تحقيقات وتقارير

عقب افتتاح أول مدرسة سودانية سورية مشتركة الطلاب السوريون بالخرطوم.. هل يتبدد حاجز اللهجة السودانية؟


نسيبة الأيوبي: الأزمة في طريقها للحل النهائي

مدير مكتب الإغاثة: المدرسة لن تستوعب كل الطلاب السوريين

وئام، مسلمة وبيلا، ثلاث شقيقات سوريات يقمن مع أسرتهن في العاصمة الخرطوم التي لجأن إليها عقب اندلاع الأحداث في سوريا في العام 2011، أعمارهن تتراوح ما بين الحادية عشرة والرابعة عشرة وكن يدرسن في مرحلة الأساس، إلا أن رحلتهن مع التعليم بالمدارس السودانية توقفت سريعاً ليس لداعي عدم رغبتهن في الدراسة أو لداعي ظروف اقتصادية وقفت حجر عثرة في طريقهن، ولكن لسبب قد يبدو في نظر البعض غريباً وهو ذلك المتمثل في صعوبة استيعابهن للغة العربية عبر اللهجة السودانية الدارجة، ولعام وستة أشهر لم يتوجهن صوب قاعات الدرس، ولكنهن ثابرن واجتهدن لوحدهن وكان دائماً الأمل يحدوهن في أن تشرق شمس أحد الأيام ويعدن إلى الدراسة، وفي السابع من شهر يوليو وحينما قرع والي ولاية الخرطوم الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين جرس بداية العام الدراسي، بارحت الصغيرات الثلاث محطة البقاء في المنزل وعدن أدراجهن إلى الدراسة بعد ان تم افتتاح مدرسة سودانية مشتركة بحي السجانة وسط الخرطوم تضم تلميذات من البلدين الشقيقين. وهذا الفتح الجديد هل يضع حداً لمعاناة الطلاب السوريين مع اللهجة السودانية بالمدارس .

دموع الفرح
كنت أعلم تفاصيل قصتهن مع المدرسة التي توقفن منها مجبرات لعام وستة أشهر كما أشرت، وحينما ذهبت لتغطية الحدث التاريخي المتمثل في افتتاح مدرسة سمية بنت الخياط الأساسية للبنات بحي السجانة في السابع من يوليو، بحثت عن الصغيرات للتعرف على شعورهن وقد عدن أخيرًا الى قاعات الدرس وفارقن جدران المنزل، ودون أن أحتاج إلى إيضاحات منهن، فقد ارتسمت على وجوههن التي تحمل قدراً وافراً من البراءة سعادة بائنة وهي التي قرأت من خلالها ما يعتمل في دواخلهن من فرح، فالالتحاق بالمدرسة كما وضح من نظراتهن المقرونة بابتسامات يجدن فيها الأمان والحنان حالهن حال كل الأطفال، لأن المدرسة ليست فقط للتعليم ولكنها تعد المنزل الثاني للطفل، رأيت في أعينهن لمعة غابت طويلاً، لمعة الفرح والأمل بغد أفضل فالمدرسة والأصدقاء والمعلمات كلهم عادوا، وذهبت حال سبيلي لتغطية الحدث وتركت الفرح يغمرهن وقد عبرن عنه بالركض داخل ساحة المدرسة الرحبة.

نور تضيء المكان
أما الطفلة نور، فقد كانت في غاية السعادة بمناسبة افتتاح المدرسة السودانية السورية المشتركة، وحينما سألت ابنة السبعة أعوام عن شعورها بعد أن باتت تدرس في مدرسة قريبة الشبهة من تلك الموجودة في سوريا قالت: سعيدة جداً بمدرستي السورية، معلمتي سورية، سعيدة بأصدقائي السودانيين والمدرسة جميلة جداً وأنا سعيدة جدًا فيهاز

بصفة عامة فقد كان جو افتتاح المدرسة جميلاً حيث امتزجت الإلفة بالتآخي وأوضحت عمق العلاقة التي تربط بين الشعبين .

فلاش باك
في تحقيق سابق لـ(الصيحة) عن أوضاع السوريين بالخرطوم أفردنا مساحة مقدرة للتعليم وأشرنا إلى أنه على الرغم من تفوق عدد مقدر من التلاميذ السوريين بمدارس الخرطوم الأساسية والثانوية إلا أن للصورة وجهاً آخر يبدو أكثر قتامة ويتمثل في أنه وبرغم الأريحية الرئاسية لحكومة السودان المتمثل في قرارها القاضي بمجانية التعليم للطلاب السوريين ومعاملتهم مثل زملائهم وأشقائهم السودانيين، إلا أن الواقع أكد في العام الدراسي الماضي تسرب أربعمائة طالب سوري من المدارس وتوقف مشوارهم الأكاديمي لجملة من الأسباب أبرزها حاجز اللهجة السودانية علاوة على ارتفاع حرارة الطقس، وهذا الأمر يشكل هاجساً كبيراً للعديد من الأسر السورية، وقد أشار وقتها والد عدد من الطلاب ويدعى محمد عمر إلى أن أبناءه الخمسة كان يفترض أن يكونوا بالمدارس بيد أنهم ـ والحديث لوالدهم ـ لم يتمكنوا من مواصلة مشوارهم الأكاديمي لاختلاف الجو العام بالمدارس الحكومية عما هو موجود بسوريا، مؤكداً عدم مقدرته على إلحاقهم بمدارس خاصة بالسودان، وأن هذا حسبما يرى من شأنه إضاعة مستقبلهم.

سعي حثيث
ولإعادة أربعمائة تلميذ سوري بالخرطوم إلى مقاعد الدراسة وللحيلولة دون تسرب آخرين فقد سعت الجهات المختصة في الحكومة السودانية ومكتب الإغاثة للعائلات السورية بالسودان الى إنشاء مدرسة للطلاب السوريين وفقاً للمنهج السوداني على أن يتولى تعليمهم كادر سوداني وسوري من المعلمين، كما علمت “الصيحة” وقتها فإن الهدف من المدرسة دمج الأطفال السوريين في المجتمع السوداني وإخراجهم من الأزمة النفسية التي خلفتها الأحداث بسوريا عليهم، وبمرور الأشهر ها هو العام الدراسي الجديد قد ابتدأ وتحولت الأحلام الى واقع عقب افتتاح مدرسة سمية بنت الخياط النموذجية الأساسية المشتركة التي تعتبر خطوة في طريق وضع حلول نهائية لمشكلة الطلاب السوريين مع التعليم، وقد قوبلت استجابة الحكومة السودانية وتعاونها الكامل حتى رأت المدرسة النور بالاشادة من كل السوريين بالخرطوم.

كسر حاجز اللغة
عقب الافتتاح في السابع من هذا الشهر الذي شرفه والي الخرطوم ووزير التربية والتعليم وعدد من القيادات السياسية والمجتمعية الرفيعة سعت “الصيحة” لاستنطاق عدد من المسؤولين عن مدى إمكانية المدرسة في حل مشاكل التعليم مع الطلاب السوريين بالخرطوم، وهنا تشير المسؤولة عن ملف التعليم السوري بوزارة التربية والتعليم، نسيبة صلاح الدين الأيوبي إلى أن تجربة المدرسة السورية السودانية تعتبر رائعة وغير مسبوقة، وقالت إنها تسهم في حدوث اندماج بين الطالبات السوريات والسودانيات وبين الإدارة السورية السودانية وما بين المعلمات السوريات والسودانيات، وأضافت: نحن كشعب سوري لنا خمس سنوات نعيش في الحرب والصراع وأطفالنا يدخلون المدارس السودانية، ولكننا نعاني من مشكلة اللهجة فالطالبات انتقلن من حصار وحرب وحياة جديدة عليهن ولبيئة تعليمية ليست كتلك التي نشأن وترعرعن فيها، ولحل هذه المشكلة أصدرت وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم قراراً قضى بجمع الطالبات السوريات في مدرسة واحدة وسيكون تدريس الصفوف الثلاثة الأولى باللغة العربية الفصحى عبر مدرسات سوريات لتجاوز حاجز اللهجة فقط، وبعد هذا تكون الطالبة قد تأسست جيدًا ولم يعد لديها أي مشكلة مع اللهجة، كما أن التلميذة ستخرج من الصف الثامن وهي حافظة لكتاب الله سبحانه وتعالى خلال سنوات تعلمها في المدرسة والمنهج سيكون سودانياً مضافاً إليه مادتي التاريخ والجغرافية السوريتين اللتين ستدرسان في ساعات إضافية للطالبات السوريات، مؤكدة على أن المدرسة من شأنها وضع حد نهائي لمشاكل التعليم التي تواجه السوريين بالسودان.

علاقة جيدة
وعن العلاقات بين البلدين قالت نسيبة الأيوبي: أنا من ضمن السوريات الموجودات في الخرطوم منذ زمن ليس بالقصير وقد اندمجن تماماً مع المجتمع السوداني ولا تواجهنا صعوبات في التواصل، وقد عملنا على أن نكون جسراً لتوطيد العلاقات بين الإخوة السودانيين والسوريين الذين حضروا خلال السنوات القليلة الماضية، والعلاقة اعتبرها في أفضل حالاتها، وتجربة المدرسة أعطتنا نموذجا جميلاً يوضح حقيقة التعايش بين شعبين طيبين وإن شاء الله تكون تجربة رائدة في العالم أجمع .

تطلع للأفضل
أما السورية إسراء محمد صالح والدة لطفلتين مسجلتين في مدرسة سمية بنت الخياط، الأولى في الصف الثاني والثانية في الصف الرابع، فقد أشارت في حديث لـ (الصيحة) الى أنها وعندما علمت بإنشاء مدرسة مشتركة بين الطالبات السودانيات والسوريات سارعت الى تسجيل ابنتيها وذلك لأنها تعتقد بأن المدرسة ستوفر لطفلتيها الجو الذي يساعدهما على التحصيل الأكاديمي الجيد، وقالت إن حاجز اللهجة كان يمثل لها هاجساً كبيرًا بداعي شكوى طفلتيها من هذا الأمر، وتمنت أن ترى تقدماً أكاديمياً في مشوار ابنتيها.

الكادر التعليمي
المدرسة تضم كادراً تعليمياً من أكفأ حملة الشهادات والخبرات السورية والسودانية، وتضم 13 معلمة سورية و12 معلمة سودانية وإدارة مشتركة سورية سودانية، تم اختيارهم من قبل وزارة التربية والتعليم حسب ما قالته معلمة لنا بأنه كان هناك امتحانات في وزارة التربية والتعليم تم التقدم لها واللجنة مكونة من مختصين أشرفوا عليها وأضافت: أحمل شهادة ترجمة انجليزية من جامعة دمشق وقدمت طلب تعيين وأجريت الامتحان في وزارة التربية وتم قبولي والحمد لله وسأدرس الصف الخامس والسادس بسبب وجود خبرة سابقة بالتدريس .

جهود مشتركة
وفي حديث مع السيد مازن سميح البيات المدير التنفيذي في مكتب إغاثة العائلات السورية في السودان قال عن المدرسة إنه وبعد صدور قرار رئيس الجمهورية المشير عمر البشير القاضي بمجانية التعليم للسوريين عقدوا اجتماعاً في اللجنة الشعبية لإغاثة الشعب السوري ووزارة التربية والتعليم، وأنه عقب عدد من الاجتماعات صدر قرار يقضي بترشيح 8 مدارس للبنات والأولاد وكانت مدرسة سمية بنت الخياط إحدى الخيارات وأضاف، إلا أننا أدخلنا عليها بعض التعديلات مثل (مكيفات, خيمة شمسية, ترحيل للطالبات)، وقد تم الافتتاح بحضور والي الخرطوم ووزير التربية وأعضاء اللجنة العليا وتعتبر هذه الخطوة بداية إن شاء الله وهناك خطوة قادمة لمدرسة للذكور ستكون قريبة من مدرسة سمية بنت الخياط تستوعب أكبر عدد من الأولاد ونحن لا ندعي أننا نستطيع استيعاب كل الطلاب السوريين الموجودين بالسودان، وذلك لوجود 133 ألفاً وإذا تم قبول طالب واحد من كل أسرة فهذا يعني أن عدد الطلاب سيصل إلى ثلاثين ألفاً، ويشير الى أن بمدرسة سمية بنت الخياط 220 طالبة منهن 60 في الصف الأول، معتبراً أن هذه بداية جيدة، وأشار الى أن الشهادة المعتمدة ستكون هي السودانية لأنها أكثر ضماناً وقبولاً من السورية لدى الجامعات العالمية.

عمل متواصل
ويبدي رئيس لجنة الحصر والمعلومات التابعة للجنة الشعبية لإغاثة الشعب السوري في السودان أحمد حسن الشوربجي سعادته الكبيرة بافتتاح مدرسة سمية بنت الخياط المشتركة، وقطع بأنها خطوة إيجابية في الطريق الصحيح وذلك لأنها ستساعد في وضع حد لمشاكل التعليم التي تواجه الطلاب السوريين، وأشاد بتشريف والي الخرطوم ووزير التربية افتتاح المدرسة معتبراً هذا تأكيداً واضحاً على اهتمام الحكومة بقضايا السوريين، موضحاً أن المدرسة تضم 110 تلميذة سودانية و220 سورية، ولفت الى أن الغرض من هذه المدرسة دمج الطالبات السوريات في المجتمع السوداني، وقال إن الهدف من إضافة مادتي التاريخ والجغرافيا الحفاظ على الهوية السورية. وأكمل : كل هذا كان بتوجيهات من السيد رئيس الجمهورية المشير البشير والفكرة توفير تعليم مجاني لكل السوريين في السودان وهذه أول مدرسة ولن نكتفي بمدرسة واحدة خصوصاً أن السوريين منتشرون في جميع أنحاء الولاية (الخرطوم – بحري – أمدرمان) فهذه المدرسة في الخرطوم وستكون هناك مدرسة في بحري وإن شاء الله توجد مدرسة قادمة للأولاد وسنسخر كل جهودنا لخدمة جميع السوريين في السودان وأبنائهم حتى يكون تعليم أبنائهم مجاناً، وقال شوربجي إن اللجنة الشعبية السودانية السورية بذلت مجهودات مقدرة خلال الفترة الماضية وكان لها إسهام مقدر في خروج المدرسة المشتركة الى الوجود، كاشفاً عن أن اللجنة الشعبية تعمل بالتعاون مع وزارة الداخلية لاستخراج بطاقات للسوريين، مبدياً تفاؤله بأن المرحلة القادمة ستشهد العديد من الإنجازات.

الخرطوم: ميريام عمران خليفة
صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. مبادرة طيبة لكن أنبه إلى أن الدكتور مصلح محجوب الحسن قام بدراسة مشاكل منهج اللغة الانجليزية التي تواجه الطلاب غير السودانيين من حيث المحتوى ذو العلاقة بالمفردات والمسميات السودانية البحتة وصعوبه هضمها وفهمها من الطلاب الغير سودانييم لاختلاف الثقافة. جانب لفوي مهم لابد من الالتفات اليه من الآن.