الطاهر ساتي

دائرة الخطر ..!!


:: ( السوداني)، عدد البارحة، بقلم المحررة الشجاعة ايات فضل، نقلت التفاصيل المؤلمة..فالحدث كان عند الثانية ظُهر الخميس الفائت – بسجن كوبر – تنفيذ حُكم الإعدام على مُغتصب وقاتل الطفل عز الدين، وكانت ايات شاهدة على كل لحظات تنفيذ هذا الحُكم .. محررتنا تستحق الإشادة، لا على رصدها لتفاصيل الحدث فحسب، ولكن على تحملها – بشجاعة وصبر – لتلك التفاصيل، بما فيها لحظة الحوار الأخير ما بين السجان والمُدان، ثم لحظة وضع الحبل على العنق ثم سحب مفتاح الأبواب الأرضية.. ايات شجاعة، ومخلصة للمهنة، وإلا لما شاهدت ورصدت هذه اللحظات بدقة..!!
:: ولكن في خضم تفاصيل رصد الحدث، كنت ابحث عن علاقة المُدان بأسرة الطفل عز الدين.. اللهم اجعل هذا الطفل ذخراً لوالديه، وفرطاً وأجراً وشفيعاً مجاباً, وثقِّل به موازينهما وأعظم به أجرهما، و أخلف لهما خيراً..فالعلاقة – كما قالت الصحيفة – أن المدان كان يعمل في ترميم منزل جد الطفل، ثم إغتصبه وقتله ودفنه.. وهذا ما يجب التحذير منه دائماً..أي في كل قضايا التحرش والإغتصاب، ليس في السودان فقط، بل في الدنيا كلها، نادراً ما يكون المدان غريباً عن أسر الضحايا ..!!
:: نعم، ليس بالضروة أن يكون المعتدي على الطفل غريباً..هذا الظن الشائع ( خاطئ جدا).. فالشاهد أن وراء كل جريمة تحرش وإغتصاب علاقة ما – عمل، مجتمع، رحم – بين المجرم و أسرة الضحية .. ولذلك كان – ولايزال – تحذير وتنبيه علماء التربية والقانون بأن ندرس ونفحص العائلة وعمالتها والجيران و الرياض والمدرسة و الخلوة و الملاعب وكل الأشياء التي حول الطفل بوعي و دقة..أي يجب فحص الدائرة المجتمعية الضيقة التي يتحرك فيها الطفل بحرية وبراءة، لأنها الدائرة المحفوفة بالمخاطر …!!
:: وقد تنجح – بالتخويف – من إبعاد الطفل من دائرة الغرباء ( أخياراً كانوا أو أشراراً)، ولكن ليس من السهل إبعاده من أشرار الدائرة التي يتحرك فيها من (يعرفك ويعرفه)، إلا بوعيك و سلامة فحصك لمن حولك .. نعم، فالحقيقة الصادمة هي أن أعلى نسب الإعتداء على الأطفال – في كل دول العالم – يتصدرها من كان يثق فيهم أولياء أمور الطفل.. أي من يتحركون مع الطفل و أسرته في تلك الدائرة الصغيرة، عُمالاً كانوا أو جيراناً أو ذوي القربى .. ولذلك لا تكتفي المحاكم بمعاقبة المدان فقط، بل تعاتب أيضاً ولي أمر الطفل على الإهمال و( عدم اليقظة)..!!
:: ومع تكثيف الوقاية وتوفير وسائلها الإرشادية في (مجتمع الطفل)، آن الأوان أن يتم تنفيذ أحاكم الإعدام في قضايا الطفل في ( مجتمع الطفل أيضاً).. أي في محليته، هذا إن لم يكن في ميدان عام – بقريته أو مدينته – كما تطالب منظمات المجتمع المدني..ويجب أن يتم العقاب تحت سمع وبصر وسائل الإعلام..فالمهم يجب ألا يكون هذا العقاب ( في خفاء)، أي فقط خلف جدران السجون المركزية، كما يحدث حاليا، بل يجب أن يكون لكل عقاب صدى في مجتمع الطفل ..ولا يجب أن يكون هناك عفواً – أو تستراُ – في قضايا الطفل، تحرشاً كان أو أي نوع من أنواع العنف، اوكما يفعل البعض بمظان أن الجهر بالقضية (وصمة عار).. فالعار الحقيقي هو ألا نصنع للغد جيلاً سوياً بالعفو أو تستر على (غير الأسوياء) ..!!