تحقيقات وتقارير

هذا أو الطوفان


السيناريو التالي سيحدث إذا لم نتفق عبر حوار وطني شامل داخلي يبعد العنصر الخارجي من طرفي المعادلة السياسية، حتى في المعادلات الرياضية والهندسية هناك مسائل يصعب أو يستحيل حلها، إلا بعد استبعاد عنصر نشاز من طرفي المعادلة- العنصر الخارجي بكل المقاييس والتجارب في دول أخرى نشاز لا يمكن حل المعادلة إلا باستبعاده ذلك بسبب بسيط، وهو أن أهدافه قطعاً ليست متناغمة ومتسقة مع أهداف أصحاب المصلحة الحقيقية- وهم شعوب الدول المعنية بحل معادلات مشاكلها- أهداف تلك الشعوب الأمن والاستقرار والرفاهية، وأهداف عناصر البعد الخارجي مصالحها هي فقط بأية وسيلة والغاية عندهم تبرر الوسيلة، وبهذا الفرق الواضح يصبح التدخل الأجنبي نشازاً على المعادلة الوطنية.. المداخل التي يلج من خلالها التدخل الخارجي تتمثل في شيئين لا ثالث لهما- الأول تهديد الأمن والسلم العالمي أو الاقليمي، والثاني تدني وتدهور النواحي الإنسانية لمواطنين أبرياء- أمثلة لذرائع التدخل الأجنبي المباشر وغير المباشر:

تدخل مباشر في العراق (2003) بحجة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل.. وليبيا (2011) بسبب استعمال القوة المفرطة وقتل مئات الآلاف من المواطنين فيها.. سوريا تدخل غير مباشر ودعم للمعارضة بحجة الإبادة الجماعية، وفي اليمن تدخل أيضاً غير مباشر من الغرب ومباشر من الدول العربية خاصة السعودية بحجة تمدد النفوذ الإيراني والمد الشيعي في المنطقة، خاصة بعد تقدم وانتصار الحوثيين.. الملاحظ أن القاسم المشترك الأعظم لهذا التدخل في تلك الدول الأربع هو أمن وسلامة اسرائيل، إذ كانت العراق وسوريا مهدداً مباشراً لإسرائيل بما تمتلكانه من ترسانات هائلة من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية.. نظام القذافي لم يتصالح في أية لحظة مع اسرائيل أو يتسامح في مواجهتها، وبدأ يمتلك أسلحة متقدمة بكميات هائلة، وكان يدعم الحركات المسلحة الفلسطينية- أما اليمن فإن انتصارات الحوثيين المدعومين من ايران أزعجت دول الغرب وأمريكا والدول العربية السنية، وكما هو معلوم فإن ايران ونظامها الإسلامي يهدد اسرائيل، لذلك تصبح اسرائيل هي المحرك الأساسي للمخطط المرسوم لإضعاف كل الأنظمة التي تهددها بطريقة مباشرة مثل العراق وسوريا، أو غير مباشرة مثل ليبيا واليمن بحكم تأثيرها الكبير على السياسات الدولية خاصة أمريكا وبعض الدول الأوروبية.. اسرائيل تملك قدرات هائلة بشرية ومادية وفيها عقول تخطط لعشرات السنين، وفيها تطور تكنلوجي متسارع وتسيطر على المال والإعلام الدوليين.. اسرائيل لم تُبْعِد السودان عن شاشات مراقبتها في أية لحظة منذ الاستقلال عام 1956 إذ أتفقت كل الأنظمة التي تعاقبت على حكم السودان ديمقراطية كانت أم عسكرية أو شمولية على معاداة اسرائيل، ولم يفكر اي نظام في التطبيع بأي شكل من الأشكال حتى بعد تطبيع دول أكثر عروبة من السودان، بل هي دول عربية من دول المواجهة، وهناك دولٌ عربية كثيرة لها علاقات طيبة غير معلنة مع اسرائيل.. وما يؤكد اهتمام اسرائيل بالسودان وما يجري فيه خاصة بعد حكم الإنقاذ منذ 1989 التحرش والاعتداءات الاسرائيلية المتمثلة في ضربات جوية دقيقة على طول ساحل البحر الأحمر خلال العشر سنوات الماضية، ثم ضرب هدف بدقة متناهية في قلب مدينة بورتسودان، ثم ضرب وقصف هدف أكثر دقة في قلب الخرطوم في مجمع اليرموك العسكري، إضافة الى ذلك اسرائيل تعلم بالأهمية الاستراتيجية لاقليم دارفور وخطورته غير المباشرة والمؤثرة مستقبلاً على أمنها- كما ذكر أحد مسؤوليها في مؤتمر عالمي في موسكو قبل حوالي ثماني سنوات- أن منطقة دارفور بما في باطنها من معادن استراتيجية مثل اليورانيوم، والتيتانيوم، والنحاس، والحديد، والذهب تشكل تهديداً كبيراً على أمن اسرائيل، لأن السودان الموحد القوي الغني بهذه المعادن والبترول وبمواقفه المعادية لاسرائيل ودعمه للحركات الفلسطينية المسلحة خاصة حماس، يكون أكثر الدول تهديداً لاسرائيل خاصة بعد توجهات دول عربية كبيرة مهمة في تخفيف حدة التوتر في علاقاتها مع اسرائيل، والتي لم تعد عملياً بتلك التوجهات الجديدة مهدداً لأمنها.. أصبح الآن المهدد الوحيد لاسرائيل الحركة الإسلامية العالمية التي تُحارَب بضراوة في كل الدول العربية ما عدا السودان الذي يرفض أية محاولات للتطبيع مع اسرائيل، وزيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو الأسبوع الماضي لكل من من يوغندا، وكينيا، ورواندا، واثيوبيا لها إشارات واضحة للسودان.. ما تم عبر هذه الزيارة من خلق علاقة استراتيجية مع اثيوبيا متمثلة في الدعم الكبير لاثيوبيا في مجالات الزراعة من زيادة رقعتها وتحديث وسائلها ثم دعم الصناعة والتجارة ومشاريع التنمية في البنية التحتية، وقطعاً الدعم العسكري المتقدم غير المعلن يشكل تهديداً ناعماً خطراً على السودان.. الدول التي زارها رئيس الوزراء الاسرائيلي كلها ذات تأثير جغرافي وسياسي على السودان- لذلك نرى أن السيناريو المحتمل حدوثه في السودان والذي خطط له قبل وقت لا يقل عن عشر سنوات يلبي كل أهداف ومصالح التدخل الخارجي، ووجوده الدائم في معادلة حل مسألة السودان الشائكة.

السيناريو هو: المحافظة على النظام الحاكم الآن في السودان وتعديله بمخطط الهبوط الناعم الذي لن يفضي الى إزالة وتفكيك الإنقاذ كما تطالب المعارضة.. الهبوط الناعم مخطط له تقصير مدرج الهبوط الآمن، وذلك بمنح حكم ذاتي لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق إكمالاً لاتفاقية السلام الشامل في بنودها عن المشورة الشعبية، وتحديد طريقة الحكم فيهما ولعل هذا يفسر لنا الهدوء الكبير في خطاب وعمليات قطاع الشمال خاصة من جانب ياسر عرمان، وغياب تام لمالك عقار والحلو، وهذا الحل يحقق لهم أهدافهم كما حققت الاتفاقية الشاملة (نيفاشا) أهداف الحركة الشعبية الأم.. الشيء الآخر والمتعلق بدارفور فإن كل القرارات الصادرة من مجلس الأمن تحت الفصل السابع منذ أكثر من عشر سنوات وحتى آخر قرار قبل أقل من شهر، تتحدث عن تدهور الوضع الإنساني والانفلات الأمني فيها مثل القرار 1591 (مارس 2005)، والقرار 1593 (مارس 2005) أيضاً الذي أحال أزمة دارفور الى المحكمة الجنائية، والقرار 1769 (يوليو 2007) تكوين اليوناميد، والقرار 2265 (فبراير 2016)، ثم أخيرا القرار 2296 (يونيو 2016).. القرار الأخير أكد كل القرارات السابقة باستمرار التدهور في الناحية الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان بل أشار في وضوح في المادة (10) أن هناك تحفظاً من مجلس الأمن على الاستفتاء الذي تم في أبريل 2016 ونتيجته التي تؤيد الابقاء على الولايات الخمس- ذلك التحفظ الذي ورد في مذكرات الأمين العام للأمم المتحدة ورئيسة المفوضية الافريقية في يونيو 2016 عن التشكك في أهلية من صوتوا وعدم ملاءمة توقيت الاستفتاء مع الحوار الوطني، الذي لم تعلن نتائجه، مما يعني أن مجلس الأمن مع خيار دارفور اقليم واحد، وهذا يعيدنا الى مخطط الاهتمام بدارفور كإقليم واحد حتى يسهل وضعه تحت وصاية دولية تمهيداً لفصله بعد استنزاف موارده المهمة وثرواته الاستراتيجية في باطن الأرض.. بذلك يكتمل مخطط تقسيم السودان الى خمسة أنظمة أو دول: الجنوب- وقد تم- وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، ودارفور، ووسط السودان- لا يمكن إبطال هذا المخطط إلا بالحوار الجاد الشامل المفضي الى اتفاق مستدام، والذي تبدأ أولى خطواته بتوقيع المعارضة على خارطة الطريق الواقعية، والانخراط في الحوار الوطني الجاد داخل السودان…… هذا أو الطوفان.

تقرير: عمر البكري أبو حراز
صحيفة آخر لحظة


‫3 تعليقات

  1. لا خوف على السودان ولا على أهله السودانيون الحقيقيون …..هذه هى النتيجة المحتملة الانفراد بالحكم لاكثر من نصف قرن من الزمان…..كنكشة الوافدون فى الحكم وحتى يستخسرون وظيفة نائب رئيس لاهل السودان الحقيقين …..الان فى خلال ثلاثة عشرة عاما من التشريد لاهل دارفور هنالك اكثر من 7 ألف شهادة ماجستير تم منحها من دول العالم الاول للاجئى دارفور واحسب عليها شهادات الدكتوراة لقد فقدو اسرهم وعوائلهم ولكن لقد كسبو المبادرة وغدا هم قادمون …..لقد ضعيت السودان نفس القبيلة التى ادخلت الاستعمار من مصريين واتراك وانجليز ….التاريح لا ينوم ولا يرحم …..غدا سيعد لكم اشراف السودان المشانق فى الميادين والمغاصل فى المعابد لتكونو عبرة لمن لا يعتبر

  2. ماشي لي غدا ليه ي انجلينا.. المشانق منصوبة في بلدكم جنوب السودان من ثلاثه سنه ولحدي الآن..
    انتو زاتكم كنتو وافدين وغرتو في ستين داهية تاني مااالكم؟؟ فارقونا ياخ وشوفو حالكم..
    اشمعنا م بتعلق في اخبار بلدك؟ استرجل ي ولد متدسي ليك في اسم مرة…
    ي سجمااااان

  3. يجب تصفية عرمان وحقار والحلو وكل من يحمل السلاح ضد الوطن والمواطن