مقالات متنوعة

اسحاق الحلنقي : براءة الدكتور إسماعيل الحاج موسى


٭ أثناء مرافقتي للراحل الحبيب عمر الحاج موسى في زيارة قام بها إلى كسلا قرأ لي مقاطع من خطبة خطها بقلمه الرائع تحية منه للمواطنين من أهل المدينة، وأضاف بلهجة فيها نوع من المواربة : هل تعلم أن أخي الدكتور إسماعيل كان له رأي مخالف في هذه الخطبة، أكد فيه أن كسلا برغم جمالها إلا أن هناك مدناً لا تقل عنها جمالا وقد تتفوق عليها؟ أحس الراحل العزيز بشئ من الحزن يغمرني ففاجأني ضاحكا وهو يعترف لي ببراءة أخيه إسماعيل من هذه العبارة، وإنما الأمر كله يتخلص في مزحة صغيرة أراد أن يختبرني بها عن مدى ما أكنه لكسلا من محبة، ثم توجه بنظره إلى نافذة الطائرة يتأمل سلسلة لجبال سمراء اسمها التاكا.
٭ تشاء الأقدار أن يكون الفنان الراحل حسن عطية جالساً على المقعد الذي يجاور مقعدي علي ساحة المسرح القومي في حفل أقيم في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري، بمناسبة توزيع أوسمة العلم والآداب والفنون علي عدد من المبدعين من الشعراء والفنانين وقد كنت والراحل العزيز من بين هؤلاء المكرمين، وفجأة وجدت نفسي أتحدث إليه عن أغنيته (حرمان) عن العلاقة الخاصة التي تجمعني بهذه الأغنية وكيف إني حين أستمع إليها ليلاً أشعر بأنها تدفعني إلي شيء يشبه البكاء، فقال لي ممازحاً : إذن عليك أن تسمعها نهاراً، وبذلك توفر عليك دموعاً أنت في حاجة إليها.
٭ كانت أغنياتي في بداية السبعينات تملأ أرجاء الإذاعة السودانية إلي درجة أن برنامج ما يطلبه المستمعون أذاع لي في حلقة واحدة أكثر من خمس أغنيات، وقد دفع بي هذا الشعور إلي إرتداء ريش طاؤوس أمام زملائي من الشعراء، ولكن يبدو أن الأخ مسؤول البرامج في الإذاعة لم يقبل بهذه (النفشة الطاؤوسية) فقال لي متحدياً إنه لن يعترف بي كشاعر إلا إذا غنى لي الفنان الكبير عبد الكريم الكابلي، وإذا تم ذلك فإنني سأتوجك ملكاً على الأغنية السودانية، بعد أسابيع من هذا التحدي غنى لي الكابلي (شربات الفرح) فجئته أطالبه بتتويجي، فقال لي أغنية واحدة لا تكفي، الغريب في الأمر إن الحظ لم يساعدني في كتابة الأغنية الثانية للكابلي حتى هذه اللحظة.
٭ وقفت أمامه زوجته لتقول له بصوت راعش إنها حبلي بالطفل الرابع ، هاج وماج وصار يصرخ في وجهها قائلاً : من أين لنا أن نطعمه ونسقيه وأنا لا أملك إلا حفنة من الجنيهات اتسلمها آخر الشهر فتذهب في رحلة طويلة دون أن تترك لي ثمناً لحبة من الأسبرين ، بعد أشهر فاجأها المخاض فأنجبت طفلها الرابع، فأخذ أبناؤه الثلاثة لرؤية والدتهم في المستشفى وهو يتميز غيظاً، وفي الطريق تعرضوا لحادث سيارة أليم أودى بحياة أطفاله الثلاثة، أما طفله الوليد فإنه عاش لمدة ساعتين فقط غادر بعدها.
٭ تردد الفنان الراحل إبراهيم عوض كثيراً في تقديم أغنيته (قلبك حجر) وكان يقول دائماً أن المحب لا يمكن أن يكون قلبه حجراً، وأن المحبة من المفترض أن تقدم لها الانحناءة الملكية من كل البشر، وليس حجراً يلقى عليها فتموت اختناقاً، بعد إصرار من الموسيقار عبد اللطيف خضر قدم الفنان إبراهيم عوض (قلبك حجر) فأحالت الأحزان إلى شامة على خد صبية كأنها قطرة ندى على خد برتقالة من حدائق بابل المعلقة.
هدية البستان:
يا قاضي المحنة
لو تعذيبي عاجبك
في الحكم النطقتو
رب الكون بحاسبك