الصادق الرزيقي

جهد لابد منه


> ثمة ملاحظات مهمة تحتاج الي جهد وعمل جبار في قرارات القمة الإفريقية الأخيرة بالعاصمة الرواندية كيغالي ، حول تحرك دول القارة وسعيها لدى مجلس الامن الدولي لسحب ملف السودان من المحكمة الجنائية الدولية ، ولا يخالف إثنان ولا تنتطح عنزان في أن القرار الخاص بالمحكمة الصادر عن القمة هو من اقوى القرارات القارية واكثرها وضوحاً في التعامل مع المحكمة ، لكن هناك عدة تساؤلات حول الكيفية التي بموجبها يمكن التحرك الفوري ، وما إذا كان هذا التحرك سيكون له أثره الفعال في سحب الملف أو تجميده كما تنص المادة السادسة عشر من نظام روما . > من الواجب أن نعي حقيقة واضحة وهي أن الدول الافريقية وهي تلتزم بما قرره قادتها في قمتهم الأخيرة بكيغالي والقمتين السابقتين لها بأديس أبابا وجوهانسبيرج ، عليها تجنب المنزلقات القانونية وجدالاتها الطويلة في مناقشة موضوع المحكمة ، فالقضية سياسية في الدرجة الاولى ، وما يترتب عليها هو تفاهمات وحلول سياسية مع القوى الدولية المهيمنة علي القرار الدولي ، فمجلس الأمن الذي احال الملف الي المحكمة هو الجهة الوحيدة القادرة على إسترجاعه أو تجميده ، فليست هناك حلول اخرى تقوم علي مطلق القانون وحججه مهما كانت . وهنا تبدو فرص التفاهم السياسي والتنسيق في اطار اللجنة التي تضم ثماني وزراء خارجية دول افريقية ، التي ستجلس وتجتمع مع مجلس الامن الدولي لإبلاغه القرارات الافريقية المجمع عليها ، هو الطريق الأسهل او الممكن في الوقت الراهن مع عدم إهمال اي مسارات اخرى ومنها المسار القانوني المحض وتتولاه جهات مختصة من بين خياراتها رفع دعوى لدي محكمة العدل الدولية حول بطلان الإحالة من مجلس الامن الدولي . > أما كيف سيكون التفاهم السياسي وما هو مداه والمطروح فيه وحجم تنازلاته ومحاوره ، فتلك قضية ظرفية غير مطروح الآن تفاصيلها ، مع العلم ان لدى السودان والبلدان الافريقية ما تساوم به واهمها حول الاصرار علي الانسحاب الجماعي من المحكمة ويعني هذا نهايتها والتعجيل بالموت الرحيم لها وهي تعاني من اوجاع مميتة وحالة لا يمكن شفاءها بعد إنكشاف الرشى والفساد الاخير . > ويجب علي الدبلوماسية السودانية تجنب الطريقة التي تمت بها تسوية حالة الرئيس الكيني اهورو كينياتا ، الذي توصل في منتصف العام 2015 الي تفاهم سياسي تم إستكماله في سبتمبر من العام نفسه ووضعت لمساته الأخيرة في لقاءاته بنيويورك خلال تواجده في قمة أهداف الألفية للتنمية وإجتماعات الدورة ال70 للامم المتحدة ، فما إن عاد الرئيس الكيني من الامم المتحدة حتي أعلن عن نيته الذهاب الي المحكمة في لاهاي والمثول أمامها ، وقد كان وسط حالة من التساؤلات والاستغراب . > فالحالة السودانية والتعامل معها وابعادها السياسية والفكرية ومقاصدها الإستراتيجية تختلف تماما عن الحالة الكينية ، ولذا كانت التسوية السياسية سهلة وميسورة وتم تجاوز القضية للرئيس الكيني، وهذا غير متاح او غير وارد بهذه الكيفية في الملف السوداني ، لكن مع ذلك لا يمكن التعويل علي غير التفاهم السياسي . > مقابل كل هذه التحركات تبذل المحكمة الجنائية الدولية هذه الايام ومن فترة ليست بالقصيرة ، جهوداً حثيثة لا تتوقف ، للإلتفاف حول قرارات البلدان الإفريقية لمنعها من إتخاذ خطوات الإنسحاب ، خاصة أن خطوات الإنسحاب تبدأ بقرارات حاسمة تتخذها البرلمانات في الدول الافريقية ، وهناك وحسب ما تقوله المعلومات تحركات تقوم بها المحكمة ومنظمات غربية لإغواء وإغراء للبرلمانيين الأفارقة واعضاء بارزين داخل العديد من المجالس النيابية لإستقطابهم ضد فكرة الإنسحاب الجماعي ووضع العراقيل أمام اي توجه يقود للإنسحاب . > علي الحكومة وخاصة وزارة الخارجية وبقية الجهات المنوط بها العمل في ضمان قوة الموقف الجماعي الإفريقي ، العمل الدؤوب والجبار لتعزيز هذا الموقف المتقدم وتدعيمه وتشجيعه والإبقاء عليه ساخناً ، وذلك عبر خطة عمل للتحرك الفوري والمتواتر وتشجيع عقد الملتقيات والندوات وورش العمل للفاعليات الإفريقية المختلفة وادوات الرأي العام والصحافيين ومنظمات المجتمع المدني ، فليس صعباً اللعب في موقع متقدم في خط الهجوم وقد لاحت الفرص .