مقالات متنوعة

حمد المعتصم حاكم : ميثاق الدفاع عن الديمقراطية


بالرغم من أننا أصحاب مبادرات وتجارب طويلة في العمل السياسي وإدارة الدولة السودانية بالنظم الديمقراطية وأيضا الشمولية ،إلا أننا لم نستفد من كل تجاربنا الماضية ولم نحتكم للخيار الأفضل الذي يمكن أن يسود في إدارة الحكم في بلادنا ،فالتجربة الديمقراطية ،منذ أن نال السودان استقلاله وحتى يومنا هذا ،لم تتجاوز العشر سنوات في فترات متقطعة بعد الاستقلال ،وتلك الثورات الشعبية في اكتوبر 1964 وابريل 1985م والتي جاءت بعدها حكومات ديمقراطية ضعيفة فشلت في المحافظة على الديمقراطية ولم تقنع الشعب بالدفاع عنها في حين أن تجاربنا مع حكم الفرد والأنظمة الشمولية العسكرية قد دامت لأكثر من نصف قرن من الزمان وهذا لا يعني بأية حال من الأحوال أن الديمقراطية فاشلة أو أن هناك أي بديل لها غير المزيد من الديمقراطية وترسيخ مفاهيمها في وجدان الشعب السوداني بل صياغتها في المناهج التعليمية كأحد أعمدة التربية الوطنية بالنسبة للنشء في دولة العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان ، والمواطنة القائمة على التمييز الثقافي والعرقي والديني وأن نتعلم جميعا كيفية الحفاظ على الديمقراطية والدفاع عنها ، وأذكر أنه في عام 1986م وبعد انتفاضة أبريل 1985م تجمعت كل الأحزاب السياسية السودانية بقياداتها في ميدان المدرسة الأهلية بأمدرمان ووقعت على وثيقة هامة جدا تتعلق بالدفاع عن الديمقراطية وحمايتها من أخطار الحكم الشمولي والانقلابات العسكرية ولكن للأسف رفضت الجبهة القومية الإسلامية الانضمام لتلك الفكرة التي وقعت عليها أحزاب الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة والحزب الشيوعي السوداني وبقية الاحزاب الفاعلة في ذلك الوقت، وسرعان ما واجه الشعب انقلابا جديدا في يونيو 1989م بدون أدنى مقاومة وبدون معارضة ليعود السودان مرة أخرى لحكم العسكر، وذلك بسبب غياب ثقافة حماية الديمقراطية والدفاع عنها ،وبما أننا الآن نحن جميعا أمام خيار الحوار الوطني الشامل الذي يفضي لإقامة الدولة السودانية الديمقراطية الحديثة ، فهذا بالضرورة يتطلب توقيع كل القوى السياسية على ميثاق شرف جديد للحفاظ والدفاع عن الحكم الديمقراطي، وأمامنا الآن التجربة التركية حيث خرج كل الشعب هناك في مواجهة دبابات الانقلاب العسكري انتصارا للديمقراطية والشرعية التي اختارها الشعب كمنهج للحكم لا بديل له ، وبالتالي نحن في أمسّ الحاجة لوثيقة الدفاع عن الديمقراطية التي تجنبنا كل مخاطر الانقلابات العسكرية المحتملة ، بعد ان يتم الوفاق وتعود الديمقراطية لبلادنا في شكلها الجديد الذي لا يستثني أحدا.