الطيب مصطفى

جامعة ود الطريفي !!!


أخونا البروف الظريف عبد اللطيف البوني كتب مقالاً مثيراً تم تداوله بصورة كبيرة في الأسافير، وأكاد أجزم أن كثافة التداول أملتها حقيقة أنه لمس وتراً حساساً في المجتمع السوداني من خلال إثارة قضية ضاغطة وباتت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى وأعني بها مشكلة العنوسة، فقد تناول البوني قصة صحافية مبتدئة جاءت تستطلع رأيه حول العنوسة التي كانت تعتزم إجراء تحقيق حولها فسألها عن عدد الذين تقدموا لخطبتها عندما كانت في الثانوي فأجابت بأن (ثلاثة وصلوا مرحلة طرق الباب وآخرين قامت بإبعادهم قبل أن يطرقوا الباب لأنها كانت مصرة على مواصلة تعليمها)، واصل البوني أنه سأل الصحافية عن فترة ما بعد التخرج فقالت: (والله تلاتة سنين والتقول البلد انعدموا فيها الرجال)! فقال لها (يعني كان أخير ليك جامعة ود الطريفي) التي عنى البوني بها باختصار تقديم الزواج على التعليم فأيدته مقسمة على ذلك ومضيفة أنها لو استقبلت من أمرها ما استدبرت لتزوجت بعد نهاية مرحلة الأساس وليس الثانوي!

البوني رأى أن ذلك لا يعني محاربة التعليم الجامعي والاكتفاء بجامعة ود الطريفي أي الزواج بدون إكمال التعليم إنما استصحاب الأمرين معاً وإعادة ترتيبهما بحيث يقدم الزواج ويؤخر التعليم الجامعي بحيث يستكمل بعد الزواج، وحكى نماذج لذلك تعضد رأيه وتنفر من تأخير الزواج في سبيل الحصول على التعليم مثل استشهاده بقول إحداهن وقد عضت أصابع الندم بسبب معاناتها في الولادة جراء تأخر سن الزواج: (القراية ملحوقة لكن الولادة دي عندها زمن محدد إذا كان اتجاوزته بتبقى مشكلة).

أستشهد على صحة كلام البوني بسرد تجربة ابنتي (ابتهال) التي زوجتها بعد الثانوي مباشرة .. ابنة ابتهال تخرجت العام الماضي في كلية الهندسة الكهربائية وهي الآن على أعتاب الزواج ولم تتجاوز ابتهال الأربعين إلا بعام واحد لكنها جمعت الحسنيين بعد الزواج فقد أكملت جامعتها وزادت عليها فهل بربكم تضررت بتطبيق نظرية البوني أم كسبت وكسبنا جميعاً؟!

البوني قال لمحاورته عبارة (البنت مثل الوردة لها أوان تتفتح فيه وبعد ذلك ..) وقبل أن يكمل العبارة، إذا بمحاورته تعاجله بالكلمة الناقصة الصادمة: (تذبل)!!!

البوني أضاف ملاحظة مهمة حيث قال (البنت في البلدان الغربية يمكن أن تشبع أنوثتها بعدة طرق ولكن في السودان لا توجد إلا مؤسسة الزواج وهي لها شروطها ولعل أهمها العمر).

إذا كان البوني قد تناول مشكلة عنوسة الفتيات فإن الشباب أيضاً يعانون من تأخر سن الزواج لأسباب كثيرة أهمها الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتحولات الاجتماعية السالبة في العادات والتقاليد خاصة في المدن التي أغلت من كلفة الزواج إلا أن لعامل نظام التعليم الغربي الذي يؤخر التخرج (22 إلى 24 عاماً) أثره البالغ في تأخير سن الزواج سيما وأن الطالب يحتاج إلى سنوات أخرى يستعد فيها لمقابلة احتياجات الزواج.. هذا إذا وفق في العمل بعد التخرج مباشرة وهو أمر صعب للغاية مع (عراقيل) الخدمة الوطنية التي فرضت حتى على الفتيات بدون أدنى سبب غير محاكاة الغرب في كل شيء!

للأسف لم يراع مخططو التعليم عند تصميم نظام ومناهج التعليم أن الطالب أو الطالبة يحتاجان إلى الزواج للحفاظ على دينهما الذي ينبغي أن يكون القاعدة الأساسية التي ينبني عليها منهج التفكير بدلاً من فرض الأنموذج الغربي المصمم لبيئة اجتماعية وثقافية وأخلاقية مختلفة تماماً.

تحتاج الدولة إلى تقديم مبادرات تأصيلية يعكف عليها أهل العلم والدراسات ويشارك فيها المجتمع من خلال منظماته المدنية لمواجهة مشكلة العنوسة على أن دور الحكومة يتعاظم من خلال إطلاق مبادرات تقلل من سنوات التعليم بدلاً من زيادتها التي تفكر فيها اليوم بدون أي مبررات موضوعية ومقنعة سوى الحرج الذي تحسه جراء فشل كثير من قراراتها السابقة لكن ما من دراسة علمية أثبتت أن ضررًا قد حاق بالتعليم بسبب خفض سنواته قبل الجامعة مثلاً.

مكافحة العنوسة تتطلب مبادرات اجتماعية تتناول معالجة المحاور الثلاثة: الاقتصادية مثل غلاء كلفة الزواج وحكومية تتعلق بالنظام التعليمي ومناهجه وسنواته المتطاولة، فهل تنشط منظمات المجتمع المدني من خلال ابتدار أفكار تقوم هي بتنفيذها مستعينة بالإعلام ومنابر المساجد وغيرها مثل زواج (الكورة) الذي نجح قبل عقود من الزمان في تيسير الزواج؟

أرجع لأقول إن التجربة أثبتت أن من يقطع دراسته لبعض الوقت.. سنة أو سنوات ثم يواصل الجامعة يكون أكثر نضجاً وحرصاً على النجاح والتفوق من الذين يواصلون بدون انقطاع.

أما فكرة تقديم الزواج على التعليم فهي مما ينبغي أن يترسخ كثقافة عامة يتبناها المجتمع ويحرص عليها.