تحقيقات وتقارير

استقالة الدقير.. قراءة في دفتر التداعيات شبح التجميد يهدد الحزب بعد انتهاء مهلة المسجل


لوبي جديد لإثبات استحالة استمرار الحزب دون الدقير
الشريف الأمين: استقالة الأمين العام صورية لإرباك خصومه

بلال يحاول استخدام كافة الصلاحيات لجمع كل الخيوط
إشراقة لا تزال تهدد بالطعن في التقرير المالي الجديد

يعيش الآن الحزب الاتحادي الديمقراطي المسجل حالة من الارتباك التنظيمي بسبب الاستقالة الشفاهية المفاجئة التي دفع بها أمينه العام د. جلال يوسف الدقير من على منصة احتفاله بالذكرى العاشرة لرحيل مؤسسه الشريف زين العابدين الهندي، وبررها بأن حالته الصحية لا تسمح له بالاستمرار في المنصب، ورغم التدارك السريع لسد الفراغ التنظيمي الذي خلفته استقالة الأمين العام للحزب المفاجئة بتكليف نائبه د. أحمد بلال الرجل الثاني في الحزب بتصريف أعباء منصب الأمين العام لحين انعقاد المؤتمر العام، إلا أن تداعيات استقالة الدقير التي يقرأها المراقبون داخل الحزب بأكثر من وجه من خلال ما يجري في كواليس الاجتماعات التي عقدها الحزب بعد الاستقالة والقرارات شبه الثورية التي تمخضت عنها جميعها تؤكد أن الاستقالة هي انسحاب مؤقت لـ د. جلال من مسرح الصراع، وهذا ما جعل د. بلال يواجه الآن أزمة تنظيمية ضاغطة وهو يحاول جاهداً السيطرة على أشرعة ودفة إدارة الحزب في مواجهة العاصفة التي اشتدت بتداخل خيوط الحزب بهذه الاستقالة التي اختلفت طرق قراءتها، ونحن هنا نحاول تتبع آثارها وتداعياتها من خلال ما يجري في الحزب .

استقالة صورية
يرى البعض أن الدقير أراد من خلال الاستقالة الظهور بنموذج السياسي المحترم الذي يضع مبادئه ومبادئ حزبه فوق المنصب والمصالح الشخصية لذلك أبدى استعداده للتنحي عن منصبه لأجل تجديد دماء الحزب، ويذهب آخرون من بينهم القيادي الشريف الأمين الصديق أن الاستقالة التي دفع بها الدقير صورية الغرض منها إرباك اللوبي الذي يدير صراعه معه في الخفاء على طريقة (قلوبنا معك وسيوفنا عليك) ويريدون أن يحسم صراعهم الدائر مع د. جلال منذ حياة الشريف وبداية تأسيس الحزب على نار هادئة، وهم يرون أنهم أكثر أحقية بقيادة الحزب من جلال الذي انضم لمجموعة الشريف بعد عوته للداخل، إلا أن الشريف قدمه لاعتبارات منها الاستفادة من تقاربه مع المؤتمر الوطني لتسهيل عملية الحصول على المال لبناء الحزب. ومن أبرز قيادات هذا اللوبي د. أحمد بلال والسماني ومنهم إشراقة التي فضلت خروجها بصراعها للعلن، وهناك مجموعة القيادات الشباب طارق بريقع وسليمان خالد، بعد أن وفشلت محاولات د. جلال حسم صراعه في الخفاء مع هذا اللوبي داخل الحزب، ووصلت علاقة التعايش بينهما إلى طريق مسدود بسبب عدم وضوح الصلاحيات داخل الحزب الذي فتح الطريق لتصاعد الصراع المكتوم الذي كاد اللوبي المتعايش معه أن يحسمه لصالحه، إلا أن جلال أربك حساباته بالانسحاب المؤقت بالاستقالة التي تفاجأ بها خصومه لأنها جاءت في غير توقيتها، وقام بتسليم إدارة الحزب للمجموعة التي تصارعه وأربك حساباتها وجعلها تجتهد في تسابق مع الزمن للإمساك بكل خيوط إدارة الحزب بالقرارات التي أصدرتها لمنع اللوبي الذي بدأ ينشط لصالح د. جلال لإفشال الأمين العام المكلف.

الصراع المعلن
وفي جانب صراع العلن الذي برز في الحزب بعد خلو منصب الرئيس في أعقاب رحيل رئيسه ومؤسسه الشريف زين العابدين الهندي، ما تسبب في الإشكالات التنظيمية التي أدخلت الحزب في دوامة الخلافات، نتيجة المعالجة التي تمت وقتها لسد الفراغ الذي خلفه رحيل الرئيس بإسناد مهام منصب الرئيس للأمين العام وتكليف رئيس لإدارة جلسات المكتب القيادي ودعوته للانعقاد لحين قيام المؤتمر العام الذي استعصى بسبب الخلافات التي عصفت بالحزب وأفقدته الكثير من قياداته المؤسسة والمؤثرة التي أفسح مغادرتها للحزب المجال لصعود قيادات هشة غير قادرة على مواجهة الأمين العام الذي توسعت صلاحياته وسلطاته بعد أن جمع سلطتي الأمين العام والرئيس، وهذا ما مكن الأمين العام من التحكم في إدارة الحزب بمفرده وإظهار عدم رغبته في إشراك مؤسسات الحزب خاصة التي تديرها قيادات قوية يمكن أن تنافسه، وهذا محور الصراع الرئيسي مع الأمين العام، ولإكمال التحكم في الحزب أعمل الأمين العام كافة الصلاحيات الممنوحة له للتخلص من القيادات التي تنافسه وتعارض قراراته بالتخلص منها بالفصل من الحزب أو تجميد نشاطها بلجان المحاسبة التي يكونها من حاشيته حتى وصل الأمر لحل أجهزة الحزب وجعلها مكلفة.. ويظهر هذا في الصراع الأخير الذي نشب بينه وبين نائبه لشؤون التنظيم إشراقة سيد محمود التي يسندها في صراعها معه المؤتمر الوطني الذي ساعد الأمين العام في حسم صراعاته السابقة مع قيادات الحزب التي ترفض المشاركة في السلطة، ويرى مراقبون داخل الحزب أن صراع الأمين العام مع إشراقة جاء في وضع مختلف استفادت منه إشراقة بسوء العلاقة بين الأمين العام وحليفه الإستراتيجي المؤتمر الوطني بعد انتخاب شقيقه عمر الدقير رئيساً لحزب المؤتمر السوداني الذي يصنف أحد أشرس الأحزاب المعارضة لنظام حكم المؤتمر الوطني الذي اعتبر الأمر تقاسم أدوار داخل الأسرة بين المعارضة والتحالف مع السلطة، ولتحييد المؤتمر الوطني لها من مساندة إشراقة التي استفادت منه في صراعها مع جلال كون الأمين العام المكلف د. أحمد بلال في الاجتماع الأخير لقيادات الحزب بمباني الأمانة العامة لجنة وتكليفها بمناقشة المؤتمر الوطني للتخلي عن مناسدته لإشراقة حتى يسهل لبلال حسمها بالفصل بعد انسحاب الدقير من مسرح الصراع، واللافت أن الأمين العام المستقيل د. جلال استطاع تحييد وإبعاد القيادات القوية التي كانت تساند إشراقة مثل سوكارنو وبروفيسير علي عثمان صالح الذي حيده بالوعد الذي قطعه له بإسناد رئاسة الحزب له لفترة انتقالية لحين قيام المؤتمر العام، ومن ثم مساندة ترشيحه لمنصب الرئيس في المؤتمر العام، مقابل هذا العرض استطاع الأمين العام تحييد البروف علي عثمان من موقفه، ويرى الجميع أنه خسر بعد مغادرة د. جلال للمنصب قبل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.

استخدام الصلاحيات
وحسب الكثير من القيادات التي تحدثت للصيحة أن الأمين العام المكلف د. أحمد بلال يحاول استخدام كافة الصلاحيات الممنوحة لجمع كل الخيوط في يده بالقرارات التي ظل يصدرها منذ توليه إدارة الحزب، ولتحاشي التضارب في الصلاحيات عمد الأمين العام المكلف إلى إصدار قراراته من داخل الاجتماعات التي انخرطت فيها مع قيادات وأجهزة الحزب ووصلت حتى الآن لأكثر من أربعة اجتماعات كان أولها في جنينة الشريف بحلة كوكو في اليوم التالي لاستقالة الأمين العام وتكليفه بالمنصب، حيث دعا كافة قيادات الحزب لاجتماع طارئ لوضع خطة لكيفية إدارة الأزمة وعبور الحزب دون أن تؤثر عليه واعتمد فيها إرجاء قبول استقالة الأمين للمؤتمر العام للبت فيها باعتباره الجهة المنتخب منها .

أبرز القرارات
أبرز القرارات التي أصدرها الأمين العام المكلف د. أحمد بلال في اجتماعه الأخير مع مساعديه وأمناء الحزب بمباني الأمانة العامة للحزب قرار فتح باب التبرعات لحل الضائقة المالية التي تواجه الأمانة العامة التي تحتاج لتسيير شهري يبلغ (80) ألف جنيه، وإيجار المقر السنوي الذي يبلغ (108) آلاف جنيه، بجانب إجازة مقترح تقليل الصرف المالى الذي تضمن إيقاف صرف كافة الإكراميات التي كانت تقدم لبعض قيادات وكوادر الحزب بتوجيه من الأمين العام السابق لاستقطابها لدعم موقفه في الصراع، على أن يقتصر الصرف على الفصل الأول الذي يشمل مرتبات المفرغين من الكوادر للعمل في الأمانة العامة وتقليل الصرف على الاحتفالات التي ظل الحزب يصرف عليها ببذخ زائد وآخرها احتفال الحزب بالذكرى العاشرة لرحيل مؤسسة الذي أقامه في قاعة الصداقة بتكلفة بلغت أكثر من (500) ألف جنيه، وأرجعت أسباب ارتفاع التكلفة لعدم إسناد عملية تنظيم الاحتفال للجنة لتكون محاسبة أمام أجهزة الحزب في حال تجاوز السقف المحدد للصرف، وهذا ما ظل يحدث في كل الفعاليات التي ظل الحزب يقيمها خاصة الاجتماعات المشتركة بين اللجنة المركزية والمكتب القيادي، كما تم التوجيه في اجتماع الأمين العام والقيادات الأخير على فتح باب التبرعات للكوادر والأعضاء المقتدرين بعد عطلة العيد بسقف مالي تم تحديده للأعضاء المقتدرين الأمر الذي اعترض عليه البعض رغم إجازته بالإجماعٍ، كما تمت إجازة مقترح آخر باستقطاع مبلغ مالي شهري من مخصصات الدستوريين التابعين للحزب بصفة دائمة باعتبار أن هذه المناصب ممنوحة لهم من قبل الحزب وليس مكتب العمل في إطار الوظيفة العامة .

لجنة قانونية
صدر قرار آخر بتكوين لجنة من ثلاثة قانونيين من قيادات الحزب وتكليفها بالجلوس مع مسجل الأحزاب ومناقشته لتحديد اللجنة المركزية المعتمدة لديه، إذ توجد الآن بالحزب ثلاث لجان مركزية قائمة وفاعلة الأولى تم انتخابها من المؤتمر العام سنة (2003)، وأخرى تم تكليفها في عام (2006) بعد وفاة رئيس الحزب الشريف وثالثة تم تكليفها في عام (2016)، ومهمة اللجنة القانونية الجلوس واستفتاء مسجل الأحزاب لمعرفة اللجنة المركزية الشرعية والمعتمدة لديه من بين اللجان الثلاث، لتتم دعوتها للانعقاد لحسم كثير من القضايا التي ظلت عالقة في مقدمتها قيام المؤتمر العام وتحديد خط الحزب السياسي وموقفه من المشاركة في المرحلة القادمة، بجانب إعادة تنظيم هياكله، إضافة للنظر في قضية إعادة المفصولين التي قطع فيها د. بلال شوطاً كبيراً قبل تكليفه بمنصب الأمين العام خاصة مع القيادي صديق الهندي الذي يشترط في عودته فض الشراكة وإعادة النظر في تحديد علاقة الحزب بالمؤتمر الوطني لإيجاد شراكة حقيقية خلافاً لما كانت عليه في المرحلة السابقة، بجانب إعادة النظر في تنظيم هياكل الحزب وإزالة كافة التشوهات التي حدثت بسبب الإضافة التي تمت لأعضائها ما أدى لترهلها.

مفاوضة المؤتمر الوطني
هناك لجنة أخرى من نواب الأمين العام وانتدابها للجلوس مع المؤتمر الوطني ومناقشته حول موقفه الداعم لإشراقة في صراعها داخل الحزب حتى تتمكن اللجنة المركزية من طي خلافاتها داخل الحزب، إما بإقناعها بخط الحزب أو فصلها، ومن أبرز البنود التي وضعها الاجتماع المشترك الأخير بين الأمين العام المكلف وقيادات الحزب وتمت مناقشتها وإجازتها في اجتماع اللجنة المركزية تعيين أمانة عامة جديدة للحزب بعضوية أقل بدلاً من الأمانة العامة الحالية التي تعاني من الترهل بسبب الإضافات التي تم تمت لها.

تحديات وقرارات
في مواجهة هذه القرارات الإصلاحية التي اتخذها الأمين العام للإمساك بخيوط إدارة الحزب وإصلاحه وحسم كافة ملفات الصراع التي استعصت على الأمين العام السابق وإرجاء بعضها للمؤتمر العام إلا أن هناك حزمة من التحديات تشكلها العديد من الملفات التي تحتاج لحكمة لحسمها في الوقت الراهن أبرزها تخطي عقبة تجميد الحزب بالإنذار الذي وجهه إليه مسجل الأحزاب ومنحه مهلة ثلاثة أشهر لعقد المؤتمر، وانتهت الآن بعد عطلة عيد الفطر وأصبح الحزب في مواجهة مع مجلس الأحزاب الذي يتوقع أن يصدر قراره بتجميده، بناء على الشكاوى المقدمة إليه من قبل المجموعات التي كانت تتصارع مع الأمين العام السابق وآخرها مجموعة إشراقة وجميعها تطالب في شكاواها بقيام المؤتمر العام، وتهديد التجميد يأتي بعد أن استنفد الحزب كافة فرصه من المهلة الممنوحة له لترتيب أوضاعه لعقد مؤتمر عام وآخرها مهلة الثلاثة أشهر الأخيرة التي انتهت بعد عطلة عيد الفطر، ومن أبرز التحديات أيضاً إعداد تقرير مالي مفصل بمراجعة قانونية لمالية الحزب من منذ نشأته لتقديمه لمجلس الأحزاب بدلاً من التقرير الذي قدمه الأمين العام السابق ورفضه مسجل الأحزاب بعد الطعن الذي تقدمت به إشراقة واعتبرته غير حقيقي وعبارة عن توليفة للخروج به من مأزق المحاسبة، ولا تزال إشراقة تهدد بالطعن في التقرير المالي الجديد أمام مسجل الأحزاب والمحكمة الدستورية، ويبرز مع كل هذا تحدي إيجاد صيغة توافقية لتعيين أمانة عامة جديدة لاستيعاب الفرقاء في الحزب واستيعاب المفصولين والمجمدين من القيادات.

ومن أكبر تحديات الصراع غير المعلن الذي يواجه الأمين العام المكلف بروز لوبي يصارعه في الخفاء عقب استقالة الأمين العام بقيادة شقيقه محمد الدقير رئيس الحزب وأسامة هلال وهذا يعد عاملاً لإفشاله في قيادة الحزب في هذه المرحلة لتركيز هذا اللوبي على إظهار أن الحزب لا يمكن استمراره دون جلال الذي يتطلب قيام المؤتمر العام حضوره كأمين عام يصدر قرار الدعوة لقيامه.

الخرطوم ـ الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة