مقالات متنوعة

امام محمد امام : القمة الإفريقية.. ومعالجة استهداف المحكمة الجنائية (*)


القمة الإفريقية.. ومعالجة إستهداف المحكمة الجنائية (1)
لم يكن مستغرباً ولا مستبعداً، بالنسبة لمراقبي الشأن السياسي الأفريقي داخل السودان وخارجه، أن تؤكد قمة الاتحاد الإفريقي السابعة والعشرين التي اختتمت أعمالها أول من أمس (الإثنين) في كيغالي العاصمة الرواندية، التزامها بالإجماع الإفريقي الرافض لاستهداف المحكمة الجنائية الدولية للقارة الإفريقية. وجددت موقفها الرافض للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، تمسكاً بما اتفق عليه الرؤساء الأفارقة خلال قمتي أديس أبابا وجوهانسبيرج الماضيتين في هذا الخصوص. وعلى الرغم من إعلان 34 دولة إفريقية تصديقها على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإنه في ختام القمة الأفريقية السادسة والعشرين، كان هناك توافق جماعي من القادة الأفارقة على تأييد مبادرة تهدف إلى انسحاب جماعي من هذه المحكمة التي تستهدف قادة قارتهم. ولم يتردد الرئيس التشادي إدريس ديبي عند ترؤسه للاتحاد الإفريقي, أن يصف المحكمة الجنائية الدولية بأنها تستهدف بشراسة إفريقيا والقادة الأفارقة، مشيراً إلى أنها استهدفت رؤساء حاليين، في ما تشهد سائر أنحاء العالم الكثير من الأحداث والانتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان، لكن أحداً لم يعبر عن القلق أزاءها. وذهب الرئيس التشادي دبيي إلى أن المحكمة الجنائية الدولية، تكيل بمكيالين، لهذا قرر القادة الأفارقة تنسيق مواقفهم كي تدرك المحكمة الجنائية الدولية أهمية الموقف الأفريقي في هذه المسألة. وأحسب أن علاقة المحكمة الجنائية الدولية والقادة الأفارقة منذ صدور مذكرة اعتقال ضد الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في عام 2008، صارت علاقة متوترة، حيث أصدر الاتحاد الإفريقي قرارات متتالية تنص على عدم التعاون مع المحكمة، إضافة إلى اتهام الاتحاد الإفريقي المحكمة الجنائية الدولية، باستهداف عنصري للقارة الإفريقية. ومن الضروري, الإشارة إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تستمد صلاحيتها واختصاصاتها، باعتبارها منظومة قضائية أممية، لتحقيق العدالة الدولية، لذلك خلال مفاوضات نظام روما، حاولت كثير من الدول جعل هذه المحكمة ذات سلطة عدلية قضائية عالمية، لكن هذا الاقتراح فشل بسبب معارضة الولايات المتحدة الأمريكية، مما دعا إلى ضرورة التوصل إلى تفاهم حول كيفية عرض القضية عليها، مع مراعاة الظروف في الخطوات التالية: •إذا كان المتهم بارتكاب الجُرم مواطناً لإحدى الدول الأعضاء أو إذا قبلت دولة المتهم بمحاكمته. •إذا وقع الجُرم المزعوم في أراضي دولة عضو في المحكمة أو إذا سمحت الدولة التي وقع على أراضيها للمحكمة بالنظر في القضية. •إذا أُحيلت القضية للمحكمة من قبل مجلس الأمن الدولي. لم تتحمس الكثير من الدول للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، خشية التدخل في استقلال القضاء في تلكم الدول. ومن الدول الرافضة لهذا السبب وأسباب أخرى التصديق على ميثاق روما، ثلاث من الدول التي تملك العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، وهي الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، ودول أخرى كالهند وسبع عشرة دولة عربية، وعدد من الدول الإفريقية والآسيوية.. ألخ، حتى أن بعض الدول التي كانت تعتزم التصديق على ميثاق روما، تراجعت وغيرت موقفها من المحكمة. أليس من الملفت للانتباه، والمثير للدهشة والجدل، أن المحكمة الجنائية الدولية لم تنظر سوى أربع حالات كلها من إفريقيا، أوغندا وجمهورية الكنغو الديمقراطية وجمهورية إفريقيا الوسطى والسودان، وكأن الجرائم الجسيمة التي تتطلب العدالة الدولية قاصرة على القارة السمراء. لقد ركزت المحكمة على بند إحالة القضية من مجلس الأمن الدولي إليها. وهذا ما حدث في إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف المدعي العام السابق الأرجنتيني أوكامبو للرئيس السوداني عمر البشير. مما دفع خبراء القانون الدولي والسياسيين للكتابة والمناظرة، وجعل كثيراً من هؤلاء الخبراء القانونيين ، يعتبرون مذكرة التوقيف بحق الرئيس البشير رسالة سياسية أراد أن يوجهها إليه الغرب، أكثر من محكمة قانونية. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن التوتر واضطراب العلاقة بين القادة الأفارقة والمحكمة الجنائية الدولية، أخذ أبعاداً أخرى، بخلاف قضية توقيف الرئيس عمر البشير، منها مطالبة الرئيس الكيني أوهورو كينياتا ووليام روت نائب الرئيس الكيني، للتحقيق أمام المحكمة التي فتحت تحقيقات في ثمانية بلدان كلها إفريقية، هي كينيا وساحل العاج وليبيا والسودان والكنغو الديمقراطية وإفريقيا الوسطى وأوغندا ومالي، مما دفع الأفارقة للقول إن المحكمة أُنشئت لمعاقبة الأفارقة فقط، وأنها تستهدفهم بشراسة. وعبر الرئيس الزيمبابوي روبرت موغابي, عن استهداف المحكمة الجنائية الدولية تعبيراً قوياً، قائلاً (إن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لم أره مطبقاً ضد أي شخص جلده أبيض.. هل الذين لديهم جلود بيضاء معفون من الوصول إلى المحكمة)، مشيراً إلى الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير ارتكبا أعمالاً فظيعة في العراق وأفغنستان، واعترفا بأنهما ارتكبا أخطاء. كما قتلوا صدام حسين، ورغم ذلك لم تتم إحالتهما من قبل مجلس الأمن الدولي إلى المحكمة الجنائية الدولية لتحقيق العدالة. أخلص إلى أن هنالك تغييرات في مواقف بعض الدول الإفريقية في المحكمة الجنائية الدولية بسبب أستهدافها للقادة الأفارقة. فقد تصاعدت موجات الغضب الإفريقي ضد المحكمة الجنائية الدولية، مما سيفرض على القادة الأفارقة التفكير الجدى في إنفاذ مبادرة الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية بالنسبة لأعضاء الأتحاد الإفريقي الموقعين على تصديق ميثاق روما، وبدأت دول مثل جنوب إفريقيا وبتسوانا في مناقشة منظوماتها المختصة بمسألة الانسحاب من هذه المحكمة، بعد أن عارضتا كل التوجهات الإفريقية ضد المحكمة الجنائية الدولية. وسنواصل غداً البحث عن أساليب معالجة القمة الإفريقية لاستهداف المحكمة الجنائية للقادة الأفارقة وتشكيل القمة الإفريقية للجنة الوزارية، لبحث الأمر مع مجلس الأمن الدولي.

القمة الإفريقية.. ومعالجة استهداف المحكمة الجنائية (2)
تداعى القادة الأفارقة في قمة الاتحاد الإفريقي السابعة والعشرين، التي اختتمت أعمالها في كيغالى العاصمة الرواندية يوم الإثنين الماضي، إلى الإسراع في اتخاذ خطوات عملية وأساليب ناجعة لإنفاذ قرارها الرافض لاتهامات المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني البشير، وبخلاف قضية توقيف الرئيس السوداني عمر البشير، مطالبتها الرئيس الكيني أوهورو كينياتا ووليام روت نائب الرئيس الكيني، للتحقيق معهما أمام المحكمة التي فتحت تحقيقاً في ثمانية بلاد كلها إفريقية، هي كينيا وساحل العاج وليبيا والسودان والكونغو الديمقراطية وإفريقيا الوسطى وأوغندا ومالي، وذلك من خلال تكليف القمة الإفريقية للجنة وزارية للاتصال بمجلس الأمن الدولي، بغرض توضيح موقف الدول الإفريقية في هذا الصدد. وطالبت القمة الإفريقية هذه اللجنة الوزارية بتقديم تقرير في هذا الشأن إلى القمة الإفريقية المقبلة التي ستعقد في يناير 2017 بأديس أبابا .ومن المتوقع، أن تعمل هذه اللجنة الوزارية الإفريقية التي شكلتها القمة الإفريقية الأخيرة، جاهدة خلال قرابة الستة أشهر المقبلة، على معالجة إشكالية التوتر الحادث، والاضطراب الناشب، في علاقة القادة الأفارقة والمحكمة الجنائية الدولية، بسبب تأكيد هؤلاء القادة على أن هذه المحكمة تستهدفهم في قراراتها من خلال جمع معلومات وإفادات بأساليب غير شرعية وقضية رشاوى سيلفيا أليخاندرا فرنانديز دي غورميندي رئيسة المحكمة الجنائية الدولية، ليست بعيدة عن الأذهان، من أجل شراء ذمم الشهود في قضية الرئيس عمر البشير – وأن هذه المحكمة تركز كل أعمالها في القارة الإفريقية – وكأن الجرائم الجسيمة التي تنظر فيها لا يتم ارتكابها إلا في القارة الإفريقية، ومن ثم تقديم تقريرها في القمة المقبلة لاتخاذ القرار المناسب في معالجة هذا الأمر. وكان من المهم، توضيح البروفيسور إبراهيم غندور وزير الخارجية للوسائط الصحفية والإعلامية حقيقة أن القمة الإفريقية أشارت إلى أنه إذا لم يستجب مجلس الأمن الدولي لإرادة الدول الإفريقية حول هذه القضية، فإن على اللجنة الوزارية وضع خطة للخروج الجماعي للدول الإفريقية من المحكمة الجنائية الدولية. وأحسب أن على الوسائط الصحفية والإعلامية ،دور مهم في إسناد الجهد السياسي والدبلوماسي الرسمي والشعبي المتعلق بقضية مذكرة توقيف الرئيس عمر البشير، لا سيما بعد أن اتضح جلياً للعيان أن عدالة المحكمة الجنائية الدولية انتقائية وفاقدة للأهلية العدلية، بعد أن كشفت إحدى الصحف البريطانية (لندن ايفينينج بوست ) The London Evening Post ، تتعلق بتلقي الأرجنتينية سيلفيا اليخاندرا فيرنانديز دي غورمندي رئيسة المحكمة الجنائية الدولية، في حساباتها المصرفية الخاصة (17) مليون دولار لاستخدامها في رشاوى شهود، لمساعدة المحكمة الجنائية الدولية في الحصول على إفادات تساعد في تقنين اتهام الرئيس عمر البشير بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور، وذلك من أجل تشكيل رأي عام يضعضع سلامة إجراءاتها، ويشكك في مصداقيتها، ليشكل هذا الرأي العام مباغتة قوية لمجلس الأمن في مراجعة قراره المتعلق بتوقيف الرئيس عمر البشير، بعد أن تبين له مدى تضليل المحكمة الجنائية الدولية، وتقديمها لإفادات مضللة وشهود زور، حتى يتسنى للمجلس أمر تحقيق العدالة بعيداً عن المحاكمة السياسية التي ليست من ضمن اختصاصات وصلاحيات المحكمة الجنائية الدولية. أخلص إلى أنه من الضرورى تأكيد أن كثيراً من الدول الأفريقية الموقعة على ميثاق روما ،بدأت في مراجعة مواقفها من المحكمة الجنائية الدولية. وأن مسألة انسحاب دول الاتحاد الإفريقي أصبحت قاب قوسين أو أدنى. وإذا لم يتفاعل مجلس الأمن الدولي مع اللجنة الوزارية الإفريقية التي شكلتها القمة الأفريقية الأخيرة في هذا الخصوص، سيكون للقادة الأفارقة شأن آخر في التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية. وبدأت تترى الانتقادات والتشكيكات في صدقية ونزاهة وعدالة المحكمة الجنائية الدولية، خاصة بعد قضية رشاوى رئيس المحكمة الجنائية الدولية وتداعياتها على صدقية هذه المحكمة . فلا غرو أن شن جوزيف شيلينقي المسؤول بالمجلس الاقتصادي الاجتماعي التابع للاتحاد الإفريقي، هجوماً ضارياً وانتقادات لاذعة، على المحكمة الجنائية الدولية، قائلاً: (إنها غير مستقلة وميزانياتها تأتي من الاتحاد الأوروبي، إضافة الى أنها تتجاهل الجرائم التي ارتكبتها واشنطن في كل من العراق وأفغانستان). وجاءت انتقادات شيلينقي ضد المحكمة الجنائية الدولية، في تصريحات صحفية على هامش القمة الإفريقية في كيغالي، حيث شكك في مهنية قضاة المحكمة قائلاً: (إنهم لم يمارسوا القضاء من قبل في بلدانهم) . فهكذا نلحظ أن القمة الإفريقية الأخيرة بتشكيلها لتلكم اللجنة الوزارية، بدأت خطوات مهمة في معالجة تداعيات استهداف القادة الأفارقة من قبل المحكمة الجنائية الدولية. ومن المأمول أن تعمل وزارة الخارجية في تنسيق الجهود الرسمية والشعبية المتعلقة بقضية المحكمة الجنائية في الإطار المحلي والإقليمي والدولي، وذلك لن يتأتى لها إن لم تفكر جدياً في تشكيل منظومة تنسيقية لهذه الجهود، ومن ثم تفعيل قرارات قمة الاتحاد الإفريقي في معالجة هذه القضية بأساليب ناجعة وطرائق مستحدثة في تشكيل موجهات الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، مستخدمة في ذلك الوسائط الصحفية والإعلامية بشكل مكثف وفعال.