مقالات متنوعة

طه النعمان : (انقلاب تليفزيوني).. (2)


*انتهينا في الحلقة الأولى من هذه الإضاءة إلى طرح بعض الأسئلة التي رأينا أنها مشروعة ومعقولة ومنطقية.. ذلك للغموض والغلالات الكثيفة التي أحاطت بمحاولة الانقلاب التركية (التلفزيونية).. من مثل هل كانت المحاولة (مؤامرة صغيرة) تقف وراءها وأغرت منفذيها (مؤامرة أكبر) وأعمق؟.. أم أنها حماقة لم يتحسب فاعلوها للعواقب؟.. وهي تبقى (أسئلة) عصية على الإجابة أو التحليل في غياب المعلومات الدقيقة والموثقة الحاضرة.. لكنها أسئلة تطرق بالحاح على العقول وتؤرق الخواطر في انتظار الفهم والإجابة ولو في المستقبل.. (يا خبر بفلوس بكرة أبقى ببلاش)!
*وسط زخم (الانتصار) الذي تحقق لاردوغان و(نظامه)، لاحظ المراقبون أن المنتصر الأكبر، ربما لم يكن أردوغان رغم فرحته بالفرصة التي واتته لتحقيق أحلامه في حكم شبه مطلق عبر تعديل الدستور، ليجعل من نفسه رئيساً واسع الصلاحيات، يدير البلاد من منظور قائد (النظام) وليس كـ (حكومة وإدارة) تأتي وتذهب في إطار التداول السلمي للسلطة في بلد ديمقراطي.. لكن الشعب الذي انتصر للديمقراطية ورفض الانقلاب لابد سيجد نفسه مرة أخرى في مواجهة (نظام) أتى عبر صناديق الاقتراع، ولكنه – للمفارقة- يتأبط أجندة انقلابية اقصائية بنية الديمومة والتأبيد، وفقاً للآيدلوجية المحركة لحزبه..الإسلام السياسي.. خصوصاً بعد أن أصبحت تركيا هي المقر الأهم لحركة (التنظيم الدولي للإخوان) على مستوى المنطقة والعالم.
*منذ الساعات الأولى لفشل (المحاولة التليفزيونية) خرج أوردغان لوضع تلك (الأجندة) موضع التطبيق فلم يوفر وقتاً في العمل والترتيب لتعديل الدستور في موضوعين يهمانه بشكل رئيس.. ألا وهما إعادة (عقوبة الإعدام) إلى مواد الدستور بعد أن ألغيت عام (2004)، بغرض التماهي مع مطلوبات الانضمام لمنظومة الاتحاد الأوروبي.. وتعديل صلاحيات الرئيس على حساب سلطات (رئيس الوزراء)، الذي كانه أردوغان نفسه في يوم من الأيام، في بداية وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، حيث تم نصب صديقه (عبد الله غول) رئيساً شرفياً ورمزياً، وأدار اردوغان البلاد وفقاً لرؤيته ومنظوره السياسي والاقتصادي.. وللحق فقد صادف الرجل نجاحاً أهله لتوسيع شعبية حزبه وخرج بالاقتصاد التركي إلى آفاق تنموية لفتت أنظار العالم.. بما أغراه بالاستغراق في أحلام الديمومة والاستمرار.
*أما إعادة (عقوبة الإعدام) فهي تؤكد عزم الرجل في السيطرة والإنفراد عبر نظام رئاسي قابض.. يرهب الخصوم.. ويجعل تحدي سلطته أو (نظامه السياسي) يعني الموت الزؤام.. وهذا يطرح سؤالاً لا نملك إجابة له من وجهة نظر الشرع الإسلامي: فهل تحدي السلطة الزمنية.. سلطة الحاكم أو محاولة تغييره توجب الإعدام.. أم أن الإعدام شرعاً يرتبط بإزهاق الأرواح وفق معيار (النفس بالنفس والجروح قصاص)؟
*على كل حال هذا العزم وهذه النية في الانتقام بدت متوفرة في خطاب أردوغان عقب الانتصار السريع على المحاولة التليفزيونية.. فقد طالت الاعتقالات أكثر من ستة آلاف معظمهم من العسكريين وأعضاء السلك القضائي، وشملت قيادات عسكرية ذات رتب رفيعة ككبير لمستشاري العسكريين لأردوغان نفسه وقائد قاعدة (أنجرليك) العسكرية، التي جرى إغلاقها مؤقتاً أثناء المحاولة الانقلابية، والتي تتخذها الولايات المتحدة منطلقاً لعملياتها في سوريا ضد مواقع (داعش) و(النصرة).. وربما وجد الرئيس التركي في مقتل أكثر من 290 نفساً أثناء المحاولة مبرراً كافياً لرفعه في مواجهة معارضي استعادة (مادة الإعدام).. لكن الخطوة التي حذرت منها العديد من الدول من بينها روسيا وفرنسا ولبنان- على لسان وليد جنبلاط – ستباعد بين انقرا وبروكسيل عاصمة الاتحاد الأوروبي إذا ما تم إقرارها بالفعل.. وهي كما رأى المحذرون ربما تكون مقدمة للانتقال بتركيا من دولة ديمقراطية– علمانية مفتوحة إلى نظام مستبد وقابض.