مقالات متنوعة

د. عارف عوض الركابي : الشيخ السحيمي يشرح وصية وهب بن منبه لرجل


طلاب وطالبات العلم والدعاة إلى الله وفدوا بالمئات من أحياء العاصمة الخرطوم ومن المدن والقرى لمسجد كلية جبرة العلمية لحضور الدورة العلمية التي ينتظرونها كل عام، والتي يدرس فيها الشيخ الأستاذ الدكتور صالح بن سعد السحيمي المدرس بالمسجد النبوي حوالى ثلاثين عاماً ورئيس قسم العقيدة في الجامعة الإسلامية سابقاً. وقد بدأت الدورة لهذا العام قبل أمس الأحد الخامس من شوال عام 1437.. وتقام هذه الدورات السنوية بتوجيه رسمي ورعاية من وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين – زادها الله عزاً ومجداً وتوفيقاً وأدام عليها نعمه ونصر بها الإسلام والمسلمين. ودورة هذا العام يشرح فيها الشيخ حفظه الله وبارك في علمه وجهوده لطلاب وطالبات العلم كتاب القول السديد شرح كتاب التوحيد للعلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله، ورسالة الإسلام دين كامل للعلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، ورسالة بعنوان نصيحة الإمام وهب بن منبه لرجل تأثر بمذهب الخوارج .. مع البرنامج المصاحب للدورة المتمثل في محاضرات عامة يلقيها فضيلة الشيخ في بعض المساجد كالجامع الكبير بالخرطوم بحري والجامع الكبير بأم درمان. وقد رأيت أن أفيد القراء الكرام باقتباس جزء من نصيحة الإمام وهب بن منبه رحمه الله للرجل الذي تأثر بمذهب الخوارج، حيث إن شبهات الخوارج تجد في هذا الزمان من ينشرها ويجتهد ليقنع بها حدثاء الأسنان ، فقد جاء في هذا المناصحة ما يلي : (فَقَالَ لَهُ وهب يَا ذَا خولان أَتُرِيدُ ان تكون بعد الْكبر حرورياً تشهد على من هُوَ خير مِنْك بالضلالة فَمَاذَا أنت قَائِل لله غَداً حِين يقفك الله؟.. وَمن شهِدت عَلَيْهِ؛ الله يشْهد لَهُ بِالْإِيمَان وانت تشهد عَلَيْهِ بالْكفْر وَالله يشْهد لَهُ بِالْهدى وانت تشهد عَلَيْهِ بالضلالة فَأنى تقع إِذا خَالف رَأْيك أَمر الله وشهادتك شَهَادَة الله. أخبرني يَا ذَا خولان مَاذَا يَقُولُونَ لَك فَتكلم عِنْد ذَلِك ذُو خولان وَقَالَ لوهب إِنَّهُم يأمرونني ان لَا أَتصدق الا على من يرى رَأْيهمْ وَلَا أسْتَغْفر إِلَّا لَهُ فَقَالَ وهب صدقت هَذِه محبتهم الكاذبة .. قال وهب : فَأَما قَوْلهم (يعني قول الخوارج الحرورية) فِي الصَّدَقَة فَإِنَّهُ قد بَلغنِي ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر أن امْرَأَة من أهل الْيمن دخلت النَّار فِي هرة ربطتها فَلَا هِيَ تطعمها وَلَا هِيَ تركتهَا تأكل من خشَاش الأَرْض أفإنسان مِمَّن يعبد الله ويوحده وَلَا يُشْرك بِهِ شَيْئا أحب الى الله من ان تطعمه من جوع أوْ هرة وَالله يَقُول فِي كِتَابه ويطعمون الطَّعَام على حبه مِسْكيناً ويتيماً وأسيراً إِنَّمَا نطعمكم لوجه الله لَا نُرِيد مِنْكُم جزاءً وَلَا شكُورًا إِنَّا نَخَاف من رَبنَا يَوْمًا عبوسا قمطريرا) يَقُول يوماً عسيراً غضوباً على أهل مَعْصِيَته لغضب الله عَلَيْهِم { فوقاهم الله شَرّ ذَلِك الْيَوْم } حَتَّى بلغ { وَكَانَ سعيكم مشكوراً } ثمَّ قَالَ وهب مَا كَاد تبَارك وَتَعَالَى أن يفرغ من نعت مَا اعد لَهُم بذلك من النَّعيم فِي الْجنَّة. وأما قَوْلهم لَا يسْتَغْفر إلا لمن يرى رَأْيهمْ أهم خير من الْمَلَائِكَة وَالله تَعَالَى يَقُول فِي سُورَة {حم عسق} {وَالْمَلَائِكَة يسبحون بِحَمْد رَبهم وَيَسْتَغْفِرُونَ لمن فِي الأَرْض} وَأَنا أقسم بِاللَّه مَا كَانَت الْمَلَائِكَة ليقدروا على ذَلِك وَلَا ليفعلوا حَتَّى أمروا بِهِ لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {لَا يسبقونه بالْقَوْل وهم بأَمْره يعْملُونَ} وانه أَثْبَتَت هَذِه الْآيَة فِي سُورَة { حم عسق } وفسرت فِي {حم} الْكُبْرَى قَالَ الَّذين يحملون الْعَرْش وَمن حوله يسبحون بِحَمْد رَبهم ويؤمنون بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ للَّذين ءامنوا الْآيَات أَلا ترى يَا ذَا خولان إِنِّي قد أدْركْت صدر الْإِسْلَام فوَ اللَّه مَا كَانَت للخوارج جمَاعَة قطّ إلا فرقها الله على شَرّ حالاتهم وَمَا اظهر أحد مِنْهُم قَوْله إلا ضرب الله عُنُقه وَمَا اجْتمعت الْأمة على رجل قطّ من الْخَوَارِج! وَلَو أمكن الله الْخَوَارِج من رَأْيهمْ لفسدت الأَرْض وَقطعت السبل وَقطع الْحَج عَن بَيت الله الْحَرَام وَإِذن لعاد أمْر الإسلام جَاهِلِيَّة حَتَّى يعود النَّاس يستعينون برؤوس الْجبَال كَمَا كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة وَإِذن لقام أكثر من عشرَة أوْ عشْرين رجلا لَيْسَ مِنْهُم رجل إلا وَهُوَ يَدْعُو إلى نَفسه بالخلافة وَمَعَ كل رجل مِنْهُم أَكثر من عشرَة آلَاف يُقَاتل بَعضهم بَعْضاً وَيشْهد بَعضهم على بعض بالْكفْر حَتَّى يصبح الرجل الْمُؤمن خائفاً على نَفسه وَدينه وَدَمه وَأَهله وَمَاله لَا يدْرِي أَيْن يسْلك أوْ مَعَ من يكون. غير ان الله بِحكمِهِ وَعلمه وَرَحمته نظر لهَذِهِ الْأمة فَأحْسن النّظر لَهُم فَجَمعهُمْ وَألف بَين قُلُوبهم على رجل وَاحِد لَيْسَ من الْخَوَارِج فحقن الله بِهِ دِمَاؤُهُمْ وستر بِهِ عَوْرَاتهمْ وعورات ذَرَارِيهمْ وَجمع بِهِ فرقتهم وامن بِهِ سبلهم وَقَاتل بِهِ عَن بَيْضَة الْمُسلمين عدوهم وَأقَام بِهِ حدودهم وأنصف بِهِ مظلمومهم وجاهد بِهِ ظالمهم رَحْمَة من الله رَحِمهم بهَا. قَالَ الله تَعَالَى فِي كتابه {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض} إِلَى {الْعَالمين} واعتصموا بِحبل الله جَمِيعًا حَتَّى بلغ {تهتدون} وَقَالَ الله تَعَالَى { إِنَّا لننصر رسلنَا وَالَّذين آمنُوا} إِلَى {الأشهاد} فَأَيْنَ هم من هَذِه الْآيَة فَلَو كَانُوا مُؤمنين نصروا! وَقَالَ {وَلَقَد سبقت كلمتنا لعبادنا الْمُرْسلين إِنَّهُم لَهُم المنصورون وَإِن جندنا لَهُم الغالبون} لَو كَانُوا جند الله غلبوا وَلَو مرّة وَاحِدَة فِي الْإِسْلَام، وَقَالَ الله تَعَالَى { وَلَقَد أرسلنَا من قبلك رسلًا إِلَى قَومهمْ} حَتَّى بلغ {نصر الْمُؤمنِينَ} فَلَو كَانُوا مُؤمنين نصروا، وَقَالَ {وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم} حَتَّى بلغ {لَا يشركُونَ بِي شَيْئاً} فَأَيْنَ هم من هَذَا هَل كَانَ لأحد مِنْهُم قطّ أخبر الى الِاسْم من يَوْم عمر بن الْخطاب بِغَيْر خَليفَة وَلَا جمَاعَة وَلَا نظر وَقد قَالَ الله تَعَالَى { هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله } وأنا أشهد أن الله قد انفذ مَا وعدهم من الظُّهُور والتمكين والنصر على عدوهم وَمن خَالف رَأْي جَمَاعَتهمْ. وَقَالَ وهب أَلا يسعك يَا ذَا خولان من أهل التَّوْحِيد وأهل الْقبْلَة وَأهل الاقرار بشرائع الْإِسْلَام وسننه وفرائضه وَمَا وسع نَبِي الله نوحاً من عَبدة الْأَصْنَام وَالْكفَّار إِذْ قَالَ لَهُ قومه قَالُوا أنؤمن لَهُ وأتبعك الأرذلون حَتَّى بلغ { تشعرون } أَو لا يسعك مِنْهُم مَا وسع نَبِي الله وخليله إِبْرَاهِيم من عَبدة الْأَصْنَام إِذْ قَالَ {واجنبني وَبني أَن نعْبد الْأَصْنَام} حَتَّى بلغ {غَفُور رَحِيم} أَو لا يسعك يَا ذَا خولان مَا وسع عِيسَى من الْكفَّار الَّذين اتخذوه إِلَهًا من دون الله وَإِن الله قد رَضِي قَول نوح وَقَول ابراهيم وَقَول عِيسَى الى يَوْم الْقِيَامَة ليقتدي بِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَمن بعدهمْ يَعْنِي {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك وَإِن تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم} وَلَا يخالفون قَول أَنْبيَاء الله ورأيهم فبمن يَقْتَدِي إِذا؟ لم يقتد بِكِتَاب الله وَقَول أنبيائه ورأيهم! وَاعْلَم ان دخولك عَليّ رَحْمَة لَك إِن سَمِعت قولي وَقبلت نصيحتي لَك وَحجَّة عَلَيْك غَدا عِنْد الله إِن تركت كتاب الله وعدت الى قَول الحروراء قَالَ ذُو خولان فَمَا تأمرني؟ فَقَالَ وهب انْظُر زكاتك الْمَفْرُوضَة فأدها الى من ولاه الله أَمر هَذِه الْأمة وجمعهم عَلَيْهِ فَإِن الْملك من الله وَحده وَبِيَدِهِ يؤتيه من يَشَاء وينزعه مِمَّن يَشَاء، فَمن ملكه الله لم يقدر أحد ان يَنْزعهُ مِنْهُ، فَإِذا أدّيت الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة إلى وَالِي الْأَمر بَرِئت مِنْهَا، فَإِن كل فضل فصل بِهِ من أرحامك ومواليك وَجِيرَانك من اهل الْحَاجة وضيف إِن ضافك.. فَقَالَ ذُو خولان: أشهد أَنِّي نزلت عَن رَأْي الحرورية وصدقت مَا قلت).