تحقيقات وتقارير

الترابي… مقربون يرون الجانب الآخر من حياته (1)


بعض التنظيمات كانت تمنع منسوبيها من الجلوس معه
أعدته/ فاطمة مبارك
أعماله الإنسانية ذهبت معه
كثيرون هم من اهتموا بسيرة الراحل شيخ “حسن الترابي” السياسية والفكرية والفقهية التي كانت حاضرة بقوة في مراحل حياته المختلفة، وبالمقابل أيضاً كثيرون أهملوا جانباً آخر مهم في حياته تمثل في البعد الإنساني لشيخ “حسن”، علاقاته، برنامج زياراته، متى يغضب، متى يفرح؟ بجانب تفاصيل التحديات الشخصية التي تعرض لها الشيخ في مسيرته السياسية والفكرية خاصة أن “الترابي” كان واحداً من الزعماء المقلين في الحديث عن ذاتهم، ولهذا السبب اقتصرت سيرته الإنسانية على السماع الشفهي من أفراد أسرته أو الشخصيات اللصيقة به أو التي زاملته في الدراسة. وفي هذا الجانب حدثنا أحد منسوبي حزبه عن أن زملاءه في حنتوب الذين لا زالوا على قيد الحياة، يعرفون الكثير المثير عن حياته الإنسانية التي لم يسلط الإعلام الضوء عليها، وسنتطرق إلى ذلك في حلقات عبر لقاءات تتم معهم، كذلك من بين الذين يعرفون سيرة “الترابي” الإنسانية بعض المرافقين له سواء كانوا في السكرتارية أو التأمين، من بين هؤلاء الأستاذ “عوض بابكر”، وعندما سألناه عن الجانب الإنساني للشيخ بحكم قربه منه لمدة تجاوزت العشرين عاماً، قال إن كثيراً من أعمال الشيخ الإنسانية ذهبت معه لأنه كان لا يتحدث عن ذلك مطلقاً، لكن بحكم قربنا منه كنا نسمع من بعض الناس بأنه قام بتقديم العون والمساعدة لشخص ما، وأذكر مرة كنا في زيارة إلى إحدى الولايات، في زيارة لمجمع إسلامي شهير بتلك الولاية، ذكر لي ابن الشيخ بأن هذا المجمع أسس كاملاً بمساعدة شيخ “حسن”، وأذكر أيضاً مرة كنا في زيارة ولائية أخرى، ذكر لي أحد أعضاء الوفد وهو من القيادات السياسية التي رافقت الشيخ “الترابي” لعدة سنوات، أن الشيخ في منتصف السبعينيات قام بشراء وتوفير كل مواد البناء التي أسس بها منزله.
شهادة للتاريخ
“عوض بابكر” كان واحداً من الذين التحقوا بمكتب “الترابي” منذ السنوات الأولى لثورة الإنقاذ، عمل سكرتيراً خاصاً له، “عوض” أكد لـ(المجهر) أنه التحق بمكتب الشيخ في أوائل التسعينيات تقريباً، وتزامن ذلك مع انعقاد الدورة التأسيسية للمؤتمر الشعبي العربي والإسلامي، ومن ثم انتقل معه إلى المجلس الوطني، وبعد إجازة خطة الانتقال داخل الحركة الإسلامية ذهب معه إلى المؤتمر الوطني، وبقي إلى المفاصلة وتأسيس حزب المؤتمر الشعبي، وقال “عوض” هذه المسيرة كانت مهمة في حياة الإنسان العملية والتنظيمية، حيث استفدنا كثيراً من خبراته من خلال الاحتكاك الداخلي والخارجي.
وما أكده الإسلاميون أن المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي، كان من المحطات المهمة للشيخ بعد استيلاء الإسلاميين على السلطة، وبمثابة منبر تلاقحت فيه أفكار الزعامات الإسلامية وحركاتها المختلفة، ورتبوا لانطلاقة كبرى يتصدون عبرها لكل ما يحيط بهم من مهددات.
واتفق عوض مع هذه التأكيدات حينما قال لنا إن فترة المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي، شهدت نشاطاً مكثفاً للأمين العام من خلال الأمانة العامة، وكان مزاراً لكثير من قيادات الفكر السياسي والديني العالمي، وتبلور ذلك في عقد عدد من المؤتمرات تمثلت في قيام مؤتمر الحوار الديني ومنظمات للنساء والشباب. أما الدورة الثانية للمؤتمر الشعبي العربي والإسلامي، كانت بمشاركة أكثر من 90 دولة من مختلف قارات العالم، ويمثلون مختلف شعاب الأفكار والأديان والثقافات، فيما تعطلت الدورة الثالثة للمؤتمر الشعبي العربي والإسلامي بسبب بدايات الخلاف الذي دب في جسد الحركة الإسلامية وأُلغيت اتفاقية المقر وأُغلق تماماً.
عاطفة الأبوة.. عند الشيخ
هناك ثمة إشارات إنسانية لافتة كشف عنها مدير مكتب شيخ “حسن” الأستاذ “تاج الدين بانقا” الذي عمل بالقرب من شيخ حسن 12 عاماً، أي منذ العام 2005 حتى رحيله في 5 مارس 2016م، وقال الذي خرجت به أن شيخ “حسن” شخصية متعددة الاتجاهات في كل اتجاه لديه علاقات وصلات وطيدة جداً يبذلها في وقت واحد، وهذا هو السبب الذي يجعل كتير من الناس يصنفون أنفسهم بأنهم أصدقاء لشيخ “حسن”، وهناك من يقولون نحن أقرب ناس للشيخ وجميعهم صادقون في حديثهم، لأن الشيخ لديه مقدرة على إعطاء من حوله هذا الإحساس. لو تحدثنا على مستوى الأسرة هناك ناس قريبون جداً منه ويجتهد مع مشغولياته الكثيرة السياسية والاجتماعية والفكرية لإعطائهم زمناً حتى لو كان قليل جداً، لكن يكون بعاطفة أبوية قوية تشعر بها أنت حتى لو كنت خارج دائرة الأسرة، فلما تجدينه مع أحد أحفاده يلاعبه ويداعبه لا تشعرين أنه مستعجل أو وراؤه عمل، وكأن شيخ “حسن” ليس له مهام وتفرغ في هذه الدنيا لأسرته، وهذه الأشياء يمكن أن تحدث في لحظات وهو خارج لبرنامج أو موضوع مهم جداً، وتكون هناك شخصيات كبيرة تنتظره في الصالون، لكن هذه المهام لا تشغله من أن يعطي دقيقتين لطفل وبعاطفة قوية، وبعد بضع دقائق يدخل في الموضوع السياسي أو الفكري الذي ينتظره وكأن هذه ليست الشخصية التي كانت تلاعب حفيدها، وهذه الخاصية تدل على أن الشيخ كان يتمتع بملكة سرعة الانتقال.
كان وفياً في علاقاته
هناك ملاحظة مهمة، فعلى مستوى علاقات الشيخ بالآخرين يعتقد بعض الناس أن “الترابي” لا تربطه علاقة بالأشخاص الذين يختلفون معه فكرياً أو سياسياً، والعلاقة الاجتماعية في نظرهم تأثرت بالاختلافات السياسية، وهؤلاء يعتمدون في تفسيراتهم على التباينات والتقاطعات التي كانت تحدث بينه وبين مجموعة من الناس سواء كانوا أفراداً أو جماعات يربطها كيان واحد، إلا أن “تاج الدين” دحض هذه الصورة الذهنية ورسم صورة زاهية لهذه العلاقة من خلال تأكيده بأن شيخ “حسن” كان وفياً جداً في علاقاته مع الآخرين، وله علاقات قوية تربطه بأفراد دفعته في مدرسة حنتوب، وأحياناً تكون هناك مناشط سنوية يقيمونها كأبناء دفعة، وحتى الذين يتوفون يتواصل مع أسرهم، وبدوره أشار “عوض بابكر” إلى أن شيخ “الترابي” كانت له علاقات اجتماعية مع زملاء الدراسة والسياسيين من مختلف التنظيمات السياسية، وكانت تتم الزيارات في الإطار الاجتماعي يشاركهم الأفراح والأتراح، وهناك لقاء سنوي خاص بأبناء دفعته في مدرسة حنتوب يتم في مزرعة السيد عثمان أبو كشوة بـ”سوبا”، أحد الذين زاملوه في الدراسة، وكان يحضره الأستاذ المرحوم محمد إبراهيم نقد، ومولانا المرحوم “خلف الله الرشيد” و”بابكر علي التوم” وآخرون يستدعون فيه ذكريات تلك الأيام وتُناقش موضوعات مختلفة سياسية واجتماعية، وأذكر في إحدى الجلسات نُقشت آراء الشيخ الفقهية، وفي جلسة أخرى تحدث الأستاذ “محمد إبراهيم نقد” عن اللحظات الأخيرة التي سبقت وقوع انقلاب مايو، وذكر معلومات تاريخيه مهمة في تلك الفترة.
لم أقابل إنساناً قال إنه لا يجد نفسه مع “الترابي”
أما “تاج الدين” قال لي: مستحيل تجدين شخصاً محيطاً بشيخ “حسن” يمكنك الجلوس مع العشرات لو أحسنتِ اختيارهم، ويقولون كلاماً غير مكرر، لأن شيخ “حسن” كان يتميز بمقدرة الإشباع أو الإقناع، أحياناً يأتي له أشخاص متباينون في كل شيء لما يخرجوا منه، أي واحد منهم يكون أصبح صديقاً لشيخ “حسن”. وداخل التنظيم توجد مدارس مختلفة وكلها تربطها علاقة بالشيخ، وكما يقولون توجد مدرسة التربويين ومدرسة السياسيين وتجدين التربويين الذين يهتمون بالتراث الإسلامي، مصنفين شيخ “حسن” معهم لأن فهمه متقدم جداً في قضايا التراث والمهتمين بالمدرسة السياسية الأقرب للحداثة يجدون أفكار الشيخ في هذا الجانب متقدمة، والاثنين لا تشعرين أن الشيخ مختلف معهما حتى الأجيال الشابة تجد الشيخ مندمجاً معها ويناقش قضاياها بعمق، وكانوا يقولون لو كل الأخوان مثل الشيخ ما في مشكلة، كل المدارس داخل التنظيم الدعوية والإدارية والسياسية والمرأة والشباب وناس الأطراف كان شعورهم أن أي شخص مختلف معهم مفروض يكون مختلفاً مع شيخ “حسن”، ويواصل “تاج الدين” حديثه قائلاً إن الشيخ لديه علاقة بشخصيات خارج التنظيم وخارج السودان وناس خارج إطار ديننا، وأيضاً يشعروا أنهم أصدقاؤه، وطوال وجودي في مكتبه لم أجد إنساناً قال لا أجد نفسي مع الشيخ سواء كانوا مختلفين معه أو متفقين.
الشيخ كان يعطي مساحة لأي شخص (وحاجة حقتو مافي) هو طرح نفسه داعية، وهذا يعني أن هناك آخر ورسالة يود توصيلها له تستوجب التواصل معه لذلك.
بعض التنظيمات كانت تمنع منسوبيها من الجلوس معه
وفي سياق حديثه عن شخصية “الترابي” يقول “تاج الدين”: هناك تنظيمات سياسية وفكرية كانت تمنع منسوبيها من الجلوس مع الشيخ، لأن له قدرة على صنع تواصل مع أي شخص يجلس معه، وهذا التواصل يقود للإقناع عندما يجدون من يجلسون معه أنفسهم من خلال النقاش أنهم غير مختلفين معه، وشيخ “حسن” كانت عنده مقدرة على تغيير الصور المرسومة في ذهن الشخص الذي جاء ليجلس معه، يعني مرات يأتي سلفي ليجلس معه، وفي اعتقاده أن الشيخ غير مهتم بالتراث الإسلامي، وضد هذا النوع من المدارس لما يجلس معه يجده متعمقاً جداً في السلفية ويعرف التراث ويقيمه تقييماً صحيحاً، وبذلك تكون الصورة المرسومة للشخص تغيرت بعد الجلسة.
واستناداً إلى هذا التفكير صار لشيخ “حسن” أصدقاء في الصوفية والسلفيين والجهاديين والأخوان المسلمين وأنصار السنة والعلمانيين، وغير المسلمين وتربطه بهم علاقة قوية، وكانوا يتناقشون معه لساعات طويلة ويفرد مساحات لهم كلهم.
شديد الالتزام بالمواعيد
ثم دلف “عوض” ليحدثنا عن برنامج الشيخ اليومي، مشيراً إلى أن ترتيب البرنامج اليومي للشيخ يتم من خلال الاتصال المباشر بالسكرتارية، وبعد التشاور مع الشيخ يُضع البرنامج وكان دائماً شديد الالتزام بعد أن نؤكد له الموعد المضروب مع الشخص الزائر. في بعض الأحيان خاصة في البرامج الاجتماعية يتم الاتصال مباشر بالشيخ أو أسرته، ولكن التأكيد والإدراج يتم عبر المكتب، وبحكم طبيعة الشيخ ومنزله المفتوح دوماً تتم بعض الأشياء بطريقة عفوية، وهذا يحدث غالباً في الفترات المسائية، حيث لا حجر على أحد من دخول المنزل، وكان شديد الحرص على عدم منع أي شخص من الدخول حتى لو كانت هناك دواعٍ أمنية. في بعض الأحيان تكون هنالك معلومات ترد عن استهداف للشيخ من جهات خارجية أو داخلية، لكنه كان يقاوم أي محاولات لتأمينه محاولات تحد من نشاطه “الترابي”، كان كثيراً ما يتناقش مع عامة الناس سواء كانوا زائرين للمنزل أو شخصيات قابلها في مناسبات اجتماعية – والحديث لعوض بابكر- وبطبعه يفضل أن يأخذ المعلومة من مصدرها عندما يقابل مزارعين مثلاً يفضل أن يكون النقاش حول الزراعة ومشاكلها معهم، وكان يظن أن ذلك أفضل من التحدث مع موظف أو شخص في إدارة الزراعة، أيضاً كان يعطي وقتاً كبيراً للطلاب ويفضل الجلوس معهم، على الإدارة المسؤولة عنهم حتى يتحسس قضاياهم وكانت له نظرة ثاقبة، وأضاف “عوض” قائلاً كان عندما يكون برنامج “الترابي” خارج الخرطوم يتم الإعداد، لذلك بصورة مرتبة واحترافية عالية ويتم بوفد كبير يمثل التنظيم ويجهز كل شيء، وغالباً ما تكون منزلة الوفد مع القيادات والأخوان في الولاية المعنية.
ومن جانبه حدثنا “تاج الدين” عن أن الشيخ طاف كل السودان، وكان يقول أنا ابن السودان، كان أي منطقة يزورها يستدعي ذكرياته فيها وتاريخها وعلاقته بها، ولديه أصدقاء من التاريخ الطويل كان محافظ عليهم جداً، ولما نمضي في زياراتنا السياسية كان أية منطقة قضى فيها جزءاً من طفولته أو عمل بها يحيي فيها ذكرياته، لو كانت محكمة يتحدث عن الشكل القديم للمحكمة عندما كان قاضياً وهكذا.

لا يتعامل بردود أفعال ويأكل الطعام من غير تأفف
يغضب “الترابي” عندما يشعر أن هناك خروقات تتم على مستوى اللوائح أو النظم الأساسية والدستورية، ويغضب إذا لم يتم الالتزام بالمواعيد لو كانت هناك زيارة وتأخرنا عن الزمن، ومعروف أن بيته كان مفتوحاً لكل الناس، فإذا جاء شخص ولم يقابله وعرف ذلك كان يغضب، وأذكر في يوم التوقيع على مذكرة العشرة والاجتماع الصاخب الذي أجيزت فيه التعديلات، وأدخلت على النظام الأساسي وأصبحت الصلاحيات التنظيمية بيد الرئيس، بعد أخذها منه بربع ساعة، جاء اثنان أحدهما موقع على مذكرة العشرة والآخر متعاطف معها لمقابلته، وعندما عرف أنهما جاءا ورجعا غضب غضباً شديداً، وقال لنا خلاص بديتو تطردوا الناس، وهذه تشير إلى أنه لا يتعامل بردود الأفعال، كان يتعامل مع كل الموقعين على مذكرة العشرة تعاملاً عادياً، بعضهم يحضر إليه وبعضهم كان يرافقه في زياراته إلى الولايات. دكتور “نافع” عندما كان مستشاراً للسلام ذهب معنا في إحدى رحلاتنا، “الترابي” كان لا يحبذ التقييد الشديد بالبرتوكول حتى لا يحول بينه وبين الناس. كان متواضعاً، عندما يدعى في المناسبات الاجتماعية يفضل الجلوس في الخيمة مع عامة الناس ولا يحبذ الجلوس في الأماكن المخصصة للمسؤولين ويأكل أي طعام من غير تأفف ويُلزم من معه بذلك، أذكر في زيارتنا لمدينة واو، قمنا بزيارة لأحد القيادات السياسية الراحلة والمكان متواضع وقُدم لنا عصير، بعد خروجنا جاءنا من يخبرنا أن الأسرة ذكرت أن أي شخص حضر إليهم كان يتأفف من الشرب والأكل إلا هذا الشخص، وكان ذلك سبباً في إحداث تغيير كبير فيهم، وأعلنوا تضامنهم مع المؤتمر الشعبي. وأكبر دليل على تعامله مع عامة الناس حالة الحزن التي سيطرت عليهم بعد رحيله.

المجهر


‫2 تعليقات

  1. الحمد لله أكثر من حزن عليه نحن الجنوبين وبرغم ظروفنا المادية القاهرة الا ان الاخ الاكبر سلفا قد أجر عند رحيلة طائرة نفاثة من شركة تاركو سعة خمسون فردا ممن جوبا للخرطوم وبالعكس……حتى قال أحد المتنفذين الجنوبين ياهو دا السودان ودا كلام دكتور جون ….فالرجل قامة من القامات السامغة من الزمن الجميل والحمد لله لحدى ما رحل ما سمعنا سرق ولا نهب ولا خصص وظائف لااهله وزويه …..ولكن لقد ضيعته الشورى

  2. نلك صفات اي سوداني يمد يد المساعدة لكل من يحتاج و لا يعلنها على الملاء !
    بعد ان كشف كل مفاسد الاسلاميين تحاولون اليوم ان تسوقوا لشيخكم ؟؟ بئس الشاري و المشتري .