منى ابوزيد

النصوص تُولد عاريَة ..!


“العتبة تحيل إلى النص والنص يحيل إليها، ولا بأس أبداً في استدراج اللغة أحياناً إلى مناطق مغايرة بعض الشيء ” .. الكاتبة ..!
(1)
الذين يصرون على افتراض رسالية الأدب ومشروعية المنع من النشر يدعون أن الوصاية على القارئ والرقابة على الأدب من واجبات الدولة التي يجوز لها ما لا يجوز لغيرها كلما تحدث كاتب سوداني عن ما لا يليق من آفات مجتمعه. وهذا يؤكد أن العلاقة بين حرية الأدب وديموقراطية الحكومات دوما طردية، وإن الذي يجاهر في مثل مجتمعنا المحلي برأيه الصريح عن كون الكتابة الأدبية ليست رسالة تربوية بل حالة فنية خالصة متجردة لا بد أن يحتمل ما يحتمله المارقون الفاسدون .. والحقيقة أن حساسية المجتمعات في مواجهة تعرية الأدب لعيوبها ونواقصها نزعة فطرية ليست حكراً على مجتمعاتنا، لكن الفرق يكمن في مبررات وآليات عملية التحجيم والتشذيب وقصقصة “الرويشات” .. لذا تبقى حرية التفكير وديموقراطية التلقي مضماراً تحكمه عوامل التعرية الحضارية المتفاوتة ..!
(2)
ليس السياسيون وحدهم .. حتى “الغنايات” يلجأن إلى إرهاب الحاضرات في حفلات الأعراس لانتزاع التصفيق.. فيرفعن عقيراتهن بالتهديد.. ويتوعدن المتخاذلات عن التصفيق بالدعاء عليهن بدوام العنوسة.. وهو إكراه أدبي قائم على مبدأ طردية العلاقة بين التصفيق واستحسان الجمهور.. ربما لذلك أخذ التصفيق أكثر من عشرة بالمائة من زمن رائعة أم كلثوم “أنت عمري” .. وكثيراً ما يكون تصفيق الشعوب ـ سلوكاً قهرياً أو ـ تغطية إعلامية مجانية لمثالب الحكومات .. فإذا سلمنا بأننا شعب لا يستحق الديموقراطية التلفزيونية.. فكيف ومتى نصل إلى درجة الاستحقاق؟! .. وكيف نرتقي إلى مدارج الوعي الديموقراطي ـ من أساسه ـ ونحن مغيبون تحت مظلة إدارات إعلامية لا تفرق بين النقد الإصلاحي لأداء الحكومات، والمعارضة السياسية التي تستهدف وجودها أصلاً؟! .. هذه الحكومة كانت ولا تزال بحاجة ملحة إلى مناقشة مدى وعيها بأهمية ظهور الرأي الآخر، ومدى إدراكها لكون النجاح السياسي هو البقاء للأذكى في مواجهة النقد الإصلاحي ..!
(3)
كل عمود صحفي هو قصة قصيرة على نحو ما، وإيراد بعض الاقتباسات في المقدمة هو – كما أراه – اجتهاداً ثانياً في العنونة، وتكثيفاً حميداً للمعنى المقصود من مجمل النص، على نحو يشد من أزر الفكرة ويؤكد رسالة المقال .. لذا فعتبات النص من هذا المنطلق لا تشوش ذهن القارئ بل تؤدي دورها على أكمل وجه، فتهيئ حواسه بشيء من التوقع وتشكل – بوجودها المتصل المنفصل، داخل إطار النص “المقال” – مرجعية جيدة يستند عليها الكاتب والقارئ معاً في وصول الأول إلى غايته وفي فهم الثاني لمراد الأول منها .. والحكاية – بهذا الفهم – ليست رغبة في إثارة انتباه القارئ فحسب، بل تحفيزاً لفضوله وتساؤله من خلال استدراجه للدخول في تحدٍ لطيف مع العبارة الذهبية وكاتبها من جهة، وكاتب المقال – الذي قد يبدو لأول وهلة متنطعاً بلزوم ما لا يلزم، كل يوم – من جهة أخرى! .. عندها قد يجد القارئ نفسه في مواجه جمال التناص أو مفارقة الدلالة – لست أدري بالضبط! – لكن مؤكد أنه سوف يجد نفسه في مكان (ما)، داخل حدود خارطة الكاتب .. فالمقال الصحفي – شأنه شأن أي نص – يولد عارياً، وعتبات النصوص هي فساتين زاهية على جسده حيناً، وشرائط ملونة على شعره المرسل أحياناً ..!


تعليق واحد

  1. سيدتى .. الأنسان نفسه يولد عاريا فما بالك بالنصوص .. صحيح ان العلاقة بين حرية الأدب والديمقراطية دوما طرديا .. ولكن الأصح هو ان العلاقة بين قلة الأدب والديمقراطية دوما عكسية .. التجريد والشفافية هو ما ينقص الأنسان ليسمو بذاته .. الأنسان بطبعه لا يحتمل النقد و لا الأذى والمجتمعات لا تتجرد من اقنعتها وتحب ان يراها الأخر من وراء حجاب .. تقدمت التكنلوجيا وتطورت الحياة وساد السلوك القهرى وتفشت عقود الأذعان .. 5 % من سكان الأرض ينعمون ب95 % من خيراتها … معادلة موزونة بميزان انسانى بحت .. العلاقة بين تقدم الأنسان وتطوره وكثرة الفقر طردية .. كما ان العلاقة بين تقدم التكنلوجيا وسعادة الأنسان عكسية .. دخل المريض الى غرفة جهاز الأشعة المقطعية المتطور جدا .. وبعد اقل من خمس دقائق جاء اليه الطبيب قائلا لقد شخصنا علتك .. انت مصاب بسرطان الغدد اللمفاوية .. فرح المريض وعبر عن سعادته بأكتشاف مرضه وتشخيص حالته وسأل الدكتور قائلا إذا ما هو العلاج .. التفت اليه الطبيب قائلا .. للأسف لا يوجد علاج لحالتك !!!!!!!!