تحقيقات وتقارير

الخصمان المتنافسان على تركة قرنق


بعد أشهر قليلة من الهدنة بين الجانبين عادت الاشتباكات بين أنصار رئيس جمهورية جنوب السودان سالفا كير ميارديت ونائبه رياك مشار على تركة جون قرنق.
وكان الرجلان من قادة الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان وقاتلا في سبيل ما قالا إنه حرية أبناء الجنوب وحقهم في تقرير مصيرهم لكن بعد اقل من عامين من الانفصال بدأ الصراع المسلح بينهما، فمن هما الخصمان؟
رئيس الجمهورية سالفا كير ميارديت من الوجوه القديمة في حركة تحرير جنوب السودان وهو من قبيلة دينكا، نفس قبيلة الزعيم السابق جون قرنق، وهي أكبر قبيلة في جنوب السودان، لذا يتمتع كير بشعبية كبيرة.

وصل سالفا كير إلى منصب رئيس جمهورية جنوب السودان عام 2011 بعد موافقة أبناء البلاد على الانفصال عن السودان في الاستفتاء الذي تم بناءً على اتفاق مع الخرطوم ليصبح أول رئيس للبلاد.
وكان كير قد تولى قيادة الحركة المسلحة “لتحرير شعب جنوب السودان” منذ عام 2005 بعد مقتل زعيمها السابق جون قرنق في حادث تحطم مروحيته.
ورغم المخاوف التي ساورت الكثيرين من تولي كير قيادة الحركة بعد قرنق إلا انه تمكن من استكمال طريق سلفه.
وكان كير يوصف دومًا بأنه أكثر تشددًا من قرنق نفسه والذي توصل قبل أشهر من مقتله لاتفاق مع حكومة الخرطوم بإجراء استفتاء شعبي على انفصال جنوب السودان.
ويحرص كير على رسم صورة قوية لنفسه بظهوره المستمر بقبعة “الكاوبوي” دون ارتداء الزي التقليدي لأبناء قبائل المنطقة.
وقبل أكثر من عام من انفصال جنوب السودان فاز كير بأكثر من 92 في المائة من أصوات الناخبين في جنوب السودان ليصبح رئيساً لحكومة الإقليم وسط اتهامات من معارضيه بالتلاعب في الانتخابات.

وينظر بعض قادة الرأي العام والكتاب في جنوب السودان إلى كير ويشبهونه بيوشع بن نون الذي تولى قيادة بني إسرائيل بعد النبي موسى ليقودهم إلى أرض كنعان.
وشارك كير في المراحل الأولى من اتفاق السلام الذي أنهى 21 عاماً من الحرب الأهلية في البلاد لكنه بقي في ظل قرنق زعيم الحركة رغم كونه عضواً مهماً فيها منذ انضمامه لها في أواخر الستينيات من القرن الماضي.
انضم كير الذي كان ضابطاً في صفوف الحركة إلى الجيش السوداني في إطار اتفاق السلام الذي توصل إليه الرئيس السوداني السابق جعفر نميري مع المتمردين عام 1972.
وفي 1983، تجددت الثورة في الجنوب وأرسل الجيش السوداني جون قرنق لوضع حد لتمرد الجنود هناك، لكنه انضم إليهم وأصبح قائدًا لهم.
وكادت محاولة قرنق لإزاحة كير من قيادة الجناح العسكري للحركة أن تؤدي إلى انقسامها لولا أن قرنق تخلى عن الفكرة للحفاظ على وحدة حركة تحرير جنوب السودان.

= مشار
أما نائب الرئيس وزعيم حركة المعارضة في جنوب السودان رياك مشار الذي عاد للعاصمة جوبا بعدما هجرها عامين بسبب النزاع والحرب مع كير، فقد كان دوماً شخصية محورية في المشهد السياسي في دولتي السودان ثم جنوب السودان، طيلة ثلاثة عقود.
اشتهر مشار بقدرته على المناورة السياسية والتنقل بين أطراف الصراع في لحظات مختلفة خلال الحرب بين الجنوب والشمال والتي تواصلت لأكثر من عقدين قبل انفصال الجنوب.
وكان مشار يسعى بذلك إلى تعزيز موقفه السياسي وموقف قبيلته النوير، في المشهد السياسي والصراع على السلطة في جنوب السودان.
ولد مشار عام 1953 ودرس في بريطانيا، وتزوج من موظفة الإغاثة البريطانية إيما ماكيون عام 1991.
كان مشار من مؤسسي الحركة الشعبية لتحرير السودان التي كانت تقود القتال ضد قوات حكومة الخرطوم من أجل انفصال الجنوب، وكان قائدا بارزًا في جناحها المسلح.

وبعد اتفاق السلام عام 2005 عينت الحركة مشار في منصب نائب رئيس حكومة جنوب السودان أي نائباً لكير.
واحتفظ مشار بمنصبه عقب إعلان دولة جنوب السودان عام 2011، الأمر الذي بدا دليلاً واضحاً على نفوذه الكبير المتزايد في أوساط الحركة ليقوم كير بإقالته في تغيير وزاري في يوليو من عام 2013 لتندلع الحرب بين الجانبين.
وتمثل قبائل النوير ثاني أكبر جماعة عرقية في جنوب السودان، وكان وجود مشار في مناصب عليا بالسطة يمثل شيئاً مهماً، لتعزيز الوحدة في جنوب السودان وتقاسم السلطة مع قبائل الدينكا التي تمثل الأغلبية.

وكان مشار أعلن عزمه تحدي سالفا كير والترشح لقيادة الحزب الحاكم في جنوب السودان، ما يؤهله لخوض الانتخابات الرئاسية في عام 2015.
بيد أن كير اتهم مشار بالتخطيط لانقلاب، واصطدمت القوات الحكومية مع قوات مشار التي اتهمتها بالتمرد داخل الجيش.
ووصف كير مشار بأنه “رسول الخراب، الذي واصل أفعاله التي قام بها في الماضي” في إشارة واضحة إلى تحدي مشار سلطة مؤسس الحركة جون قرنق في مطلع التسعينيات.
وانفصل مشار عن الحركة الشعبية، وأسس حركة منفصلة لعدة سنوات في تسعينيات القرن الماضي، تفاوض خلالها مع حكومة الخرطوم ما أسفر عن توقيع اتفاق للسلام بينهما عام 1997.
وعين مشار بعد هذا الاتفاق، الذي وقعته أربع فصائل جنوبية مسلحة عرفت بمجموعة الناصر، مساعداً للبشير ومنسقاً لمجلس الولايات الجنوبية حينها.
ولكن سرعان ما أعلن مشار استقالته من مناصبه الحكومية في دولة السودان وعودته إلى التمرد، في عام 2000، متهما الخرطوم بإرسال قوات لمحاربة مقاتليه في الجنوب.

وأعلن مشار في 2001 عودته لصفوف الحركة الشعبية، بعد قطيعة دامت 9 سنوات مع حليفه السابق قرنق.
وبرز مشار من جديد بعد موت قرنق المفاجئ عام 2005 ، عندما اختارته الحركة نائباً لسلفا كير في رئاسة حكومة جنوب السودان.
ودخل مشار في خلاف مع سلفا كير الذي اتهمه بقيادة محاولة انقلابية مع عدد من الوزراء في عام 2013، الأمر الذي تحول إلى نزاع مسلح بين الجانبين واتخذ سمه عرقية بين قبائل الدينكا والنوير.
وتوصل الجانبان إلى اتفاق سلام في أغسطس 2015، بعد تهديدات أممية بفرض عقوبات عليهما.
واتفق الجانبان على تقاسم المناصب الوزارية، وهو ما يعني عودة تشكيلة الحكومة إلى ما كانت عليه قبل اندلاع النزاع.

صحيفة اليوم التالي