تحقيقات وتقارير

الذهب.. مناجم دارفور على خطى التهريب


تعتبر الصادرات غير النفطية بالسودان بمثابة الداعم الحقيقي للاقتصاد القومي، غير أن القطاع لم يتمكن من القيام بهذا الدور على مدى الخمسة عشر عاماً الماضية وخصوصا بعد استخراج النفط الذي اعتمدت عليه الحكومة كلياً في الحصول على مواردها، ونتج عن ذلك إهمال قطاعات اقتصادية هامة ومؤثرة كما لم يتم الاهتمام بالموارد الطبيعية المتعددة التي يزخر بها السودان خصوصاً الذهب، فالمعدن الأصفر ذو الوجود المؤثر في الاقتصادات العالمية كان بإمكانه أن يشكل مصدر دعم حقيقياً لاقتصاد البلاد في حال تم إيلاؤه الاهتمام اللازم.
ويشير مراقبون إلى أن اهتمام الحكومة الرسمي بالنفط دون غيره من القطاعات الاقتصادية الأخرى يعد أحد الأسباب التي اأسهمت في تقليل صادرات البلاد غير النفطية خصوصاً الذهب، علاوة على المحصولات الزراعية والمنتج الأكثر قيمة الصمغ العربي مع الإشارة إلى أن الاعتماد على النفط لوحده خلق فجوات بائنة لم تفلح المجهودات الحكومية في التعامل معها .
إمبراطورية الذهب
في مارس الماضي كشف تقرير سري أصدرته لجنة الأمن التابعة للأمم المتحدة عن كسب بعض الجهات بدارفور مبلغ 54 مليون دولار سنوياً من منجم ذهب جبل عامر الذي يعتبر أكبر مناجم الذهب غير الرسمية في دارفور، وقال التقرير الذي نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية إن روسيا عرقلت نشر التقرير ورفضت قبوله بسبب عدم حيادية اللجنة التي أصدرته، وقالت إنه مبني على الافتراضات أكثر من الوقائع واشترطت لقبوله أن يصدر من جهات خارج مجلس الأمن الأمر الذي رفضته اللجنة كونه يشكك في مصداقيتها. وقال تقرير اللجنة إن تجارة الذهب في دارفور وضعت أكثر من 123 مليون دولار في جيوب الجماعات المسلحة في جميع أنحاء دارفور بالإضافة إلى الأرباح فيما رأت موسكو دفع الفريق للتدقيق في صناعة الذهب في السودان كجزء من حملة ذات دوافع سياسية لمعاقبة وإضعاف الخرطوم بدلاً من تعزيز السلام والأمن في دارفور، وقال التقرير إنه وبين عامي 2010 و2014، تم تهريب أكثر من 4.5 مليار دولار من الذهب من السودان إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وفقاً لتقرير لجنة الأمم المتحدة، وفي عام 2008، بلغت نسبة الذهب 1 في المئة فقط من إجمالي الصادرات السودانية، وذكر التقرير بحلول عام 2014، ارتفع هذا العدد إلى 30 في المئة.
وخلص التقرير إلى تحول منطقة ومنجم جبل عامر بدارفور إلى جهاز صراف آلي عملاق حيث يؤخذ من تجار تعدين الذهب 164 دولاراً شهرياً من أجل السماح لهم بالقيام بأعمال تجارية في الموقع كما على الراغبين في تقديم الخدمات للمنقبين عن الذهب دفع ما يصل إلى 197 دولار شهرياً، وأضاف التقرير أن شخصاً واحداً يملك اكثر من 400 منجم في جبل عامر .
بديل للنفط
بعد خروج نفط الجنوب بسبب الانفصال في منتصف العام 2011، ذهبت حوالي 70% من إيرادات الدولة مع الدولة الجنوب الوليدة، وأسهم قرار الانفصال في فك ارتباط آبار النفط التي تقع في الأراضي مع الخزينة المركزية التي عانت الخواء لفقد هذا المصدر الهام وتمثلت أبرز البدائل المتاحة في الذهب باعتباره مورداً موجودًا بكميات كبيرة، بيد أنه يحتاج لقليل من تعزيز الاهتمام به في مجالات الاستكشاف والتسويق وتنظيم التعدين التقليدي وهي خطوة كانت من الممكن أن تجعل المصدر الأول لإيرادات الخزينة العامة كبديل عن النفط بيد أن جهود استخراجه وتسويقه لم تفلح بالشكل المطلوب كما أن كميات كبيرة من الذهب وخصوصاً في مناجم التعدين الأهلي في دارفور تهرب لخارج البلاد ملحقة بالبلاد خسارة مزدوجة، الأولى في التفريط في موارد هامة والثانية في فقد إيرادها الدولاري المتوقع وهو إيراد ضخم على أي حال .
تهريب واسع
الثابت أن جهود السودان للاستفادة من عائدات المعدن الأصفر خاصة في مناطق دارفور لم تسر بالشكل المطلوب، فما تزال الشواهد ماثلة للعيان وتؤكد أن كميات كبيرة من الذهب لا يستفاد منها بشكل مدروس فهي تهرب للخارج بشكل واسع بسبب عقبات عديدة يشير إليها منتجو الذهب والعاملون بمواقع التعدين التقليدي بأن بيع الذهب للحكومة يأتي بعائد أقل بكثير منه ومن الأفضل لهم بيعه لأسواق خارجية تدفع مقابلاً أفضل كما تطل قضية وقف تصدير الذهب الذي أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية التي فرضت حظراً على تصدير الذهب السوداني للخارج، بيد أن بنك السودان سارع للتقليل من القرار، وقال في معرض تبريره لرؤيته أن الحصار الاقتصادي المفرض أحادياً على السودان ليس له أثر على السلع الاستراتيجية ومنها الذهب. وأكد محافظ بنك السودان المركزي عبد الرحمن حسن عبد الرحمن أن جهود تحسين علاقات السودان الخارجية جعلت العلاقات مع الدول الشقيقة أكثر من متميزة، مؤكدًا استفادة السودان في مستوى دعم الاحتياطات من النقد الأجنبي بدعومات مباشرة في شكل ودائع وقروض ومنح لتوفير الاحتياجات من السلع الأساسية بشروط ميسرة، مؤكداً استمرار البنك المركزي في سياساته في استلام نصيب الحكومة من العوائد الجديدة من الأرباح للشركات التي تعمل في مجال تعدين الذهب عيناً، وأشار إلى أن سياسات الدولة الآن التي قامت بضبط التعدين الأهلي وتنظيمه ساعدت البنك المركزي ومكنته من توفير العملات الأجنبية، وأضاف أن البنك سوف يواصل جهوده في التدخل لمساعدة المصارف لتوفير النقد الأجنبي بالأنشطة الهامة، لافتاً إلى ضخ ما يعادل 117 مليون دولار للمصارف. وقال إن هذه ساعدت كثيراً في زيادة قروض العملات الأجنبية المتوفرة في الجهاز المصرفي، وأكد على أنها ستجعلهم يحرصون على دعم السياسات المالية من أجل التعامل داخل الجهاز المصرفي .
للخبير الاقتصادي د. عثمان البدري رؤية تؤكد على أن عائداته تسهم في رفد الخزينة العامة للدولة بحوالي 50% من الموارد. ويؤكد البدري في حديثه للصيحة أن الوصول لهذه النسبة دونه خطط ودراسات معتبراً السياسات الحكومية للاستفادة المثلى من المعدن الأصفر ما تزال قاصرة، ولم تنجح في بلوغ المرام منها لافتاً إلى أن الكميات المنتجة من الذهب لا تذهب جميعها للحكومة بل للشركات صاحبة نصيب وافر منها عازياً سبب اتجاه المعدنين لتهريب الذهب من مواقع الإنتاج رأساً لأسواق خارجية إلى فرض السلطات لرسوم وضرائب متعددة عليه كما أنها لا تبتاعه من المنتجين بأسعار مشجعة وهو ما يدفعهم للبحث عن مشترين يدفعون أكثر وشدد على أهمية وضع سياسات تشجيعية للإنتاج والشراء بأسعار مجزية حتى تنجح الحكومة في كبح جماح التهريب.

الصيحة


تعليق واحد

  1. فرض رسوم عالية على إنتاج البلد من المعادن أو حتى تصدير اللحوم الحية ، هذه الرسوم تضُر بالمنجين أكثر وتجعلهم يفكرون في التهريب بأي طريقة كانت ودونكم تهريب الذهب عن طريق حدود دارفور والحدود الشرقية والشمالية، أليس من الأولى تخفيف رسوم الإنتاج حتى تستفيد الدولة من جميع أنواع الصادر، وحتى لا يُفكر بعض المُصدرين في التحايل مثل ما حدث قبل سنوات حينما زوّر بعض المصدرين ( إناث الخراف ) وجعلها تبدو كأنها ذكور ، وكلما كانت الرسوم في حدود معقولة زاد التصدير وزادت بالتالي العوائد لخزينة الدولة . أو هكذا نفهم التعامل مع المُصدرين حتى لا يُهربون السلع بمختلف أنواعها من معادن أو سكر أو دقيق، أو حتى إناث الخراف في شكل ذكور.