تحقيقات وتقارير

رعاة الشرق.. دلال الماشية بتقليعات جديدة.. عناية فائقة


لا يمكنكم أن تتجاوزوا الإلفة الشديدة بين الرعاة وقطيعهم إذا ما عقدتم العزم على التفكر في مهنة الرعي الشاقة، حيث يحيطون أغنامهم بعناية فائقة خاصة في مواسم النشوق، والصغار تحديدا، يبتكرون أساليب حماية خاصة لها بصناعة رواكيب (زرائب) صغيرة لتقيها عناء الرعي والمسير اليومي، لكن بعض الرعاة ولشدة اهتمامهم استعانوا بـ (رضّاعة) لضمان نمو سريع لماشيتهم.
لا تعتقدوا إذا ما رأيتم الرعاة في هيئة رثة أنهم يعانون مع ماشيتهم، فعلى العكس تماما، فتلك المعاناة هي غاية سعادتهم إذا ما تحصلت في النهاية ماشيتهم على الكلأ، وحسب رأيهم فإن البحث المضني عن المرعي في ظل جفاف وتعرية المراعي مؤخرا رغم مشقته إلا أنه غاية تستحثهم عليها مسؤوليات ماكل القطيع ومشربه أيضا.

كشافون جدد
يستعين الرعاة في بحثهم عن الكلأ بـ (كشافين) على ظهر (النوق) للضرب في أنحاء المناطق الزراعية عسى أن يحصلوا على فناء أخضر، أو بطانة يتوفر فيها العشب، ونال الهزال والضعف من الماشية في الموسم الماضي بسبب شح الأمطار، وهو أتعس ما يواجهه الرعاة، لكنهم لا يتوانون في ترحيل ماشيتهم على ظهور سيارات، كما حث بالفعل في العام الماضي حتى يضمنوا عدم نفوقها بسبب الجوع.

أدوات بشرية
في منطقة تغطيها رقعة رعوية طوال العام مثل ريف مدينة قرورة بولاية البحر الأحمر، فإن أحد الرعاة يبقى على البهائم الصغيرة في راكوبة صغيرة ويطعمها من حليب معبأ في (رضاعات)، ويضمن الراعي بذلك وجبة غذائية متكاملة حسب رأيه، وتمنحه فرصة عرض الصغار في السوق بصورة سريعة، فالخروج للمرعي مُنهك ويمنع النمو كما يقول، ويستجلب الآلة التي يستخدمها الأطفال من مدينة بورتسودان وهو سعيد بها عندما يحكي عن قصة إرضاعه لصغار الماشية، ويحب أن يلتقط صورة له في هذا الوضع.

الوسم الطبي
ترتفع وتيرة الاهتمام إلى حد أقصى لرعاة البهائم وأصحابها، فبدلا من استخدام (الوسم) الذي يتم عبره فرز الماشية بطريقته التقليدية القديمة التي كانت تسبب جروحا غائرة، حيث تستخدم فيها آلات حديدية مسخنة بدرجة حرارة عالية حتى تظهر الوشم على جسد الواحدة من القطيع، اتجه الرعاة لاستخدام وسم طبي يتم تركيبه على جسد الماشية دون أن يحدث أي آثار مرضية، ويترتب عليه تشويه للبهيمة، ورغم سعره الغالي وتخصيص طبيب بيطري بتكلفة مالية للقيام بالمهمة، فإن الرعاة لا يتوانون في استخدامه لضمان سلامة ماشيتهم التي تدر عليهم دخلاً مقدراً، وتبرز وضعهم الاجتماعي كأصحاب ثروة، وفوق ذلك الحب والإلفة بين الراعي وبهيمته.

على النقيض
على النقيض تماما، فإن الاهتمام الذي تجده الماشية من رعاتها وأصحابها، ليس لديه صورة مشابهة من قبل الدولة المستفيد الأكبر من عائدات الثروة الحيوانية وأهم مدخر للصادر في خزينتها العامة. وعلى الدوام، فإن وزارة الثروة الحيوانية تضمن اعترافا في معظم تقارير أدائها بعدم قدرة الدولة على توفير المرعى المناسب للحيوان، وتؤكد وجود فجوة علفية أصبحت متلازمة مع كل موسم جديد، وتوفر فقط ولاية القضارف التي تضم أكبر تجمع للقطيع القومي عمليات تطعيم مجاني للماشية، لكن يواجهه دائما التمويل رغم أنها تفرض رسماً معروفاً برسوم (القطعان)، وللماشية دلال أصحابها بدلا من عجز الحكومة وتقصيرها الدائم.

الخرطوم – حسن محمد علي
صحيفة اليوم التالي