تحقيقات وتقارير

“الترابي”… مقربون يرون الجانب الآخر من حياته (2/2)


قالوا أية خطة وضعها ستكون بمثابة وصية
فاطمة مبارك
قيل لنا من الأشياء التي كان يحرص عليها شيخ “حسن” في حياته علاقته بالجيران التي كانت طيبة، ودائماً ما يشاركهم في أفراحهم أو أحزانهم، وكان يقيم إفطاراً سنوياً خاصاً بالجيران، ومن هواياته كان يحب الزراعة والخضرة ويشرف في البيت على عملية البستنة ومولع بإصلاح الأعطال الصغيرة التي تحدث في المنزل حيث يحتفظ بأدواتها، لذلك ما يميز عن غيره الإرادة القوية والطاقة الجبارة والكاريزما، فهو لا ييأس مرات كثيرة كان يذكر الناس بمعاني الدين وأن لا يقنطوا من رحمة الله، ودائماً يذكر الناس بأصول الدعوة عندما يقوم أحد الأخوة بتقديم تقرير، فكان ينبه بأن الأمر أمر دين.
محاولة الاغتيال في كندا
“عوض بابكر” سكرتير الشيخ حدثنا عن قلق الشيخ على بلده، وقال قلقه كان واضحاً في إصراره على المعارضة من داخل السودان، وحتى عندما كان يسافر خارج الوطن سرعان ما يعود إلى الديار، أطول فتره غاب فيها الشيخ عن السودان كانت رحلته إلى أمريكا والتي حدثت فيها محاولة اغتياله، حيث رفض اصطحاب أي مرافق معه، فتحرك إلى “بريطانيا” وقدم بعض المحاضرات تخلل بعضها هتافات من محسوبي المعارضة، وكان واضحاً أن الأمر لن يمر بسلامة، وبعد إلقاء شهادته التاريخية أمام لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس تحرك إلى كندا لمواصلة برنامج الزيارة برفقة الأخ “أحمد عثمان مكي” وأحد الأخوان كان من أصول صومالية، فتعرض لمحاولة الاغتيال كما هو معلوم، وفي ذلك الوقت نحن كنا في دورة تأهيلية وتلقينا الخبر وكان صدمة بالنسبة لنا، وشعرنا بالمسؤولية لأننا تركناه يذهب وحده رغم إصراره بعدم اصطحاب أحد .
“الجاز” و”علي عثمان” أبرز المستقبلين

بعد ذلك كنا نتابع الأخبار أولاً بأول، كما قام الأمن وقتئذ بإرسال مجموعة لكن لم تتمكن من إدراكه لأنه لم يتم التنسيق، فكان من المفترض أن يبقى الشيخ فترة نقاهة لكنه أصر على الحضور لبلده. وأذكر حضر الأخ “جمال الأمين” الذي كان يعمل في سكرتارية الشيخ أخبرنا بأن الشيخ سيصل مساء اليوم، تحركت ومعي اثنان من الأخوة صوب المطار، حيث كان هناك الأستاذ “علي عثمان محمد طه” و”د. عوض الجاز” وشيخ “إبراهيم السنوسي”، ولا زلت أتذكر لحظة نزوله من الطائرة بصحبة الكابتن، وكانت معه السيد “وصال المهدي” وأخوه البروفيسور “دفع الله الترابي”، وأخذ بصحبة الأستاذ “علي عثمان” و”د. عوض الجاز” إلى منزل في أركويت وكنا نسير خلفهم، وفي حالة من الغضب ظللنا في منزل أركويت حوالي يومين حيث حضرت الأسرة، وبعد ذلك تحت إصراره نقل لمنزله في “المنشية” وبدأت الوفود تتراءى عليه وكانت أياماً عصيبة. وبعد احتفال ضخم في الساحة الخضراء بدأ المداومة والنشاط الحزبي، كما أقام المرحوم الشيخ “يس عمر الإمام” احتفالاً ضخماً في البيت الكبير، وآخر أقيم في قرية (ود الترابي). كما شكلت لجنة تحقيق برئاسة الأستاذ “محمد آدم عيسى”.
قيادات قريبة من “الترابي”
يمضي “عوض” في حديثه قائلاً: يعتبر الشيخ “يس عمر الإمام” الأكثر قرباً والشيخ “إبراهيم السنوسي”، حيث كان مساعد الأمين العام للمؤتمر الشعبي العربي والإسلامي، والشيخ “عثمان عبد الوهاب” و”خليفة الشيخ مكاوي”، شيخ “الترابي” كان شديد الارتباط بالأخ الراحل “أحمد عثمان مكي”، وكان بعد حضور “أحمد عثمان مكي” للسودان من المطار يذهب للشيخ ويبقى معه أياماً بـ”المنشية”.
أول اعتقال
أول اعتقال للشيخ كان بعد مذكرة التفاهم التي وقعها حزب المؤتمر الشعبي مع الحركة الشعبية، وكان هناك مؤتمر صحفي محدد مسبقاً لقضية أخرى، وتزامن ذلك مع الهجمة التي حدثت من الحكومة على أصول الحركة الإسلامية وبعض الأصول الخاصة بالمؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، وفي نفس اليوم اتصل علينا الأخوان ليحدثونا عن توقيعهم لمذكرة التفاهم مع الحركة الشعبية، وأذكر أنني تسلمت النص وأحضرته للشيخ، وقال لي سنتناول المذكرة في مؤتمرنا الصحفي، وفعلاً تم تناولها وطغت المذكرة على كل موضوعات المؤتمر، وبعدها ناس الحكومة عقدوا اجتماعاً وتوصلوا إلى فكرة اعتقال الشيخ، ونحن كنا في بيته بـ”المنشية”، وقبل المغرب أتت عربة بها مسلحون والضابط كان اسمه (الجزار) طلب مقابلة الشيخ، قلت له: نائم، لكنني دخلت على الشيخ وأخبرته وبدأ يجهز في شنطته، وبعد ذلك صلينا المغرب ومعنا الضابط وخرجنا معه واتجه بنا إلى مكاتب جهاز الأمن وسمحوا لنا بالدخول، والملاحظ أنها كانت تبدو فاضية، وهنا انتهت مهمة ذلك الضابط وسلمنا لضابط آخر وتقرر نقله إلى (كوبر) وأدخل المعتقل وكان هذا أول اعتقال، وعادة عندما يكون الشيخ في المعتقل يقوم الراحل “عبد الله حسن أحمد” بحكم منصبه نائباً للأمين العام بتسيير شؤون التنظيم، وكان لا يتدخل مطلقاً، وأذكر مرة انتهى أجل الأمانة العامة ورأى الأخوان أن يقوم هو بعملية الترشيح حيث رفض ذلك، وفي نهاية تحت إصرارهم طلب منهم تقديم الترشيحات، وفعلاً تم ذلك وكانت تلك هي الأمانة التي أدخل فيها عدداً كبيراً من الشباب حتى أن بعضهم لم يلتقهم الشيخ من قبل وبالفعل سأل منهم.

من الشخصيات النادرة التي تخطط لحياتها
وبدوره حدثنا “تاج الدين بانقا” عن منهج شيخ “حسن” في التخطيط قائلاً: شيخ “حسن” يعتبر من الشخصيات النادرة التي تخطط لحياتها (ما عندو) صدف في حياته، وكان يقول لنا أي دقيقة في حياتك إنت مسؤول عنها، وهو نشأ في دولة ثقافتها انجليزية حتى بعد تخرجه من الجامعة الاستعمار كان موجوداً في السودان، لذلك عمل الماجستير في “بريطانيا” وكان امتداداً طبيعياً للثقافة التي تعرف عليها، إلا أنه اختار أن يعمل الدكتورة في “فرنسا”، بلد كانت مختلفة عن الثقافة البريطانية، وفي تلك الفترة كان الشيخ رسم مساره الأكاديمي وكان متفوقاً وعمل الماجستير والدكتورة ليستقر في الجامعة، لكن نيله للدكتورة من فرنسا استوقفت من حوله ودعتهم لمعرفة شخصية شيخ “حسن” لأنه كان يدرس طلبته باللغة الانجليزية فكيف يعمل الدكتورة باللغة الفرنسية؟
والشيخ كان مخططاً في مساره الأكاديمي أن يدرس الماجستير باللغة الانجليزية والدكتورة في فرنسا، وقال لنا كان هذا تحدٍ كبير بالنسبة له جعله يستعين بأساتذة اللغة الفرنسية الموجودين في كلية الآداب جامعة الخرطوم حينها حتى لا يأخذ وقتاً في تعلم اللغة الفرنسية، وأذكر مرة تناقشنا معه حول هدفه من عمل الدكتورة بفرنسا، فقال لنا أنا أطلعت على التجربة الانجليزية في القانون والتجربة الثانية المختلفة عنها هي التجربة الفرنسية، والتغيير في “بريطانيا” تدريجي لكن التغيير في فرنسا ثوري، وهذان منهجان مختلفان، وقال نحن كنا نعيش في بلد في طور التكوين وحتى يكون عندك إسهام في تطوير بلدك محتاج تكون عندك تجارب شعوب أوسع، ويقول لنا القرآن الكريم ويقص علينا قصص المؤمنين وغير المؤمنين حتى نستفيد منها إنسانياً، و”بلقيس” لما تعمل حاجة (كويسة) يقصها القرآن وهي لم تكن مؤمنة في ذاك الوقت ولما يخطئ بعض المؤمنين القرآن أيضاً يروي قصتهم فأنتم أخذوا المفيد من التجارب باعتبارها تجارب إنسانية بغض النظر عن من ورائها، ولهذا السبب أنا كنت حريصاً أن أخذ تجربة غير التجربة الانجليزية، وفعلاً في فرنسا تعرفت إلى ثقافة جديدة وعلى طريقه ومنهج جديد في الحياة.
وبشهادة الكثيرين إن الدكتورة ساعدت الشيخ في العمل التحضيري لثورة أكتوبر، وجعلت طريقة قياسه ونظرته وتقديره للأمور مختلفة عن الناس.
ولفتنا “تاج الدين” إلى “أن الترابي” زمن ساي ما عندو، ويقول عندما تسلم عليه يرد عليك بأسئلة، فإذا قلت له عافيتك كيف يقول ليك أنا هين عافية البلد كيف، ولو قلت ليهو تمام بقول ليك في عوجة والحمد الله، يعني لا يجاوب بصورة محفوظة كما يفعل الناس.
مرض الشيخ
“تاج الدين” أشار في حديثه لـ(المجهر) إلى أن شيخ “حسن” كان لا يعطي الآخرين إحساساً بأنه يعاني من مرض على الإطلاق، أخوانا الأطباء كانوا يضغطون عليه لإجراء مراجعات طبية من فترة لأخرى لاعتبارات العمر وكنا نحاوله لإجرائها. في العام 2010م وافق وعمل مراجعة في فرنسا لم يكن هناك شيء مزعج، لكن كان رأي الأخوان والأطباء ضرورة تقليل نشاطه وشراب كمية من المياه بجانب الراحة، وكل هذه الأشياء الشيخ كان لا يلتزم بها، كذلك عمل مراجعة طبية في “تركيا” ولم يظهر مرض، والأخيرة كانت في “قطر” وضمن الفحوصات العامة طلب الأطباء مراجعة القلب (مش لانو بشكي) من قلب، لكن تم في إطار الفحص العام، وكانت هذه المرة الأولى التي اكتشف فيها الأطباء أن هناك مشكلة في القلب، قبلها لم يكن يعاني من شيء غير ارتفاع ضغط الدم وكان غير مزعج، الأطباء في “الدوحة” كانوا مستغربين أن إنساناً متحركاً مثل هذه الحركة ولا يشكو من شيء يستخدم المصعد ويتحدث في الندوة واقفاً لساعات والنتائج توضح أن هناك مشكلة في القلب حتى أنهم كانوا يسألونه هل تشكو من طعنة أو نفس؟ لأن النتائج التي أمامنا تؤكد وجود مشكلة في القلب، وكان يجيب بلا، فقالوا له أنت إنسان مختلف، بعد معرفة وضعه الصحي أعطوه العلاج ونصحوه بالراحة والنوم المبكر، رغم ذلك لم يغير برنامجه ظل يتحرك عادي ويجلس مع زواره لساعات طويلة، وكثف نشاطه أكثر ربما لأن لديه مشروعاً، وطالما ظهرت مشاكل في القلب هذا يعني أن احتمالات الرحيل أصبحت أكبر وكان يصر على إكماله قبل الانتقال.
غياب الحضور
وأكد “التاج” أن حديثه للإعلام عن اقتراب الأجل كان قبل ظهور مرض القلب بشهور، ولما أطلق هذا التصريح لم تكن هناك إشارات عضوية لهذا الإحساس، و”الترابي” كان موصولاً بطريقة غير عادية بالله والآخرة، تلمس هذا الشيء في كل تحركاته وكان حضوره طاغياً، لذلك لم يفكر شخص في غيابه وهذا ما لمسته بعد غيابه، كثير من الناس كانوا غير مصدقين وغير قادرين على التعامل مع غيابه وظهوره الطاغي، جعل بعض الناس لا يستوعبون مسألة غيابه من الحياة، حيث لم يصدق بعضهم رحيله رغم إدراكهم لكل الوقائع، وحتى بعد مرور هذه الأشهر من رحيله ظل حاضراً في كل تفاصيل حياة من كانوا حوله، وهذا الشيء فيه جانب نفسي، ففي زمن الصحابة نجد أن رجلاً في مقام “عمر بني الخطاب” لم يستوعب في اللحظات الأولى وفاة الرسول “صلى الله عليه وسلم”، لذلك أنا أجد عذراً للذين لم يستوعبوا موضوع وفاة الشيخ.
من وصاياه
شيخ “حسن” كان يخطط للمستقبل وينظر بعيداً ودائماً يضع الخطط، ومنهجه في الحياة كان يقوم على التخطيط للمستقبل وأية حاجة عملها كخطة مستقبلية بالنسبة لنا وصية.
كان يتحدث عن أن الساحة محتاجة لحوار ووضع له خطة وقبل دخولنا الحوار عمل ورقة في 2012م سماها “المحتملات وتفاصيلها” توضح أن هناك محتملات نشارك فيها نحن ومحتملات لا نعملها ويمكن أن تحدث، ويمكن أن يحدث انقلاب من صديق أو عدو بالنسبة لنا، وقد يحدث انقلاب من داخل النظام أو من خارجه، وفي كل هذه المحتملات وضح كيف سيكون موقف المؤتمر الشعبي، إذا عمل النظام إصلاحات كان هناك سؤال هل سيفتحها لكل الناس أم هناك إقصاء وإلى أي مدى ستفتح الحريات، ونحن سنكون مع الذين تفتح لهم الحريات أم الذين أقصوا؟ والنظام بعد نيفاشا فاوض أغلب الحركات والأحزاب، ونحن تم عزلنا من هذه التسويات، فهل هناك احتمال لتكرار هذا السيناريو أم سيحدث العكس، ففي ورقة الاحتمالات كان هناك تكهن للاحتمالات المتوقعة وماذا سنفعل مقابل أي محتمل حال حدوثه والأفضل (شنو) بالنسبة لنا وأي محتمل يمكننا إضعافه أو تقريبه، وهذه الأشياء لما يفعلها الشيخ وأصبحت وصايا بالنسبة لنا.
قصة دخوله الحوار
“تاج الدين” حكا لنا قصة دخوله الحوار، مؤكداً أن “الترابي” كان دائماً يسعى للتسوية السياسية، حيث كان أول من سعى للقاء “د. قرنق” وذلك في منتصف التسعينيات ولقاء “جنيف”، هذا غير الرسائل التي بعث بها لقيادات المعارضة في الخارج، والآن مشروع الحوار الوطني حيث كان كثيراً ما يتحدث مبدياً قلقه على حال البلد، وذكر في أكثر من مرة أنه يريد أن يطمئن على حال السودان، وكان قلق جداً من حال التشرذم الذي أصاب الأحزاب، وكان يرى أن وحدة البلاد تكمن في وحدة التنظيمات والجماعات السياسية، والسودان يحتاج إلى التعافي والتصالح، هذا هو الهدف الذي دفعه لدخول الحوار ولم شمل السودان من الشتات، وناس المؤتمر الوطني حاولوا العمل معه بطريقة ثنائية لكنه رفض، وقال لهم (البلد ما بحل مشكلته زول واحد أو حزب أو حركة واحدة)، نحن نريد مشاركة كل الشعب في الحل، وكان مهتم جداً بالرؤى التي سيخرج بها الحوار، وأن يكون حواراً وليس تفاوضاً، ومهتماً بمشاركة كل الناس في الرؤى.
لا للمحاصصة
“الترابي” قال للنظام نحن لا نريد محاصصة بقدر ما نريد الاتفاق حول وجود أزمة سودانية، وأي حزب أو حركة تقدم رؤيتها من الزاوية التي تراها ونضع هذه الرؤى في الطاولة ونأخذ بأحسن رؤية وتصبح حقتنا كلنا ونتبناها ونبحث عن طريقة لتنفيذها، وهذه هي الطريقة الوحيدة للخروج من الأزمة، لكن إذا جلسنا كحكومة ومعارضة والحكومة استجابت لطلبات المعارضة سيصبح الاتفاق ثنائياً عديم القيمة، وكان في ذهنه أن الحركة الشعبية جاءت للحكم وفق اتفاق نيفاشا، وظلت ست سنوات في الحكم وإحساسها أنها معارضة رغم أنها كانت تشغل منصب النائب الأول لرئيس الحكومة، وشيخ “حسن” كان يعتقد أن هذا حدث نتيجة لروح التفاوض، ولكن إذا وصلوا لهذا الاتفاق عبر الحوار كانت النتيجة ستكون مختلفة، لأن الأطراف ستصل للحل الذي يشارك فيه الجميع وليس الحل الذي يحدث نتيجة لتنازلات تقدمها الحكومة للمعارضة، وهذه هي الفكرة التي قام عليها الحوار.

المجهر


تعليق واحد

  1. بالغت عديييييل يالتاج بحكاية بان شيخك له تواصل خاص بالرب !!!!!! المهم لقد رحل وهو غير حرامى ولا احد من اسرته