جعفر عباس

ما يأتي «إيزي» يروح «إيزي»


هناك حكمة بالإنجليزية تقول easy come, easy go أي أن ما تكسبه بسهولة، أي من دون أي جهد يضيع بسهولة، وتلاحظ ذلك في شخص بلا مؤهل أو مهنة يقضي العمر صائعا ضائعا ثم يرث مالا كثيرا عن قريب له، وبعد سنوات قليلة يصبح صائعا ضائعا «ع» الحديدة، لأنه ينفق المال الذي أتاه فجأة إنفاق من لا يخشى الفقر، وهذا ما حدث مع مايكل أنتونيوتشي، الذي كان -حتى عام 2008- يملك متجراً ناجحاً للتحف، ثم ربح نحو أربعة ملايين دولار في اليانصيب (اللوتري) البريطاني، وعلى الفور أسس محلاً للتسجيلات الموسيقية بنحو 400 ألف دولار، واشترى مطعما فخماً بالشيء الفلاني، ثم اشترى سيارتي مرسيدس بنحو 120 ألف دولار، وزورقاً بخارياً بـ 120 ألف دولار، وملابس (دفعة واحدة) بـ 40 ألف دولار، وكانت أكبر صفقاته أنه اشترى زوجة «تجنن». كانت راقصة ستريبتز (عُري) وكلفه حفل الزفاف نحو 70 ألف دولار، وقبلها أنفق 7 آلاف دولار لحشو نهدها المتهدل بالسيليكون، ثم اشترى منزلا بنصف مليون دولار، وسجله باسم العروس مع إحدى سيارتي المرسيدس، هذا طبعاً بالإضافة إلى المجوهرات (اللي هيّ)، وخلال حفل الزفاف سكر الضيوف وتخطوا قواعد الحشمة في التعامل مع النساء اللاتي كن من ضمن الحضور، منهم من انهال بالقبلات على كل امرأة تمر بجواره، فنشبت مشاجرة أدت إلى نزول بعضهم ضيوفاً على المستشفيات.. وبانتهاء حفل الزواج كان (الزواج) قد انتهى، فالعروس «الرقاصة من دون هدوم» كانت تعرف أنها تتزوج برجل أكبر سناً من أبيها، ونالت منه كل ما تريد: بيتاً وسيارة ومجوهرات أشكالاً وألوانا، ولم تسمح له حتى بمجرد ملامستها بيده، وبعد أن صبرت عليه ثلاثة أشهر (شوف الذوق)، طردته من البيت.
وبعد ذلك بأيام قليلة عرض أنتونيوتشي المطعم ومحل التسجيلات للبيع بعد أن صار على الحديدة، أي مفلساً تماماً، وتلقى عرضاً واحداً بشراء المطعم، وكان بقيمة.. حاول التخمين: نصف مليون؟ لا.. ثلاثمائة ألف؟ لا.. طيب خمسين ألف؟ لا.. عشرة آلاف؟ أووووه.. ما هذه التخمينات الغبية؟ سأعطيك آخر فرصة لآخر تخمين: مائة جنيه؟ لا ثم لا ثم لا ثم كلا، كان العرض يساوي واحدا على المائة من الجنيه الإسترليني، يعني (ون بني) كما يقول الانجليز… وهكذا وبما تبقى عنده من نقود اشترى الرجل سريراً ووضعه داخل محل التسجيلات الذي اتخذ منه مسكناً، أما العروس واسمها كيلي فقد كسبت تلك الأموال، ومعها (الشهرة)، وظهرت لها صورة عارية في الصفحة الثالثة من صحيفة (ذا صن) البريطانية الشعبية، وهذا هو غاية المرام لكل من تريد أن تطرح نفسها في السوق للتعري وأغلفة المجلات.
هذه حكاية كلاسيكية عن «مستجد النعمة»، وإذا تلفت حولك ستكتشف أن بعض من تعرفهم لا يختلفون كثيراً عن أنتونيوتشي هذا.. هناك من نال وظيفة لا يستحقها ذات راتب كبير فلجأ إلى البنوك مقترضاً مئات الآلاف أو الملايين، بضمان الوظيفة لبناء بيت يليق بالمنصب الجديد وسافر شرقاً وغرباً، ثم طارت الوظيفة، ويتحول البيت غير المكتمل إلى معلم أثري ويصادر البنك كل ما عنده باستثناء ملابسه الداخلية.
أهرش رأسك وتذكر عائلات كانت تلعب بالدينار والدولار قبل عشرين أو ثلاثين سنة، ثم لم تعد تسمع عنها، ليس لأنّ أفرادها صاروا «متواضعين»، أو لأنهم هاجروا إلى «تورابورا» للانضمام إلى تنظيم القاعدة أو طالبان، ولكن لأنّ ثروتهم صارت في خبر كان بعد أن آلت إلى أيدٍ لا تعرف كم من الجهد بذله الأسلاف لجمعها، وقد حدث لعائلتي أمر مشابه فقد انتقل والدي إلى رحمة مولاه ووجدنا في خزانته ثلاثة جنيهات كانت تعادل وقتها 45 دولارا (قل ما شاء الله)، وتبخرت تلك الثروة سريعا فاضطررت أنا ابن العز إلى الهجرة طلبا للرزق.