عبد الباقي الظافر

خيار الوصاية الدولية ..!!


* كاد رجل الأعمال السوداني أن يفقد وعيه وهو يتحسس دفتر حساباته في عاصمة جنوب السودان .. التاجر الذي تخصص في توريد احتياجات الدولة الوليدة من السوق السوداني أدخل بضائع بقيمة سبعمائة ألف دولار، ولكن حصيلته بعد الجرد كانت أقل من ثلث رأس المال .. الكارثة حلت بالرجل بعد أن انهارت قيمة الجنيه الجنوبي إلى نحو خمسين جنيهاً مقابل كل دولار، وقد كانت عشية ميلاد الدولة الجنوبية في حدود ثلاثة جنيهات للدولار الواحد.. تلك الأخبار السيئة كانت قبل عودة شبح الحرب إلى جنوب السودان نهاية الأسبوع الماضي.
* الجولة الجديدة من حرب جنوب السودان تكمن خطورتها في أنها تجري في قلب العاصمة جوبا.. قوات الرئيس سلفاكير ونائبه رياك مشار واصلت القتال رغم نداءات مجلس الأمن الدولي وتحذيراته.. الحرب وصلت إلى القوات الأممية الموجودة لحراسة السلام، حيث قتلت اثنين من أفرادها ..سلاح الجو دخل المعارك وهاجم قوات مشار في منطقة جبل كجور التي لا تبعد سوى أميال قليلة عن قلب العاصمة جوبا .. مشار نائب الرئيس فقد اثنين من أفراد أسرته من بينهم نجله الملازم قاتوانق، وكذلك ابن أخيه.. الحصيلة الأولى للخسائر البشرية تقترب من الثلاثمائة فرد.
* الفاصل الجديد من الحرب الأهلية كان صادماً للجميع ..بريطانيا منعت مواطنيها من السفر إلى جنوب السودان.. الولايات المتحدة أخلت عدداً كبيراً من طواقمها الدبلوماسية ..السودان شكل لجنة وزارية لإخلاء مواطنيه من الجار الجنب.. الخطوط الكينية التي تعتبر الناقل الجوي الرئيسي أوقفت كل رحلاتها .. جوبا تغرق في الظلام والعنف وتنوم على أصوات المدافع.
* يبدو أن العالم لم يأخذ أحداث جنوب السودان بشكل جاد.. مجلس الأمن عقد جلسة مشاورات، ووجهت الأمم المتحدة على لسان أمينها العام نداء لوقف العنف..الدول المجاورة تتحرك ببط.. منظومة الإيقاد التي تضم دول مجاورة دعت لاجتماع طاريء يفترض أن يعقد البارحة.. لكن كل ذلك ليس كافياً.. جنوب السودان يقترب من نموذج رواندا، حيث سادت حرب أهلية تم فيها تطهير عرقي .. ذات التردد الدولي الذي غيب الدولة المركزية في الصومال يسود الآن في التعامل مع أزمة جنوب السودان.
* في تقديري إن على العالم أن يتعامل مع الأزمة المتجددة في جنوب السودان باعتبارها مهدداً للأمن والسلم الدوليين.. الالتزام الأخلاقي يحتم فرض وصاية دولية على دولة جنوب السودان ..على المجتمع الدولي أن يتعهد الدولة الوليدة بالرعاية حتى يتم بناء مؤسسات مجتمع مدني لها القدرة على القيام بواجباتها في إدارة الدولة .. التباطؤ يعظم من الخسائر في الأنفس والثمرات، ويعيق التطور الطبيعي لمجتمعات جنوب السودان .. كل يوم يمر وسط تجاهل الأسرة الدولية يعمق من الجراحات ويزيد من آجال الحرب الأهلية .
* بصراحة.. ارتكبت النخبة الجنوبية الطامحة والطامعة خطأً استراتيجيا بحمل الشعب الجنوبي للانفصال قبل أن يشتد عوده.. الساسة هنالك يتصارعون على مقاعد محدودة في قصر السلطان.. يحاولون الوصول إلى هدفهم قفزاً على الجماجم البشرية، وذلك مما يزيد الأسى ويفاقم الأحزان.