جمال علي حسن

تركيا.. الديموقراطية تحمي نفسها بنفسها


كثيرون في السودان أغضبهم تعليق عبد الله غول الرئيس التركي السابق على المحاولة الانقلابية الفاشلة التي حدثت في تركيا يوم الجمعة وهو يقول: إن تركيا ليس بلداً في أفريقيا حتى تنجح فيها انقلابات عسكرية .
وحديث غول صحيح برغم أن تركيا ظلت هي البلد الوحيد من الديمقراطيات المتقدمة في العالم التي تعرضت لانقلابات سوداء وبيضاء خلال العقود الماضية، لكن حديث غول صحيح لأن وضع تركيا الصحي الديموقراطي الآن يختلف حتى عن وضعها قبل آخر انقلاب حدث عام 1980 أو ما بعده ذلك الانقلاب الأبيض على أربكان عام 1997 ويختلف أمر تركيا لسبب بسيط هو أن التجربة الديموقراطية المعاصرة هناك تستفيد من تعثراتها وتتطور في كل مرة كما أن هذه التجربة الديموقراطية لم ترتبط بفشل الدولة وفشل الحكومات المنتخبة بل ارتبطت بنجاح الدولة وتقدمها وتطورها إذ حققت تركيا أعلى القفزات الاقتصادية والتنموية في ظل حكومة منتخبة، فتحول هذا النجاح إلى مناعة إضافية للوضع الدستوري وللتجربة الديموقراطية..
هذه المناعة وحدها هي التي حصنت تركيا من الردة الانقلابية يوم الجمعة وشكلت مصدر قوة لديموقراطيتها جعلتها تهزم الانقلابيين وتدحرهم دحراً .
تركيا ليست مثل مصر التي لم تتمكن من الحفاظ على الديموقراطية وتركيا ليست مثل السودان الذي لم تستطع التجربة الديموقراطية فيه حماية نفسها وخلق مناعة شعبية تدافع عنها وتحميها من الانقلابات .
فمثل هذه المناعة لا تتحق إلا بإزالة أسباب الانقلابات بشكل كامل عبر تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والعدالة وحكم القانون .
الديموقراطية ليست ممارسة انتخابية بل هي نتائج وثمار لهذه الممارسة بحيث تقدم الأحزاب برامج حقيقية وتقدم كوادر مؤهلة وتلبي طموحات الشعب .
ولا معنى لديموقراطية يجوع فيها الناخب أو يتسول بعد أن يمنح صوته لمن يحكمه، وحين استنفر أردوغان شعبه للخروج لحماية الديموقراطية يوم الجمعة كان واثقاً في دعم هذا الشعب له وللديموقراطية التي هي مكسب من مكاسب الشعب التركي وعلى المواطن حمايتها لو كانت فعلاً مفيدة بالنسبة له، لذلك كان أردوغان يستفتي شعبه وليس فقط يستنفره لحمايته هو شخصياً أو حماية النظام .
كان يستفتيه لأنه رئيس منتخب واثق تماماً من كتابه ومن إنجازه الذي حققه للشعب التركي .
تركيا فعلاً ليست بلداً أفريقياً فالديموقراطية فيها متطورة وراسخة ولا يوجد سبب يبرر تعاون الشعب أو تقبله لنظام انقلابي في تركيا، ولو كره الآخرون الذين احتفوا كثيراً بالمحاولة الانقلابية التي فشلت، فلو سقط أردوغان قبل أن يسقط المجرم بشار الأسد، وقبل أن يسقط النظام الطائفي في العراق، فإن شيئاً غريباً في هذا الكون سيكون قد حدث.
تركيا ليست بلداً أفريقياً، صدق غول وعلينا أن نستبدل غضبنا من هذا التعليق بالتعمق والتفكير في أزمات الديموقراطية في دولنا وأسباب نجاح الانقلابات الأفريقية في عصر ما بعد الانقلابات في هذا العالم .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.