تحقيقات وتقارير

بعد مرور (5) سنوات من الانفصال “جوبا” تحترق من جديد..؟


هل يستطيع “مشار” و”كير” السيطرة على الأوضاع المتفجرة ؟
* الأمم المتحدة تطالب بتأديب القادة العسكريين المسؤولين عن العنف
الخرطوم – وليد النور
قبيل يوم واحد من حلول الذكرى الخامسة لانفصال دولة الجنوب، واستقلاله في التاسع من يوليو2016م، شهدت مدينة “جوبا”، العاصمة، يوم أمس الأول، معارك عنيفة في محيط القصر الرئاسي، بين قوات الحرس الرئاسي، التابع لسلفاكير، وحرس النائب الأول “رياك مشار”، حيث تبادل الطرفان إطلاق النيران بكثافة، وقدر عدد القتلى بالعشرات.. . وكان يوم (الخميس) الماضي قد وقعت اشتباكات مميتة راح ضحيتها (5) قتلى، إلى جانب عدد من الجرحى قبل أن يطل الرئيس “سلفاكير” ونائبه الأول دكتور “رياك مشار”، في مؤتمر صحفي أمس الأول، وطالبا المواطنين بالتزام الهدوء، ونفيا علمهما بمن أطلق النيران، ما يدل على تفاقم الأوضاع الأمنية، وتعثر عملية السلام وفق اتفاق أغسطس الموقع بين الأطراف المتحاربة. وقد رجح خبراء استمرار الأوضاع بدولة الجنوب على هذا النحو لفترة طويلة. وكانت دولة الجنوب قد أعلنت انفصالها عن السودان الدولة الأم في التاسع من يوليو عام 2011م، عقب نتائج الاستفتاء الذي تم بموجب اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا)، في العام 2005م، بيد أن الأوضاع الاقتصادية لم تكن أفضل من الأوضاع الأمنية بالدولة الوليدة، حيث انخفض سعر الجنيه مقابل الدولار بصورة مخيفة، وتبخرت أحلام عدد كبير من المواطنين الذين حلموا بحياة رغدة في دولتهم المستقلة. ورغم الانفصال الذي مرت عليه خمس سنوات، لا زالت هنالك قضايا لم يتم حسمها بين “الخرطوم” و”جوبا”. ويرجح خبراء تفجر الأوضاع بالجنوب، بشكل أسوأ، مما يساهم في ارتفاع تدفق إعداد الجنوبيين الفارين من المعارك إلى الخرطوم، الذين دعا الخبراء إلى ضرورة استقبالهم كلاجئين، حتى تتكفل بهم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وحتى لا يكونوا عبئاً على الخدمات في البلاد .
ويقول أستاذ العلوم السياسية بروفيسور “حسن إسماعيل الساعوري” في حديثه لـ (المجهر) أن دولة الجنوب كانت جزءاً من السودان، وعندما اشتعلت الحرب في يناير من العام 2013م اتجه الجنوبيون الفارون من الحرب، صوب الدولة الأم التي استقبلتهم ولكنها لم تنشئ لهم المعسكرات، حتى يتم اعتمادهم كلاجئين، وفق المعيار الدولي للاجئين حتى تعتمدهم الأمم المتحدة وتصرف عليهم. وشدد “الساعوري” على ضرورة إعادة النظر في استقبالهم، هذه المرة. وأضاف أن الجنوب انفصل، ولكن ظلت قضية المنطقتين و”أبيي” و”كفيا كانجي” مختلف حولها، ولم تحسم، وستظل معلقة. فسياسة الأمر الواقع، على حد قوله، ستكون هي الحكم، مطالباً الحكومة بضرورة وضع يدها على هذه القضايا. ودعا “الساعوري” الحكومة إلى ضرورة أن تلعب دور الوسيط، لأنها ستكون مقبولة لدى الطرفين، فضلاً عن إلمامها بكافة أطراف الصراع، وسيكون لها القدح المعلى في إيجاد حل مقبول للأطراف المتحاربة.
الاضطراب الأمني في الجنوب، يلقي على كاهل السودان عبء تحمل الآلاف من اللاجئين، ففي نهاية شهر يونيو المنصرم، قال عضو مجلس تشريعي ولاية شمال دارفور “سليمان مختار موسى”، إن آلاف اللاجئين الذين فروا من الحرب التي اندلعت مؤخراً ببحر الغزال التابعة لدولة جنوب السودان، وصلوا إلى ولاية شمال دارفور. وأفاد “سليمان” في تصريحات صحفية أن اللاجئين بدأوا التدفق صوب محلية (اللعيت) الحدودية، مع ولاية شرق دارفور، معلناً عن وصول 400 أسرة ، تمركزت في منطقة (جوادات) التابعة للمحلية. وأضاف أن ذات المحلية شهدت في أسبوع سابق، وصول أعداد كبيرة من الأسر الجنوبية في مناطق (دليل دخري)، تقدر بأكثر من (350) أسرة. وأن هناك تزايداً مستمراً لتدفق اللاجئين الجنوبيين بمناطق (حسكنيتة) وحول (اللعيت) ومنطقة (أبو سفيان).
قلق دولي من تجدد المعارك:
من جهته أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، بأن “كي مون” (الجمعة)، عن “القلق العميق” إزاء تجدد المعارك، بين قوات الحكومية وقوات المعارضة المسلحة في “جوبا”.
وقال الأمين العام في بيان أصدره “استيفان دوغريك”، المتحدث الرسمي باسمه، طبقاً لراديو تمازج، (هذا القتال هو مثال آخر لافتقار الطرفين إلى الالتزام الجاد بعملية السلام، ويمثل خيانة جديدة لشعب جنوب السودان، الذي عانى من الفظائع التي لا حدود لها منذ ديسمبر 2013). وأضاف (إنني أيضاً قلق للغاية إزاء تجدد أعمال العنف في مدينتي واو وبانتيو؛ ما قد يؤدي إلى تدهور كبير في الوضع الأمني في جميع أنحاء البلاد).وطالب طرفي النزاع في جنوب السودان بضرورة احترام القانون الدولي الإنساني، والسماح لوكالات الأمم المتحدة الإنسانية وشركائها بالوصول غير المقيد للمحتاجين. وتابع (إنني أدين بشدة الهجمات على الأمم المتحدة والعمليات الإنسانية، وآخرها كان على مسؤول كبير وكالة الأمم المتحدة (لم يذكر اسمه) في العاصمة الليلة الماضية. وحث الرئيس “كير” والنائب الأول للرئيس “رياك مشار” ، على وضع حد فوري للقتال الدائر، وتأديب القادة العسكريين المسؤولين عن العنف والعمل معاً في نهاية المطاف كشركاء لتنفيذ اتفاق بشأن حل النزاع في جنوب السودان. وقال “جيمس قديت” المتحدث باسم النائب الأول للرئيس في تصريحات صحفية إن القتال بدأ خارج القصر، عندما فتحت قوات الأمن التابعة للرئيس “سلفا كير” النار على الحراس الشخصيين للنائب الأول للرئيس “رياك مشار”، الذي كان في اجتماع داخل القصر الرئاسي). وأضاف أن “مشار” كان في مكتب “سلفا كير” لمناقشة الاشتباكات التي وقعت بين بعض القوات يوم (الخميس). وزاد: (بعد وصول “مشار” للقصر، وكان الاجتماع على وشك أن يبدأ بدأ إطلاق نار كثيف بالقرب من القصر). وأكد سلامة “مشار” ووجوده تحت حماية حراسه. ومن المفترض، وفق مراقبين، أن يكون هناك تعايش بين القوتين ـ الجيش الشعبي لتحرير السودان والجيش الشعبي المعارض ـ في العاصمة الوطنية، كجزء من تنفيذ الترتيبات الأمنية الانتقالية لتوفير الأمن والحماية في “جوبا”. ومع ذلك، فإن تنفيذ اتفاق السلام، أغسطس 2015 لإنهاء (21) شهراً من الحرب الأهلية، يواجه تحديات، بما في ذلك عدم التعاون بين القوتين في “جوبا”، وعدم تنفيذ الترتيبات الأمنية في جميع أنحاء البلاد. وبموجب الاتفاق تتمركز وحدة من المتمردين السابقين تضم (1370) جندياً وشرطياً في “جوبا” لحماية “مشار”، ويؤكد الجيش الشعبي، أنه لم يبق في “جوبا” سوى (3420) جندياً. وعاد نائب الرئيس “مشار” إلى “جوبا” في أبريل تطبيقاً لاتفاق السلام، وشكل مع “سلفا كير” حكومة وحدة وطنية، ولكن المعارك استمرت على الأرض.
ورغم الظروف الأمنية التي تعاني منها “جوبا”، بيد أن الظروف الاقتصادية لم تكن أفضل منها الشيء الذي جعل وزير الإعلام “مايكل ماكوي” يقول للصحفيين: (قررنا أن لا نحتفل بعيد الاستقلال في 9 يوليو، لأننا لا نريد هذا القدر من الإنفاق)… يجب أن ننفق القليل الذي نملكه على مسائل أخرى). وفي السنوات الأخيرة، واظبت الحكومة على إجراء عروض عسكرية واحتفالات أخرى في هذه المناسبة، لكن “ماكوي” أكد أن الاحتفالات لن تجري هذا العام.
وكان من المقرر أن يخاطب الرئيس “سلفا كير” أمس السبت 9 يوليو، أي بعد مرور (5) سنوات على انفصال جنوب السودان عن السودان، غير أن الدولة الحديثة تعاني من العجز عن ضبط التضخم الحاد الناجم عن الحرب.
وتحدث صندوق النقد الدولي عن انهيار تام للاقتصاد مع تضخم حاد يناهز (300%)، وتدهور العملة بنسبة (90%) هذا العام، حيث أفاد صندوق النقد في وقت سابق من هذا الشهر، بأن احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية المخصص لتغطية الواردات “نفذ في غضون أيام”، فيما يتوقع أن يفوق عجز الحكومة (1.1) مليار دولار هذا العام أي حوالي (25%) من إجمالي الناتج الداخلي.
وكان رئيس دولة جنوب السودان “سلفا كير ميارديت”، شكل في 28 أبريل المنصرم حكومة جديدة تضم متمردين سابقين، وأعضاء من المعارضة في خطوة تأتي ضمن عملية السلام، التي تهدف لإنهاء صراع دام أكثر من عامين. وجاء المرسوم، أن (ثلث الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية المؤلفة من (30) وزيراً كانوا أعضاء في الحزب، الذي يتزعمه “رياك مشار” منافس الرئيس سلفا كير اللدود).
فيما تقول الأمم المتحدة إن (الصراع أودى بحياة الآلاف، وأجبر أكثر من (2.3) مليون شخص على الفرار من منازلهم).
ووقع الجانبان اتفاق سلام في أغسطس الماضي من العام 2015م تحت ضغوط من الولايات المتحدة والأمم المتحدة وقوى أخرى، لكن الاتفاق انهار أكثر من مرة. وعاد “مشار” إلى “جوبا” بعد إعادته إلى منصبه السابق. وكان “مشار” قد أجل عودته لأكثر من مرة مما جعل الولايات المتحدة تعبر عن استيائها من تقاعس “مشار” عن العودة إلى “جوبا”.
ومع استمرار الاشتباكات، وتوسع نطاقها، وتعثر تطبيق اتفاق أغسطس، فإنه لا زال الرهان قائماً على تعاون “سلفاكير” و”رياك مشار” في تعزيز السلام والأمن، بوقف الاشتباكات وإنهاء حالة الاحتراب القائمة في أكثر من منطقة في الجنوب، وإعادة بناء الثقة بين أطراف اتفاق أغسطس، كيما يتسنى للجنوب الانتقال إلى مرحلة جديدة، بالخروج نهائياً من حالة الفوضى الأمنية والخراب الاقتصادي.
و قال وزير الدفاع في دولة جنوب السودان “كوال جوك” أمس (السبت)، إن حالة الهدوء عادت إلى العاصمة “جوبا”، بعد مواجهات مسلحة دارت (الجمعة)، بين حرس الرئيس “سلفاكير مَيارديت” ونائبه “رياك مشار”، في محيط القصر الرئاسي أسفرت عن عشرات القتلى.
وطالب “جوك” في تصريحات أدلى بها للصحفيين في القصر الرئاسي، الطرفين بـالتزام الهدوء وضبط النفس والعودة لحياتهم الطبيعية، دون الإشارة إلى حجم الخسائر الناجمة عن المواجهات.
ولفت الوزير إلى أن الحكومة شكَّلت لجنة تحقيق للوقوف على أسباب الحادثة وتقديم المسؤولين للمحاسبة.
وتزامن القتال مع الذكرى الخامسة لاستقلال جنوب السودان عن السودان، ونقل عن صحفي في المدينة قوله إن القتال استمر حتى الساعات الأولى من فجر (السبت)، وأكد أن مدينة “جوبا” الآن مغلقة.
وطبقا لـ(رويترز) في المدينة أن حالة توتر تسود المدينة رغم توقف القتال. ويقول أطباء إن مستشفى “جوبا” استقبل جثث عشرات القتلى، ويعتقد أن مشرحة المستشفى امتلأت بالجثث.

المجهر