تحقيقات وتقارير

المشمعات.. موسم ينتعش برذاذ المطر.. دثار الفقراء


بنهاية شهر مايو المنصرم، بدأ (عبدالله العبيد) منكباً على ماكينة الخياطة العتيقة التي يمتلكها، يحيك عشرات القطع الصغيرة من أكياس البلاستيكية مع بعضها البعض، ليحصل في نهاية اليوم على عدد ما بين (5-6) مشمعات مساحتها (4×6) أمتار. ظل (عبد الله) في سباق محموم مع الخريف فأنجز عدداً لا بأس به في الوقت المناسب وانتظر قدوم المشترين من أطراف الخرطوم والولايات المجاورة، إلا أن هطول الأمطار بصورة بماغتة هذا العام ضاعف من نسبة الإقبال عليها وأشعل سوقها في الولايات المختلفة على وجه الخصوص، فارتفعت أسعارها لدرجة مريحة بالنسبة لتجارها.

فسيخ الشربات!!
الفكرة في مجملها تبدو (مباصرة) يومية لكسب الرزق بطرق ليست سهلة، ولكنها مهمة لتأمين لقمة العيش، ولهذا تطورت فكرة أن أكياس خام مواد البلاستيك تصلح إلى أن تكون مشمعات لائقة لحجب الزمهرير وأمطار الخريف عن رؤوس الفقراء أفضل من المشمعات التي تستوردها الشركات لهذا الغرض، فشرع الترزية في حياكتها بذات مقاسات المشمعات الأخرى، وبأسعار أقل منها، لكن هذا النعيم لم يدم طويلاً عندما اكتشف أصحاب المصانع أن الأكياس التي يتركونها للعمال تدر عليهم دخلاً مقدراً، بحسب (عبدالله العبيد) أشهر ترزي تخصص في مجال حياكة المشمعات بسوق ليبيا. وأضاف أن أصحاب المصانع قاموا بمنع العمال من بيعها وصاروا يبيعونها هم بنفسهم، مما أدى لرفع أسعارها لأكثر من النصف، حيث كان العمال في السابق يبيعونها بأسعار بخسة للغاية، وعندما تشتري من أحدهم خمسين كيساً، يمكن أن يمنحك عشرين أو ثلاثين كيساً بالمجان.
إلا أن أصحاب المصانع عينوا لها محاسبين وعمالاً، فبلغ سعر الكيس الواحد جنيهين. وتبعاً لهذا ازدادت أسعار المشمعات نفسها، فأصبح سعر المشمع مقاس (3،30×4) أمتار، يتراوح ما بين (45-60) جنيهاً. وأما المشمع (4×4) أمتار يتراوح سعره بين (65-80) جنيهاً. ويبين (عبد الله العبيد) بأن النوع الأول يستخدم لعرش المطابخ والغرف الصغيرة، وأما الثاني فهو للرواكيب والغرف الكبيرة.

دثار الفقراء
استخدام مشمعات الأكياس لا تنحصر على مناطق بعينها، إذ فاقت شهرتها الأنواع الأخرى من المشمعات بسبب جودتها ومتانتها، فكثر الطلب عليها من الولايات خاصة دارفور وكردفان وجبال النوبة وسنار، بحسب (عبدالله العبيد) حيث درج تجارها على أن يأتوا باستمرار ويأخذون كميات كبيرة منها من أجل سد نسبة الطلب العالية عليها. وبعض آخر من التجار ترسله منظمات بعينها ليقوم بشرائها نيابة عنها لتمنحها لسكان المعسكرات في مناطق النزوح، أما المواطنين في أطراف الخرطوم يأتون لسوق ليبيا بأنفسهم لشراء حاجتهم مباشرة من السوق أو من الأسواق الصغيرة داخل الأحياء.
كغيرها من السلع المهمة كما وصفها (عبدالله العبيد) لها موسم محدد يتضاعف فيه إقبال الناس على شرائها، فيبدأ بنهاية مايو وينتهي بنهاية الخريف.

# وارد برة
مصدر تلك المشمعات كما وصفها (عبدالله العبيد) هو الأكياس التي تأتي من الخارج وعاءً للمواد الخام الخاصة بالصناعات البلاستيكية المختلفة، وسعة كل كيس خمسة وعشرون كيلو. ويتم استيرادها من المملكة العربية السعودية والكويت وقطر ومصر، وأجودها هو المستورد من الكويت، فهو دون غيره يمتاز بجودته العالية ومقاومته لكل عوامل الطبيعة. بدوره لم ينكر (عبدالله) أن تلك المهنة خرجت من رحم العدم، لتكون ملجأ ومصدر رزق لعدد وافر من العمال والمحاسبين والترزية الذين أصبحت مهنتهم الرئيسة خلال السبعة أعوام الماضية، بل زاد بقوله “إنها تسير نحو ريادة الأعمال والمهن الهامشية في السوق بعد أن أصبح لها رواد وزبائن ومحلات تجارية عملاقة يديرها العشرات من التجار”.

الخرطوم- صديق الدخري
صحيفة اليوم التالي