حوارات ولقاءات

القطب الاتحادي مولانا “حسن أبو سبيب” في حوار الوجه الآخر بعيداً عن السياسة


** الشيخ محمد البدوي جد سعاد الفاتح كان هو السوداني الوحيد الذي يخافه الإنجليز!
** مدرسونا المصريون كانوا أصحاب نكتة.. ومدرس العربي كان يقول لنا (والنبي مش حتفهموني طالما كل واحد فيكم حاططلي عمارة على رأسه!)!
** الانجليز أحضروا “الشريف الهندي” إلى القصر وقيدوه وطلبوا من العلماء إصدار فتوى بنفيه أو إعدامه.. وهذه هي قصة بري الشريف!
حوار – سوسن يس
# متى وكيف انضممت إلى الحزب الاتحادي الديمقراطي؟
– عندما كنت طالباً كنت في تنظيم الأخوان المسلمين.. واستمررت في تنظيم الأخوان المسلمين حوالي 25 سنة.

# ولماذا خرجت من تنظيم الأخوان؟

– خرجت منه لسبب.. بعدما رجع “حسن الترابي” من فرنسا وتزوج بنت “الصديق المهدي”، بعدما نال الدكتوراة اقترح تغيير اسم الأخوان المسلمين، وقال (نغير اسم الأخوان لأنه اسم غير جاذب).. فاختلف الناس حول هذا الاقتراح، “الصادق عبد الله عبد الماجد” تمسك باسم الأخوان المسلمين، و”حسن الترابي” و”محمد يوسف” و”عبد الرحيم حمدي” و”يس عمر الإمام”، وآخرون تمسكوا باسم (جبهة الميثاق).. و”عبد الله زكريا” ومعه آخرون ذهبوا وكونوا (الجماعة الإسلامية)، والتي أصبحت فيما بعد (الحزب الاشتراكي الإسلامي)، و”علي محمود حسنين” وهو كان أخ مسلم شرس، و”حسن شبو” و”ميرغني عبد الرحمن سليمان” و”السر منوفلي”، ذهبنا إلى الحزب الاتحادي. وخرجنا من الحركة الإسلامية كلها.
# ماذا يعلق بذاكرتك من أيام دراستك وأنت طالب بالمعهد العلمي؟
– كنت مغرماً بالجمعيات الأدبية وبالمسابقات وبالأدب العربي، ومكتبتي هذه ممتلئة بكتب الأدب العربي.. وكنا نسكن بأم درمان بـ(حي البوستة)، وفي تلك الفترة – عام 45 و46 لم تكن الكهرباء دخلت البيوت، وكان النور في أعمدة الكهرباء بالشوارع فقط (نحن الطلاب كنا نشوف لينا أي عمود ونقعد تحته نذاكر).
# وموقف في المدرسة لا ينساه “أبو سبيب؟
– موقف لا أنساه أبداً.. (كان جابوا لينا مصريين في المعهد العلمي)، وهؤلاء المصريون كانوا علماء جداً يدرسوننا النحو والبلاغة وكل الأدب العربي، وكانوا (نكتية جداً). وفي إحدى المرات كان معلم الفصل الذي يجاور فصلنا غير موجود، فجاء طلاب ذلك الفصل إلى فصلنا ليحضروا الحصة معنا، فاحتج أحد الطلاب و قال للأستاذ المصري ( يا أستاذ الناس ديل طلعهم من الفصل دا لأنو البلد فيها سحائي والزحمة ما كويسة).. فقال له الأستاذ: (أوقف على حيلك.. إنت خائف من الموت؟ إنما يعجل الله بخياركم.. وإنت مش من الخيار.. اجلس)..
وأستاذ آخر كتب لنا مثالاً في البلاغة، كتب بيت الشعر الذي يقول ( ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضت وقع السهام ونزعهن اليم).. شبه النظرة بوقع السهام وشبه الإعراض بنزع السهام، وهذا يسمى تشبيه تمثيل، وطلب من الطلاب شرح البيت، فتعثر الطلاب فقال لهم ( والنبي ما حتفهمونيش طالما كل واحد فيكم حاططلي عمارة على رأسو)، وتابع مولانا “أبو سبيب” ضاحكاً: يقصد العمة.. فالطلاب كانوا يلبسون العمة والجلابية.ومن المواقف العظيمة التي لا أنساها – عميد كلية غردون كان انجليزي، وفي يوم التخريج أصر الطلاب على أن تكون لهم كلمة يلقونها في الاحتفال، ولكن العميد رفض (فهو يعرف الطلبة وعارف عايزين شنو وحيقولو شنو) .. ولكن الطلاب أصروا على أن يكون لهم كلمة وقالوا ( إما أن يلقوا كلمة أو يتم إلغاء وفركشة الاحتفال)، وبعدما تدخلت الوساطات بين الطلاب والعميد، وافق العميد على أن تكون للطلاب كلمة ولكنه اشترط أن تكون الكلمة مكتوبة، وقال لهم هناك شخصان هما يحيى الفضلي والصديق المهدي (الاتنين ما يتكلموا)، والطلاب كانوا مصرين على أن يلقي الكلمة واحد من الاتنين ثم اختاروا يحيى الفضلي ولكن العميد رفض.. و أخيراً وبعد وساطات بين الطلاب والعميد، وافق العميد على أن يلقي الكلمة يحيى الفضلي ولكنه طلب من الفضلي أن يريه الكلمة مكتوبة قبل إلقائها.. ويحيى الفضلي ذكي جداً كتب كلمتين.. كلمته التي نوى إلقائها وضعها بجيبه والكلمة الأخرى كانت كلمة مريحة جداً بالنسبة للخواجة قدمها له والخواجة انبسط جداً وسمح له بأن يتحدث في الاحتفال ويلقي الكلمة. وفي الاحتفال أدخل يحيى الفضلي الكلمة التي قدمها للخواجة في جيبه وأخرج الأخرى وقام بتلاوتها.. وفجر الموقف.
# هل سمحوا له بقراءتها حتى نهايتها؟
– نعم ولكن بعد الاحتفال الخواجة أصدر قراراً بفصلهما الاثنين “يحيى الفضل” و”الصديق المهدي”، ولكن المعلمين السودانيين بالكلية تدخلوا وقالوا للعميد إذا قمت بفصلهم، فهذه الكلية ستقفل، فقام العميد بفصلهما 15 يوماً فقط وبعدها رجعا إلى الكلية.
# الإنجليز كانوا صعبين؟
– كانوا صعبين صعبين جداً.. الشيخ “محمد البدوي” جد “سعاد الفاتح” كان هو السوداني الوحيد الذي كان الانجليز يخافون منه. والمفتش الانجليزي عندما كان يأتي لمقابلة شيخ الإسلام الذي هو “محمد البدوي”، “البدوي” كان يرسل من معه يقول لهم (شوفوا الخواجة دا راكب حصانه وللا نزل منه).. فيقولون له راكب الحصان فيقول لهم أمشوا شدوا لي حماري.. حتى يقابله وهو راكب الحمار.. فما ممكن يقابله وهو واقف في الواطة والخواجة راكب، لازم يقابله وهو راكب مثله). والشيخ “محمد البدوي” عنده موقف مع “الشريف الهندي”.
# ما هو الموقف؟
– الشريف الهندي ذهب مرة إلى الحوش بالجزيرة وتجمع حوله أنصار المهدية، فانزعج الخواجات وقالوا ( دا عايز يعمل لينا مهدية تانية لازم نحاربه). فأحضروا “الشريف” إلى القصر وجمعوا علماء السودان وطلبوا منهم إصدار فتوى بنفي “الشريف” أو قتله، لأنه خالف الحكومة. والحاكم العام طلب من العلماء عدم إخبار “محمد البدوي” إلا بعد التوقيع على الفتوى.. ثم قيدوا “الشريف” وأوقفوه وهو مقيد أمام الحاكم العام، والحاكم العام والخواجات كانوا جالسين على كراسيهم، وبعدما وقع العلماء على الفتوى أرسلوا لـ”محمد البدوي”.. و”البدوي” ركب حماره وجاء إلى القصر ووجد ا”لشريف الهندي” واقفاً أمامهم وهو مقيد، فقال لهم (دا مالو ).. مدوا له الورقة التي وقع عليها العلماء، وبعدما قرأها أخذ يقطع الورقة ويدخلها في فمه يلوكها ثم يلقي بها على الأرض ويقطع ويلوكها ويلقي بها على الأرض.. كان شجاعاً وفارساً.. كان ينهض من مكانه (يهرج فيهم هرجة شديدة وعندما ينهض، الخواجات كلهم ينهضوا من شدة الخوف، وإذا جلس كل واحد منهم من شدة الخوف كان يجلس على كرسيه.. ثم قال لهم (فكوا الرجل دا).. فقاموا بحل وثاقه.. ثم قال لهم (جيبوا ليهو كرسي يقعد معاكم هنا).. فأحضروا كرسي و”الشريف الهندي” جلس.. ثم قال لهم (إذا عايزين تنفوه أنفوني أنا معاه فإذا هو خالف الحكومة فالحكومة حكومة استعمارية وأنا مخالفها.. وإذا خالف الشريعة فالشريعة شريعة جده وانتو ما عندكم بيها شغلة.. هو ما جا لدين النصارى).. وقال لهم (الشريف دا يختار المنطقة اليقعد فيها)، فاختار “الشريف” منطقة بري.. ( بري الشريف دي هي المنطقة التي اختارها) – وهذه المعلومة الكثيرون لا يعرفونها.
أيضاً من المواقف المهمة التي لا تنسى “أحمد يوسف هاشم” كان رئيس تحرير صحيفة (السودان الجديد) والإنجليز في ذلك الوقت كانوا يراقبون أخبار الصحف وكانوا ( بدخلوا الصحف بشوفوا الأخبار قبل ما تنزل ولو لقوها ما تمام وما ماشة مع الخط يمنعون نشرها).. فوجدوا “أحمد يوسف هاشم” كتب مقالاً ينتقد فيه الحكومة، والحكومة كانت انجليزية، فقالوا له هذا المقال لا ينشر.. “أحمد يوسف هاشم” في عدد اليوم التالي ترك الصفحة فارغة وكتب في كلمات قليلة اعتذاراً للقراء الكرام.. قال ( كنا نود أن نقول كذا وكذا وكذا ولكنا منعنا من قول كذا وكذا وكذا ).. و تابع “أبو سبيب”: هذا كان ذكاءً عجيباً منه، وهو من المواقف المهمة جداً والعظيمة (الما بقدروا الصحفيين هسة يعملوها).
====
نادية

المجهر