عثمان ميرغني

اعتقال “الفريد تعبان”..!!


تأسفت للغاية لاعتقال زميلنا الأستاذ (الفريد تعبان) رئيس تحرير صحيفة (جوبا مونتر) في جنوب السودان.. “الفريد” لم يفعل أكثر من التعبير عن رأيه في الأزمة السياسية الدامية في بلده واقترح تنازل الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه الدكتور رياك مشار واستقالتهما عن منصبيهما حلاً للأزمة..
“الفريد تعبان” واحد من أكثر الصحفيين الملتزمين بالموضوعية والرصانة وتجنب المهاترة والعنف اللفظي المفرط.. وظل يواصل رسالته الصحفية في مدينة جوبا رغم المخاطر والمشاق الضخمة من كل الاتجاهات بما فيها وعورة صناعة الصحافة وكلفتها المالية الجسيمة.. ويكفي للدلالة على رهق العمل الصحفي في جنوب السودان؛ أن مدير تحرير “جوبا مونتر” ظل لفترة طويلة يدير عمله من مدينة “نيروبي” لحيثيات تتعلق بسلامته الشخصية.
المطالبة بتنازل الرجلين عن منصبيهما يسندها منطق وحجة قوية .. ليس من بينها- على الإطلاق- محاولة قياس الوزن السياسي لأي منهما، أو الدور الذي يمكن أن يلعبه.. المنطق ينحصر فقط في كون أن الأزمة السياسية في جنوب السودان بدأت من منصة الخلافات المريرة بينهما؛ ولا تزال.. ولو كانت مجرد خلافات تحمل زفرات التباغض والغبن المتبادل لما احتاج الأمر لدرهم قلق.. لكن هذه الخلافات بين الرئيس ونائبه كان ثمنها عشرات الآلاف من أبناء جنوب السودان الذي قتلوا في الفترة من منتصف ديسمبر 2013 حتى اليوم.. ومئات الآلاف الذين تشردوا أو لاذوا باللجوء إلى الدول المجاورة..
في وقت كان أهلنا في جنوب السودان ينتظرون من حكومتهم ودولتهم الوليدة أن تبدأ مشوار الألف ميل بخطوة في مشروعات التنمية والخدمات.. إذا بالدولة تتحول إلى أنهار دماء وشلالات أحزان ودموع.. بلد يملك كل الخيرات في باطن وظهر الأرض وفي السماء الأمطار التي تهطل لتسعة أشهر في العام.. ومع ذلك ينتحر ذبحاً بسيوف أبنائه..
ربما لن يحل الأزمة – بشكل نهائي- استقالة الرئيس ونائبه.. لكن بكل يقين أن اعترافهما بالمسؤولية عن ما حدث لجنوب السودان وأهله لا يمكن أن يقابله اعتذار بغير استقالة.. أضعف الإيمان الذي لن يغفر ما حدث، لكن على الأقل يمنح الأمل في إصلاح الحال الجلل..
دون تحديد من أخطأ في حق من، الأجدر أن يتنحى الرئيس سلفاكير ويحفظ تاريخه النضالي مصوناً من دماء أبناء وطنه.. وكذلك مشار.. ليس حلاً للأزمة الدامية فحسب، بل ليبعثا برسالة اعتذار لكل أبناء جنوب السودان..
وبدلاً من أن ينال زميلنا الفريد تعبان هذه العقوبة الصماء.. الأجدر أن يُشكر على إخلاصه لوطنه بالنصح الذي يسديه؛ في وقت يصمت فيه الكثيرون رهبة ورغبة.