احلام مستغانمي

الطريق الأقصر لمعرفة الآخر (1)


دعتني السيدة إيستير أدلير عمدة جنيف للغداء ، بصفتي الرئيسة الفخرية للمهرجان الدولي السينما الشرقية . موعد تمّ حجزه قبل شهر من وصولي إلى جنيف ، وقبل الموعد بأسبوع اعتذرت مديرة مكتبها عن وصولها متأخرة 15 دقيقة بسبب اجتماع سياسي طارئ . لم يكن أحد المطاعم الفاخرة ، الذي اعتاد أثرياء العرب في جنيف دعوتي إليها ، بل المطعم الذي ترتاده السيدة العمدة . مطعم راق لكن دون أبّهة زائدة ، حجزت فيه طاولة ركنية مستديرة .
على مدى ساعتين ، لم يحضر مدير المطعم لتحيّتها ، ولا تسابق عمّال المطعم لخدمتها ، أو زايدوا في مجاملتها أكثر من غيرها من الزبائن ، فهي على وجاهتها ليست سوى موظفة سامية في خدمتهم ، وليس العكس ، وهي تحكم جنيف وتدير شؤونها بفضل حزب الخُضر. سيدة بسيطة كأزهار المروج ، لا زينة أو ثياب بتوقيع أكبر الماركات ولا مجوهرات ولا حقيبة ثمينة ولا ساعة من ألماس في معصمها ، وقتها هو أغلى ما أحضرت معها ، فهي تدري بالضبط متى عليها أن تغادر لإلتزام آخر ينتظرها . حمدت الله أنني حضرت بدوري في هيأة بسيطة ، قرار اتخذته بعد أن دخلت الأنترنيت لأتعرّف من الصور على شخصيتها .
رأيتها تطلب لائحة الطعام المعروض ذلك اليوم بسعر محدد ، واقترحت عليّ بعض الأطباق الأغلى سعرًا لكنني سايرتها بطلب وجبة من القائمة نفسها ، و عندما انتهى الغداء ، كانت هي من دفعت الحساب ، لا مديرة مكتبها التي كانت ترافقنا ، وبدا لي أنها دفعت الفاتورة من حسابها الخاص ، وهو ما أكده لي مدير المهرجان لاحقاً.
إنه درس في احترام الوقت، واحترام الآخر، واحترام المال العام كما المال الخاص، في بلد البنوك والأموال . . والساعات .
( يتبع )