الصادق الرزيقي

حقيقة مؤامرة


> الاتهامات بتورط جماعة محمد فتح الله كولن في الانقلاب الفاشل في تركيا، تنهي وبشكل لا رجعة فيه أي أمل في إنعاش وإصلاح العلاقة المأزومة من فترة طويلة التي كانت قائمة بين هذه الجماعة وحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، فقد دق بينهما عطر منشم ولا يمكن التعايش بينهما مرة أخرى. > وشهدت علاقة فتح الله كولن وجماعته مع التيار الإسلامي الحديث في تركيا تطورات وأطوار مختلفة وصلت في فترة من الفترات إلى التحالف في الانتخابات بالرغم من أن جماعة كولن تقول إنها لا تمارس العمل السياسي، ومن وقت مبكر في عام 2013م كانت حكومة السيد أردوغان وحزبه قد أعلنا أن الجماعة تمارس نشاطاً سرياً غامضاً مشبوهاً داخل أجهزة ومؤسسات الدولة التركية، وكانت تتآمر على أردوغان وحكومته وحزبه، وظهرت للعلن قصة التنصت والتسجيلات الصوتية والاتهامات بالفساد لأعضاء بارزين في الحكومة واتهامات لنجل أردوغان نفسه، وتورطت عناصر من الشرطة والعاملين في النيابة العامة والقضاء في ذلك لتحجيم دور جماعة كولن، وأغلق العديد من المدارس التابعة لهم ودوريات إعلامية وقنوات فضائية ومنظمات كانت تمارس منها أنشطة لما يسميه الرئيس التركي الكيان الموازي. > كانت القناعة تتأسس داخل حزب العدالة والتنمية بأن التحالف نفسه مع هذه الجماعة غير منتج، فهي كقوة صوتية انتخابية لا تتجاوز أصواتها الداعمة 8% فقط من عدد الناخبين، وقبلها برزت الكثير من التساؤلات حول الجماعة، التي عارضت محاولات لكسر الحصار على غزة والشعب الفلسطيني وتسيير القافلة الشهيرة التي انتهت بالاعتداءات الصهيونية على السفينة (مرمرة) واستشهاد عدد من كاسري الحصار وبينهم مواطنون أتراك. > وتعتبر جماعة كولن من أكثر المجموعات الدينية إثارة للجدل، فهي تتبنى منهجاً إسلامياً متساهلاً يعتمد على التربية الفردية ويقوم على المنهج الصوفي للطريقة النقشبندية وأفكار السيد بديع الزمان النورسي وكتبه رسائل النور، وتختط الجماعة لنفسها طريقاً في العمل الاجتماعي سمته (الخدمة) وهو التنظيم الخاص بها، لكن كل أفكارها ومواقفها التي تتخذها مدعاة للتشكيك فيها، خاصة موقفها من العدو الصهيوني، وهي من دعاة التطبيع والتعامل معه، ولها صلات كما يقول مناهضوها مع الدوائر الإسرائيلية وعلاقات مع مجموعات اليهود الأتراك الذين كانوا يسيطرون على عصب الحياة التركية في أوقات سابقة. > وتقوم الجماعة التي يقيم زعيمها في الولايات المتحدة منذ نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي، على تنظيم معقد ودقيق للغاية لا مثيل له في كل التنظيمات والجماعات والأحزاب في العالم، فنظام الخلايا الصغيرة المنفصلة عن بعضها هو النظام الأمثل، ولا يتعارف أعضاؤها مع بعضهم البعض إلا في حالات الضرورة لتنسيق عمل محدد أو مهمة محددة وتنتهي بانتهاء هذه المهمة، وتتخذ من السرية والتقية أسلوباً في العمل، بالرغم من امتلاك الجماعة جامعات عديدة داخل تركيا وبلدان عديدة في العالم، ولها آلاف المدارس في تركيا و (180) بلداً في أرجاء المعمومة، وتمتلك مستشفيات ومراكز علمية وطبية واستثمارات ضخمة ومحطات تلفزيونية وإذاعية وشبكات إعلامية ضخمة داخل تركيا وخارجها تبث بأكثر من إحدى عشرة لغة، بجانب إصدارات تشمل مجلات وصحفاً ومجلات متخصصة أهمها صحيفة (زمان التركية) التي تم تأميمها قبل عدة أشهر، وكانت أكثر الصحف التركية توزيعاً، ووزعت أكثر من مليون نسخة يومياً. > هذا التنظيم المعقد لجماعة السيد كولن، بحكم اهتمامه بالخدمة التعليمية والصحية، استطاع التغلغل عبر النظام التعليمي الذي يبدأ من السنوات الدراسية الأولى حتى الجامعة، واستقطاب التنظيم لرجال الأعمال والشركات الضخمة واستثمارات تدر دخلاً بلغ عشرات المليارات كما تقول تقارير رسمية تركية نشرت في عام 2013م، استطاع بكل هذه الميزات التغلغل الى كل مفاصل الدولة التركية، وكان يركز على دخول عناصره الجيش وقوات الشرطة والأمن والقضاء والنيابات العامة، وذلك بعلم يقيني راسخ أن هذه الجهات هي أدوات السلطة الحقيقية، وعندما انتبه حزب العدالة والتنمية بعد عام 2013م وجد أن هذا التنظيم استولى بالفعل على مفاصل عديدة في الدولة، ومنها بدأت معركة تصفيته وإبعاده عنها. > وظلت جماعة كولن تعارض كل توجهات وسياسات أردوغان وحزبه، وسعت للتحالف مع خصومه السياسيين لإسقاطه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، كما سعت الى نشر الأباطيل والأكاذيب ضده والتنسيق مع جهات داخل وخارج تركيا للإطاحة بأردوغان، وكانت المعركة لكسر عظم الظهر بين الطرفين مفتوحة على كل الاحتمالات، ومن هنا جاءت اتهامات أردوغان وحكومته لجماعة كولن من أول لحظة من الساعتين والنصف ساعة للانقلاب الفاشل يوم (15) يوليو، بأنها وراء الانقلاب عبر عناصرها في الجيش والقضاء والنيابات وغيرها من مؤسسات الدولة. وهذا السبب يفسر حجم الموقوفين من العمل في القضاء والأجهزة العدلية والمعتقلين من الجيش والشرطة.