر خدمة لخير البلدين والشعبين.
س: تقوم العلاقات بين السودان والصين على الاحترام و التفاهم المتبادل، كيف تنظرون لمستوى التنسيق بين البلدين في المحافل والمنتديات الدولية؟
ج: يعتبر الاحترام والتفاهم المتبادل ميزة ثمينة للعلاقات الصينية السودانية. تهتم الصين بأهمية السودان في الشؤون الدولية والاقليمية، وظلت تحافظ على التواصل والتنسيق الجيد مع السودان فى المحافل الدولية والاقليمية ، للعمل سويا على اقامة منظومة دولية أكثر عدالة وانصافا وصيانة المصالح المشتركة للدول النامية. بصفتها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، ظلت الصين تتبنى مواقف موضوعية وعادلة وتدعم بثبات جهود السودان للحفاظ على سيادة البلد ووحدة الأراضي وتحقيق السلام والاستقرار، كما ترفض الصين التدخل الخارجي لشؤون السودان الداخلية تحت أي مسمى.

س: يتعرض السودان لعقوبات اقتصادية أحادية كانت لها تأثيراتها على التنمية والتقدم في السودان ما موقفكم من العقوبات كأداة في السياسة الخارجية للدول؟
ج: ظلت الصين تقف ضد العقوبات الأحادية الجانب من أي دولة بموجب قوانينها الوطنية، وترفض بشكل خاص استخدام العقوبات الأحادية الجانب كآلية في أي وقت بما يضر بالحقوق والمصالح الشرعية للبلدان الأخرى.

س: لوحظ في الفترة الأخيرة تكثيف الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين فهل هناك تخطيط لعقد اللجنة المشتركة للتعاون بين البلدين؟
ج: في مايو الماضي، زار السودان كل من السيد نور بكري نائب مدير اللجنة الوطنية للتنمية والاصلاح ورئيس هيئة الطاقة الصينية والسيد تشانغ مينغ نائب وزير الخارجية الصيني. قام السيد نور بكري مع الجانب السوداني برئاسة أول اجتماع للجنة الحكومية للتعاون في مجال الطاقة بين الصين والسودان، وقام السيد تشانغ مينغ باجراء الجولة السابعة للمشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية. هناك آليات تعاون كثيرة بين البلدين. فقد عقد الجانبان حتى الآن 3 جولات من الحوار الرفيع المستوى بين الحزب الشيوعي الصيني وحزب المؤتمر الوطني و10 جولات لاجتماع اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري. فضلا عن ذلك، أجرى الجانبان الصيني والسوداني تعاونا مثمرا في اطار منتدى التعاون الصيني الإفريقي ومنتدى التعاون الصيني العربي. الصين على الاستعداد للعمل مع السودان على استثمار هذه الآليات الثنائية والمتعددة الأطراف لإضافة ديناميكية جديدة لعلاقات شراكة الاستراتيجية بين البلدين.
س: تساهم الصين بجهود مقدرة في التنمية الاقتصادية في السودان ما حجم ومجالات الاستثمارات الصينية في السودان؟
ج: تولي الصين اهتماما بالغا للتعاون الاقتصادي والتجاري مع السودان وتعتبره من أهم أهداف الاستثمار في إفريقيا وظلت تشجع الشركات الصينية ذات القدرة القوية والمصداقية الجيدة للاستثمار في السودان. تجاوزت استثمارات الصين في السودان 10 مليارات دولار في مجال النفظ وحده، هذا ساعد السودان على استكمال منظومة الصناعة النفطية المتكاملة على المجرى الأعلى والأسفل بما يساهم في التنمية الاقتصادية للبلاد. كما قامت الصين باالدخول في استثمارات في مجال الزراعة والمعادن في السودان، الأمر الذي حقق المصالح المتبادلة والتنمية المشتركة للجانبين.

س: تعيين السودان ل د.عوض الجاز مسؤولا عن ملف العلاقات مع الصين دليل على الأهمية التي توليها الخرطوم لعلاقاتها مع بكين. ما تعليقكم؟
ج: أسس فخامة الرئيس عمر البشير اللجنة الوطنية للاشراف على العلاقات مع الصين وأسند رئاستها له شخصيا، وهذا يعكس حرص فخامته والحكومة السودانية على العلاقات مع الصين. ونحن نقدر ذلك تقديرا عاليا.
الدكتور عوض الجاز صديق قديم للشعب الصيني وهو من أهم الشخصيات التي ساهمت في توطيد هذه العلاقات فقد دشن ودعم التعاون النفطي وقدم مساهمة بارزة لتطور العلاقات الثنائية. لذلك منحه فخامة الرئيس شي جين بينغ جائزة المساهمات البارزة للصداقة الصينية العربية. نثق بأنه سيواصل في تقديم مساهمة جديدة في هذه المنصب الهام.

س: عقدت الصين والدول العربية والافريقية مؤخرا منتدى العلاقات العربية الصينية والقمة الصينية الافريقية، الي اي مدي يمكن للسودان ان يلعب دورا في تمتين العلاقات الصينية العربية والافريقية باعتباره بوابة تربط بين افريقيا والعالم العربي؟
ج: السودان بلد عربي وافريقي هام ويتمتع بعضوية الجامعة العربية والاتحاد الافريقي. يربط السودان العالم العربي والقارة الافريقية ويتميز بموقع جغرافي ممتاز. حافظت الصين على علاقات الصداقة والتعاون مع الدول العربية والإفريقية وأجرت معها تعاونا مثمرا في هذه السنوات في إطار منتدى التعاون الصيني العربي ومنتدى التعاون الصيني والإفريقي. في قمة جوهانسبيرج لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي في العام الماضي، طرح فخامة الرئيس شي جين بينغ المبادرات العشرة للتعاون الصيني الإفريقي، كما طرح خلال زيارته لمقر جامعة الدول العربية سلسلة من المبادرات للتعاون مع الدول العربية. في الاجتماع الوزاري السابع لمنتدى التعاون الصيني العربي الذي عقد في مايو الماضي، تم طرح اجراءات لمتابعة تنفيذ مبادرات فخامة الرئيس شي جين بينغ. الصين مستعدة للعمل مع السودان لترجمة هذه المبادرات إلى أرض الواقع في السودان في يوم مبكر.

س: طرحت الصين مؤخرا عددا من المبادرات على المستوى الدولي من بينها مبادرة “طريق الحرير” و”الحلم الصيني” ما مضمون وأهداف هذه المبادرات؟
ج: ما ذكرت من “طريق الحرير” يقصد به “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير” و”طريق الحرير البحري للقرن 21. والبناء المشترك للحزام والطريق هو مبادرة مطروحة من فخامة الرئيس شي جينبيغ، وهو يحتوي على خمس ركائز متمثلة في التبادل حول السياسات وترابط المنشآت وتفاعل التجارة وانسياب رؤوس الأعمال وتواصل قلوب الشعوب. تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز شراكة الدول المعنية وتحقيق التنمية المشتركة على أساس التعددية والارادة الذاتية و التوازن والاستدامة. تعتبر الصين السودان شريك هام لبناء الحزام والطريق، ونعمل مع السودان الآن على مناقشة اجراءات التعاون المعنية.
الحلم الصيني هو تحقيق النهضة للأمة الصينية المتمثلة في رخاء الوطن ورفاهية الشعب. الحلم الصيني له قواسم مشتركة مع أحلام شعوب العالم ويتوافق مع طموحات الشعب السوداني في تحقيق السلام والتنمية والنهضة. الصين مستعدة للعمل مع السودان يدا بيد ودفع التواصل والتعاون بين البلدين خدمة لطموحات ورخاء الشعبين.

س: في السنوات الأخيرة، ازداد الضجيج حول قضية بحر الصين الجنوبي، وسيتم اصدار نتائج الحكم المطلوب من الفلبين في الأيام القادمة. ما موقف الصين في قضية بحر الصين الجنوبي وقضية الحكم حول بحر الصين الجنوبي؟
ج: الجزر في بحر الصين الجنوبي ظلت أرض الصين منذ القدم. ابتداءا من السبعينات للقرن الـ20، احتلت الفلبين والدول الأخرى بعض جزر نانشا الصينية على نحو غير شرعي، وهذه هي جذور قضية بحر الصين الجنوبي. في مطلع عام 2013، طلبت الفلبين التحكيم الدولي لقضية بحر الصين الجنوبي، وهدفها تشويه صورة الصين وتشريع احتلالها غير الشرعي لبعض جزر نانشا الصينية. هذه التصرفات تخالف الاتفاق الذي توصلت إليه الصين والفلبين حول حل النزاعات بين الأطراف ذات الصلة المباشرة عبر المفاوضات والتشاور في الوثائق الثنائية و”إعلان مدونة سلوك الأطراف فى بحر الصين الجنوبى”، هذه التصرفات من قبل الفلبين غير شرعية وباطلة. لن تقبل الحكومة الصينية بـ”التحيكم” المزعوم ولن تشارك فيه ولن تعترف به.
في الوقت نفسه، تزايد ضجيج قضية التحكيم حول بحر الصين الجنوبي له خلفية متعلقة بدول كبرى معينة. الدولة الكبرى المعينة ظلت تسعى إلى إثارة ضجيج في حرية الملاحة والطيران في بحر الصين الجنوبي وتكثف استعراض القوة في البحر الصيني الجنوبي انطلاقا من أهدافها السياسية والعسكرية. هذا هو أكبر تهديد لسلام واستقرار بحر الصين الجنوبي.
في الأيام الماضية، ازدادت أصوات تدعم الصين وتدعم العدالة على الساحة الدولية، حيث أبدت حوالي 60 دولة مواقفها الداعمة للصين، وأعربت الدول العربية عن دعمها للمواقف الصينية في بيان الدوحة الصادر عن الاجتماع الوزاري السابع لمنتدى التعاون الصيني العربي، كما قد أصدرت كل من وزارة الخارجية السودانية وحزب المؤتمر الوطني ومجلس الأحزاب الإفريقية بيانات أكدت دعم مواقف الصين في قضية بحر الصين الجنوبي. وهذا يعكس رغبات كل الدول والشعوب المحبة للسلام في حفظ سيادة القانون الدولي والعدالة الدولية. الصين مستعدة للعمل مع السودان والدول الأخرى على صيانة استقرار الوضع في بحر الصين الجنوبي وسيادة القانون الدولي والعدالة الدولية ودفع تطور المنظومة الدولية نحو اتجاه أكثر عدالة وانصافا.

س: في العام الماضي، شهدت قمة جوهانسبيرج لمنتدى التعاون الصيني الافريقي نجاحا، وطرحت الصين كثيرا من المبادرات الجديدة حول التعاون مع إفريقيا، ما نتائج متابعة تنفيذ هذه المبادرات؟
ج: في ديسمبر الماضي، تكللت قمة جوهانسبيرج لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي بنجاح حيث طرح فخامة الرئيس شي جينبينغ المبادرات العشرة للتعاون الصيني الإفريقي وأعلن عن الدعم المالي الصيني لإفريقيا بقيمة 60 مليار دولار. بعد القمة، عكفت الصين والدول الإفريقية بما فيها السودان على متابعة تنفيذ هذه المبادرات. من أجل تبادل الآراء حول سبل تنفيذ المبادرات بصورة شاملة ومعمقة، سيعقد الجانب الصيني اجتماع رفيع المستوى لمتابعة تنفيذ نتائج القمة في بكين في الأيام القادمة، وقد دعونا الدكتور عوض الجاز لحضور الاجتماع. نأمل أن يسهم هذا الاجتماع في تسريع عجلة تنفيذ نتائج القمة ودفع تطور علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين بما يعود بالخير على الشعبين.

س: ستعقد قمة G20 في الصين العام الحالي، هل يمكن أن تقدم لنا بعض المعلومات حول موضوعات القمة والاجندة التي ستناقشها ؟
ج: في يومي 4 و5 سبتمبر القادم، ستعقد قمة دول المجموعة العشرين( G20) في مدينة هانغتشو الصينية. عنوان القمة هو “بناء الاقتصاد العالمي المبتكر والحيوي والمتفاعل والشامل”. على هذا الأساس، حدد الجانب الصيني 4 مواضيع متمثلة في “الابتكار في نمط النمو” و”الحكم الاقتصادي والمالي العالمي الأكثر كفاءة ” و”التجارة والاستثمار الدولي القوي” و “التنمية الشاملة والمتفاعلة”.
ونحن نعمل الآن مع جميع الأطراف معا على محاولة تحقيق النتائج العشرة لقمة هانغتشو. الأول هو وضع خطة النمو المبتكر. الثاني هو وضع برنامج العمل لتنفيذ جدول الأعمال للتنمية المستدامة عام 2030. الثالث هو وضع أولويات ومبادئ توجيهية ومؤشرات للإصلاح الهيكلية. الرابع هو وضع استراتيجية نمو للتجارة العالمية. الخامس هو وضع مبادئ توجيهية لسياسة الاستثمار العالمي. السادس هو تعميق إصلاح الهيكل المالي الدولي. السابع هو تعزيز تعاون لمكافحة الفساد. الثامن هو التحرك لوضع مبادرة لدعم التعاون الصناعي مع البلدان الأفريقية والأقل نموا. التاسع هو وضع خطط عمل ابداع المشاريع. العاشر هو دفع دخول “اتفاقية باريس” للتغير المناخي إلى حيز النفاذ مبكرا.
من خلال استضافة قمة هانغتشو، نأمل أن نركز على التحديات الجوهرية والمشاكل البارزة التي تواجه الاقتصاد العالمي، ونعمل مع جميع الأطراف لإيجاد حلول مشتركة والمساهمة بالحكمة الصينية في تعزيز النمو الاقتصادي العالمي والتعاون الاقتصادي الدولي وتعزيز الحكم الاقتصادي العالمي.

الخرطوم 9-7-2016(سونا)