منوعات

مهووس بالنظافة أو الأفكار السيئة.. هكذا تعالج نفسك من الوسواس القهري


الوسواس القهري، أو الاضطراب الوسواسي القهري Obsessive–compulsive disorder، نوع من الاضطراب المرتبط بالقلق، أو بمعنى آخر هو الإصابة بمخاوف غير منطقية تؤدي إلى ممارسة تصرفات قهرية، حيث تسيطر على المرضى بهذا الاضطراب أفكار وصور لا يرغبون بها.

أحياناً يدرك المصابون بالوسواس القهري أنهم مرضى بهذا الاضطراب، ويحاولون تغييره أو يتجاهلونه، وفي كلتا الحالتين يُسبب ذلك زيادة القلق لديهم، وهذا الأمر يترتب عليه الإصابة بالضيق والإزعاج والعصبية سواء للمصابين به أو من حولهم.

قد يتمحور اضطراب الوسواس القهري حول جملةٍ يظلّ الشخص يرددها داخل عقله أو بصوت طيلة الوقت، كما يمكن أن يتمحور حول موضوع معين، كالخوف من الجراثيم مثلاً، فيقوم بغسل يديه بشكل مبالغ فيه قد يؤدي إلى إصابته بندوب جلدية أو جروح.

أو مثلاً قيام ربات البيوت بتنظيف المنزل عشرات المرات للتأكد من نظافته بالشكل المطلوب، وتظل هذه الأفكار الوسواسية تلاحق صاحبها، وقد يؤدي ذلك إلى القيام بتصرفات كأنها طقوس أو روتين، وهذا الأمر يُمثل حلقة قاسية ومؤلمة للغاية.

فيما أصبح هذا المرض منتشراً للغاية بين الناس، وكثيراً ما تلاحظه على المصابين به، ووفقاً للمعهد الوطني للصحة العقلية، فإن نحو مليوني من البالغين في الولايات المتحدة الأميركية وحدها على الأقل مصابون بهذا النوع من الاضطراب.

أنواع الوسواس

يمكن أن يكون الوسواس في سيطرة فكرة معينة على الشخص بشكل غير عادي، فمثلاً إذا كان هذا الشخص مصاباً بهوس النظافة والخوف من الجراثيم تجده يغسل يديه كثيراً وطوال الوقت، بمجرد أن يصافحه أحد على سبيل المثال، رغم أن يديه نظيفتان ولا شيء بهما.

ويتمثل الوسواس أحياناً في فعلٍ جبري، حيث تجد الشخص وكأنه مُجبر على ممارسة هذا الأمر مراراً، كأن يتأكد من غلق الأبواب عدة مرات، للتأكد من إحكام إغلاقها لسيطرة فكرة أن أحدهم سوف يقتحم المنزل ويسرقه، أو أن يعد نقوده كل ساعة خوفاً من أن تكون قد سرقت.

كما يمكن أن يكون الفعل الجبري متتابعاً، أي أنك تجد المصاب بهذا الاضطراب يقوم بالعمل على ترتيب معين ومحدد، كأن يرتدي ملابسه وفق ترتيب محدد، وإن لم يفعل تجده مصاباً بالضيق، وربما يعيد ارتداء ملابسه من جديد وفق النظام المحدد.

لماذا تُصاب بالوسواس القهري؟

لا يفهم الأطباء حتى الآن سبب إصابة الأشخاص هذا المرض الذي يحدث عند نقص مادة السيروتونين، وهي مادة كميائية ضرورية لعمل الدماغ.

فيما يعتقد بعض الأطباء بوجود عنصر وراثي وراء هذا المرض، ويرى آخرون أنه سلوك تكوّن لدى الشخص جراء العادات التي نشأ عليها خلال مرحلة الطفولة، أو خلال مدة طويلة من الزمن، وقد أشارت دراسات إلى ارتباطه ببعض المشاكل مثل القلق والاكتئاب.

ويمكنك أن تعرف أنك مُصاب بهذا المرض، إذا كنت تعاني من مخاوف مبالغة من شيء ما دون داعٍ، أو تقوم بتكرار عادات روتينية بلا سببٍ مقنع، أو أن تكون مهتماً بشكلٍ مبالغ بترتيب وتنسيق الأشياء من حولك، أو تسيطر عليك شكوك غير منطقية وغير موجودة، كأن تخشى أن تكون مصاباً بمرض ما رغم كون صحتك على ما يرام.

ويمكن أيضاً أن ينشأ الوسواس، بسبب امتلاك أفكار ما إلى حد التطرف، أو الاعتقاد غير المنطقي في بعض الأشياء أن تجلب الحظ الجيد أو السيء، مثل أن تنام في موعد معين لتبعد الشر عنك، أو تعتقد أن شخصاً ما وربما نفسك سبب في مأساة خطيرة مثل حريق أو جريمة ما، والخوف غير المنطقي من أن تُسبب أذى للآخرين.

أو أن تكون مهتماً بجمع أشياء لا قيمة لها بسبب فكرة داخلك بأنها يُمكن أن تفيدك، أو أن تُعيد عمل شيء ما لاعتقادك أنك لم تقم به على الوجه الصحيح والترتيب المناسب، أو أن تعيد مراجعة الأشياء وتدقيقها مرات عديدة دون سبب.

كيف تعالج هذا المرض؟

إن أحاسيس القلق والشكوك طبيعية وموجودة بنسبة ما في حياة كلٍّ منا، إلا أن زيادتها على الحد الطبيعي يجعل منها مرضاً، وهذا الأمر لا يرتبط بكون المريض صاحب شخصية ضعيفة أو غير مستقرة، لذلك فلا حاجة للقلق كثيراً.

وهنا، عليك أن تدرك أن نمط حياتك يلعب دوراً كبيراً في الإصابة أو تجنب هذا المرض، كما عليك أن تبقى على اتصال بأسرتك أو أصدقائك المقربين، فقد يستهلكك المرض إلى حد العزلة الاجتماعية، وهذا الأمر يفاقم المرض، كما أن وجود من يساندك يوفر الدعم والتشجيع اللازمين للتخلص من هذا المرض.

من المهم أيضاً الحصول على قسط كافٍ من الراحة والنوم، إذ إن القلق يمكن أن ينجم عن الأرق وقلة النوم، ويمكنك الاستعانة بأساليب لممارسة الاسترخاء والتخلص من الإجهاد وتقليل الضغط والتوتر.

حاول أيضاً التخلص من السلوكيات والطقوس القهرية التي تمارسها تدريجياً، بأن تأخر ممارسة تلك العادة مرة فالأخرى، أو مقدار ممارستها، إلى أن تستطيع التخلص منها.

ويمكن ذلك بأن تفعل شيئاً آخر مقرباً لقلبك أو تستمع به لوقت ما لتنشغل عن ممارسة عادتك تلك، بأن تستمع للموسيقى أو تتصفح الانترنت، أو تجري مكالمة هاتفية، أو حتى تلعب لعبة فيديو.

أيضاً، لا بد أن تدرك نوع الوسواس القهري الذي يُصيبك، وتحاول مقاومته قبل حدوثه.

فعلى سبيل المثال، إذا كنت تعاني من وسواس غلق الأبواب والنوافذ فيمكن أن تقوم بغلقها وأن تردد عبارة: “أنا الآن أُغلق النافذة”، أو أن تسجله مكتوباً، وعندما يتملكك رغبة في التحقق من الأمر تدرك جيداً أنك قمت به مسبقاً، وتبدأ في تحدي تلك الأفكار الوسواسية.

ويمكنك تسجيل الهواجس كلما خطرت ببالك وذلك بكتابتها على ورقة أو هاتفك، وكلما تكرر الهاجس داخل رأسك سجله مراراً ومراراً، حتى لو ورد ببالك مئات المرات اكتبها جميعها، حتى تعرف إلى أي مدى تصيبك تلك الهواجس، كما تجد نفسك تلقائياً تحاول التوقف عن هذا التفكير لتتوقف عن الكتابة.

ولا بأس في أن تختار وقتاً لتلك الهواجس وتضعه في جدولك، كأن تختار 10 دقائق يومية في ساعة محددة ومكان محدد لتقلق بشأن الهاجس الذي يراودك، وفي نهاية الوقت المخصص للقلق، حاول تهدئة نفسك وترك الأفكار الوسواسية تذهب بعيداً عنك باقي اليوم، وإن وردك هاجس خلال باقي اليوم يمكن أن تسجله وتؤجله حتى وقت القلق المُخصص.

وحاول أن تدرب نفسك على ممارسة عكس الهاجس، فإن كنت من المصابين بوسواس غسيل اليدين، حاول أن تلمس مقبض باب المرحاض مثلاً، وتمتنع بعدها عن غسيل يدك، فالدراسات تؤكد أن نوع التعرض للهاجس ومنع الاستجابة له نوع من إعادة تدريب الدماغ لحدّه من تلك الهواجس.

وإذا كان الأمر عويصاً فيُنصح باستشارة طبيب لأخذ بعض الأدوية المهدئة أو المضادة للاكتئاب، ومثبطات امتصاص السيروتونين، وعليك أن تدرك جيداً أن المرض رغم كونه كأي مرض طبي مرتبط بالمخ، إلا أنه يتطلب تغييرات معينة في السلوك لعلاجه، إذ إن ذلك لا يعتمد على الأدوية الطبية وحسب.

إلا أنه في بعض الحالات النادرة شديدة الصعوبة، يتم نقل المريض إلى قسم الأمراض النفسية، لتتم المعالجة بالصدمة الكهربائية، أو التحفيز المغناطيسي للجمجمة.

هافغنتون بوست