حيدر المكاشفي

من اهل القوم الى من يهمهم الامر


زارني بمقر الصحيفة قبيل عطلة العيد بقليل من عرّفوا أنفسهم بأنهم من أحباب ومريدي الطرق الصوفية (ربما قصدوني تيمناً باسم المكاشفي الذي أحمله)، شاكين من المضايقات التي ظلت قبابهم ومزاراتهم تتعرض لها ممن أسموهم بالظلاميين، ووصفوهم بأنهم ذوو لحى كثة، وجلابيب قصيرة، ووجوه عابسة ومتجهمة، وأقوال غليظة، وأجسام سمينة.. وموضوع الشكوى هو أن هذه الجماعة اعتادت من فترة لأخرى التهجم على مشايخهم ورموزهم الصوفية والهجوم على القباب والمزارات لتحطيمها، مستشهدين بما جرى مؤخراً بمدينة سنار، وقالوا إن الروح الصوفية السمحة والمتسامحة هي ما منعتهم حتى الآن من الرد بالمثل، ولكنهم ربما لن يحتملوا أكثر مما احتملوا وصبروا، ولهذا يريدون إبلاغ صوتهم لمن يعنيهم الأمر بأن يكفوا عنهم أذى هذه الجماعات، لترعوى عن استهدافهم واستفزازهم حتى لا يقع ما لا تحمد عقباه..
الشاهد أن هذا (النشاط المتطرف) قد أخذ في التنامي في الآونة الأخيرة، ومن أمثلته شكوى سابقة كنت قد تلقيتها من مجموعة من الأحباب والمريدين ممن اعتادوا على تنظيم حلقات ذكر راتبة بمقابر حمد النيل، وهي حلقات مشهورة ذاع صيتها حتى على المستوى العالمي، ومثار تلك الشكوى كان عن جماعة من المهووسين والمتطرفين درجوا على الحضور عصر كل جمعة والتجمهر قريباً من حلقة الذكر والشروع في استفزازهم والتشويش على أذكارهم.. وقبل حادثة التشويش على حلقات الذكر بحمد النيل، أذكر أن جماعة مماثلة لمتطرفي حمد النيل بل ربما تكون هي نفس هذه الجماعة، كانت قد أغارت على قبة الشيخ حسوبة بمنطقة سوبا وأعملت فيها آلات التحطيم، ثم لم يكد يمضي على هذه الحادثة كثير وقت إذا بمدينة الأبيض حاضرة شمال كردفان تصحو ذات صباح حزين على حادث اغتيال بشع راح ضحيته على يد جماعة متطرفة ومتخصصة في مهاجمة القباب والمتصوفة، شيخ تسعيني من مريدي الطريقة الإسماعيلية، نذر نفسه للعمل كحارس لضريح الشيخ إسماعيل الولي لما يقارب الأربعين عاماً، هو الشيخ المسن إبراهيم البلولة الشهير بـ(الكباشي)، الذي وجد منحوراً ومذبوحاً ذبح الفراخ بطريقة وحشية، لا تمت للدين بأدنى صلة، بل هي للحقد والكراهية وعمى البصيرة أقرب وألصق وأليق، وقبل ذلك كان جهاز الأمن قد داهم وطارد بعض الشباب الذين كشفت الأقدار وحدها مخططاتهم التخريبية التطرفية وهي في مهدها، وألقى القبض على بعض خلاياهم وأعلن أنه سيجري معهم حوارات فكرية معمقة للتخلي عن الأفكار المتطرفة التي عشعشت في عقولهم الصغيرة وأصابتهم بالعشى والغبش الديني..
إن الفتنة أشد من القتل، كما قال جلَّ وعلا، والفتنة الدينية أشد من غيرها من الفتن، وهي بحمد الله ورغم هذه الحوادث المؤسفة والمزعجة، ماتزال نائمة نرجو ألا تدعوها تصحو وتكبر فتصعب السيطرة عليها…